الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فيما لم ينزل فيه وحي.
الدليل الثاني: حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: لَمَّا ذُكِرَ من شَأْنِي الذي ذُكِرَ وما عَلِمْتُ بِهِ، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه بِمَا هو أَهْلُهُ، ثُمَّ قال:"أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ في أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي (1)، وَايْمُ اللَّه! ما عَلِمْتُ على أَهْلِي من سُوءٍ"(2).
• وجه الدلالة: قال ابن حجر: "والحاصل: أنه استشارهم فيما يفعل بمن قذف عائشة، فأشار عليه سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير بأنهم واقفون عند أمره، موافقون له فيما يقول ويفعل، ووقع النزاع في ذلك بين السعدين، فلما نزل عليه الوحي ببراءتها أقام حد القذف على من وقع منه"(3).
النتيجة:
صحة الإجماع؛ لعدم المخالف.
[120/ 120] يجب على الإمام استشارة أهل العلم فيما لا يُعلم فيه نص أو إجماع
• المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على وجوب استشارة الإمام لأهل العلم فيما لا يُعلم فيه نص من كتاب أو سنة، أو إجماع.
• من نقل الإجماع: ابن عطية الأندلسي (541 هـ) قال: "الشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه"(4).
نقله القرطبي (671 هـ)(5) وأبو حيان الأندلسي (745 هـ)(6)، والحطاب الرعيني (954 هـ)(7) والشوكاني (1250 هـ)(8)، ومحمد عليش (1299 هـ)(9).
(1) أي: عابوا أهلي، أو اتهموا أهلي. يُنظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني (8/ 471).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 343).
(4)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/ 534).
(5)
الجامع لأحكام القرآن (4/ 249).
(6)
تفسير البحر المحيط (3/ 105).
(7)
مواهب الجليل (3/ 360).
(8)
فتح القدير (1/ 394).
(9)
منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل (3/ 246).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (1)، والمالكية (2)، وبعض الشافعية (3).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والآثار:
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (4).
• وجه الدلالة: هذا أمر ظاهره الوجوب، ولا قرينة تصرفه عن ذلك، فدل على أنه واجب في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو في حق من هو دونه أولى (5).
• ثانيًا: السنة:
1 -
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "اسْتَشَارَ النبي صلى الله عليه وسلم مَخْرَجَهُ إلى بَدْرٍ، فَأَشَارَ عليه أبو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَ عُمَرَ، فَأَشَارَ عليه عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فقال بَعْضُ الأَنْصَارِ: إِيَّاكُمْ يُرِيدُ نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. . . "(6).
2 -
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: لَمَّا ذُكِرَ من شَأْنِي الذي ذُكِرَ وما عَلِمْتُ بِهِ، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه بِمَا هو أَهْلُهُ، ثُمَّ قال:"أَمَّاْ بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ في أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي (7)، وَايْمُ اللَّه! ما عَلِمْتُ على أَهْلِي من سُوءٍ"(8).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم-الذي لا ينطق عن الهوى- كان شديد الحرص
(1) المبسوط للسرخسي (16/ 71)، وبدائع الصنائع (7/ 12)، والفتاوى الهندية (6/ 385).
(2)
حاشية الدسوقي (4/ 152)، والتاج والإكليل (6/ 117)، والذخيرة للقرافي (10/ 75).
(3)
قال النووي: "اختلف أصحابنا هل كانت المشاورة واجبة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أم كانت سنة في حقه صلى الله عليه وسلم كما في حقنا، والصحيح عندهم وجوبها، وهو المختار". يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (4/ 76)، ومغني المحتاج (4/ 391)، وإعانة الطالبين (4/ 227).
(4)
سورة آل عمران، الآية:(159).
(5)
يُنظر: الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي، عبد الرحمن عبد الخالق، الدار السلفية ودار القلم، الكويت، طبعة 1975 م (ص 36).
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
أي: عابوا أهلي، أو اتهموا أهلي. يُنظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني (8/ 471).
(8)
تقدم تخريجه.
على مشاورة أصحابه في كثير من الأمور، فإذا كان كذلك فإن المشورة في حق من بعده ألزم وأوجب.
• ثالثًا: الآثار: استشار أبو بكر الصديق رضي الله عنه الصحابة فيمن يكون خليفته من بعده، فأرسل إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهما فقال له:"أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب".
فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال:"اكتب عمر"(1).
• وجه الدلالة: مشاورة أبي بكر رضي الله عنه لكبار الصحابة قبل ثبوت عهده إلى عمر رضي الله عنه.
• من خالف الإجماع: ذهب بعض الشافعية (2)، والحنابلة (3)، إلى أن الشورى من السنن المؤكدة، التي دل عليها الكتاب والسنة، ولكنها لا تصل إلى حد الوجوب.
قال ابن قدامة: "روي أن عمر كان يكون عنده جماعة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، منهم: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، إذا نزل به الأمر شاورهم فيه، ولا مخالف في استحباب ذلك"(4).
وقال ابن حجر العسقلاني: "وعد كثير من الشافعية المشاورة في الخصائص، واختلفوا في وجوبها، فنقل البيهقي في المعرفة الاستحباب عن النص، وبه جزم أبو نصر القشيري في تفسيره، وهو المرجح"(5).
ولعل هذا هو ما ذهب إليه الماوردي وأبو يعلى، حيث ذكرا الشورى من
(1) أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (1/ 352) رقم (1087)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 248).
(2)
انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (4/ 76)، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 341).
(3)
المغني في فقه الإمام أحمد (10/ 99)، والفروع لابن مفلح (6/ 391)، وزاد المعاد لابن القيم (3/ 302)، والإنصاف للمرداوي (11/ 208).
(4)
المغني في فقه الإمام أحمد (10/ 100).
(5)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 341).
وظائف أمير الحرب اللازمة له (1)، ولم يذكراها في واجبات الأئمة، كما أن الفقهاء عند مناقشتهم لها لم يناقشوها على أساس أنها من وظائف الإمام، بل ناقشوها بالنسبة للقاضي (2).
واستدلوا بما يلي:
1 -
ليس هناك دليل يدل على الوجوب إلا الأمر في قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (3)، ولكن هذا الأمر للندب لا للوجوب.
قال الحسن البصري: "قد علم أنه ليس به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده"(4).
2 -
أن الأمر في هذه الآية خاصّ بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشوكاني: "والاستدلال بالآية على الوجوب إنما يتمُّ بعد تسليم أنها غير خاصة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو بعد تسليم أن الخطاب الخاص به يعمّ الأمة أو الأئمة، وذلك مختلف فيه عند أهل الأصول"(5).
فالمقصود: إن كان هناك وجوب فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقياس الأئمة على النبي قياس مع الفارق.
3 -
كما استدلوا بحديث مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إلى الْيَمَنِ قال: "كَيْفَ تَقْضِي إذا عَرَضَ لك قَضَاءٌ"، قال: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّه، قال:"فَإِنْ لم تجِدْ في كتَابِ اللَّه؟ "، قال: فَبِسُنَّةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"فَإِنْ لم تَجِدْ في سُنَّةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا في كِتَابِ اللَّه؟ "، قال: أَجْتَهِدُ رَأْيِي ولا آلُو، فَضَرَبَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ وقال: "الحَمْدُ للَّه الذي وَفَّقَ رَسولَ
(1) يُنظر: الأحكام السلطانية للماوردي (ص 43)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 45).
(2)
يُنظر: الإمامة العظمى للدميجي (447).
(3)
سورة آل عمران، الآية:(159).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 801) رقم (4416).
(5)
نيل الأوطار (8/ 46).