الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإقدامه على المنكرات تحكيمًا للشهوة وانقيادًا للهوى، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد.
وقال بعض المتكلمين: يعود إلى الإمامة بعوده إلى العدالة، من غير أن يُستأنف له عقد ولا بيعة؛ لعموم ولايته، ولحوق المشقة في استئناف بيعته.
وأما الثاني منهما فمتعلق بالاعتقاد المتأول بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق، فقد اختلف العلماء فيها، فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، ويخرج بحدوثه منها؛ لأنه لما استوى حكم الكفر بتأويل وغير تأويل وجب أن يستوي حال الفسق بتأويل وغير تأويل، وقال كثير من علماء البصرة: إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة، ولا يخرج به منها، كما لا يمنع من ولاية القضاء وجواز الشهادة" (1).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[54/ 54] تبطل الإمامة بالإقعاد الميؤوس والجذام والعمى الميؤوس
• المراد بالمسألة: اشترط أهل العلم سلامة الأعضاء مما يعوق استيفاء الحركة للنهوض بمهام الإمامة الكبرى اتفاقًا، فلا تصح إمامة مقطوع الرجلين بدايةً؛ إذ يحول ذلك بينه وبين أداء مهامه لو ولي الإمامة، ويمنع استدامتها فيما لو طرأ عليه بعدئذ، وكذلك لو طرأ عليه علة تتآكل منها الأعضاء وتتساقط، أو حل به عمى ميؤوس.
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلًا، عالِمًا، عدلًا، محسنًا، قويًّا على القيام كما يلزمه في الإمامة"(2). ولا يكون قويًّا على القيام بمهام الإمامة وقد ألم به إقعاد ميؤوس، أو اعتراه الجذام، أو حل به عمى ميؤوس. أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "وَتَبْطُلُ إمَامَتُهُ بِالْجُنُونِ
(1) الأحكام السلطانية (ص 18).
(2)
الاستذكار لابن عبد البر (14/ 40).
الْمُطْبِقِ، وَالْعَمَى الميؤوس، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، إجْمَاعًا" (1).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (2)، المالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
• مستند الإجماع: واستدلوا بالكتاب، والمعقول:
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (6).
قال ابن كثير: "ينبغي أن يكون الملك ذا علم، وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه"(7).
• وجه الدلالة: أنه بدأ بالعلم، ثم ذكر ما يدل على القوة وسلامة الأعضاء، فسلامة الأعضاء من شرط اصطفائه للملك (8).
• ثانيًا: المعقول:
1 -
أن المقصود بالولاية العامة هو تدبير أمور الناس على العموم
(1) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار (5/ 383).
(2)
نص الحنفية على اشتراط البصر لولاية القضاء، فمن باب أولى في الإمامة العظمى. ينظر: حاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 239)، وبدائع الصنائع (7/ 3)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/ 280).
(3)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 271)، ومقدمة ابن خلدون (ص 193)، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 28).
(4)
روضة الطالبين (10/ 42)، ونهاية المحتاج (7/ 409)، والأحكام السلطانية للماوردي (ص 5).
(5)
الأحكام السلطانية للقاضي لأبي يعلى (ص 22)، وكشاف القناع للبهوتي (6/ 160).
(6)
سورة البقرة، الآية:(247).
(7)
تفسير ابن كثير (1/ 302).
(8)
انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 271)، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 28).