الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما مالك فهو على أصله من رد ذلك إلى اجتهاد الأئمة على قدر ما تحتمله الأرض، مستعينًا فيه بأهل الخبرة" (1).
وقال الزيلعي: "وما وظفه إمام آخر في أرض فتحها هو كتوظيف عمر رضي الله عنه في العراق؛ لأنه باجتهاد، فلا يُنقض باجتهاد مثله، ولو أراد أن يُوظف ابتداءً على أرض بقدر طاقتها زيادة على ما وظفه عمر، جاز عند محمد؛ لأنه إنشاء حكم باجتهاد، وليس غيه نقض حكم، وعند أبي يوسف لا يجوز، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله"(2).
وأجيب: بأن خراج التوظيف مقدر شرعًا، واتباع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين- فيه واجب؛ لأن المقادير لا تُعرف إلا توقيفًا، والتقدير يمنع الزيادة؛ لأن النقصان يجوز إجماعًا، فتعين من الزيادة؛ لئلا يخلو التقدير عن فائدة.
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[154/ 154] إن غلب الماء على أرض الخراج أو انقطع عنها سقط الخراج عنها
• المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على سقوط الخراج عن الأرض التي يغلب فيها الماء أو ينقطع عنها.
• من نقل الإجماع: البابرتي (3)(786 هـ) قال: "وإن غلب على أرض الخراج الماء، أو انقطع عنها، فلا خراج عليها بالاتفاق"(4).
• الموافقون على الإجماع؛ الحنفية (5)، والمالكية (6)، والشافعية (7)،
(1) اختلاف الأئمة العلماء (2/ 316).
(2)
تبيين الحقائق (3/ 273).
(3)
هو محمد بن محمد بن محمود بن أحمد البابرتي، أكمل الدين، الحنفي، أخذ عن أبي حيان، وشمس الدين الأصبهاني، له شرح مختصر ابن الحاجب، وشرح عقيدة النصير الطوسي، وشرح مشارق الأنوار للصغاني، توفي سنة ست وثمانين وسبعمائة. يُنظر: الدرر الكامنة (6/ 1)، وطبقات المفسرين للداودي (ص 299).
(4)
العناية شرح الهداية (6/ 36).
(5)
الهداية شرح البداية 21/ 158)، وتبيين الحقائق (3/ 274)، والبحر الرائق (2/ 257).
(6)
المدونة الكبرى (11/ 533)، والتاج والإكليل (5/ 445)، ومواهب الجليل (5/ 445).
(7)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 170)، وفتاوى السبكي (1/ 428).
والحنابلة (1).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أحد عماله: "آمرك أن تطرز أرضهم -يعني: أهل الكوفة- ولا تحمل خرابًا على عامر، ولا عامرًا على خراب، وانظر الخراب فخذ منه ما أطاق، وأصلحه حتى يعمر، ولا تأخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض. . . "(2). كما يُستدل -أيضًا- بالقياس على النماء في مال الزكاة.
قال الميرغيناني: "وإن غلب على أرض الخراج الماء، أو انقطع الماء عنها، أو اصطلم الزرع آفة، فلا خراج عليه؛ لأنه فات التمكن من الزراعة، وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج، وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء بالتقديري في بعض الحول، وكونه ناميًا في جميع الحول شرط كما في مال الزكاة"(3).
• المخالفون للإجماع: ذهب قليل من العلماء إلى القول بأن الخراج لا يسقط عن الأرض بأي حال من الأحوال، حتى وإن لم يحدث انتفاع لصاحب الأرض منها (4).
واستدلوا بالقياس على أن الأرض التي تؤجر وتصيبها آفة، فلا يسقط عنها الأجر، وكذلك أرض الخراج إذا ما أصابها آفة أو غرقت بالماء أو انقطع عنها الماء، فلا يسقط عنها الخراج، وقالوا: "فإن قيل: إذا استأجر أرضا للزراعة، فاصطلم الزرع آفة لم تسقط الأجرة، فما الفرق بينه وبين الخراج؟ ! (5).
وأجيب عن ذلك: بأن هذا القياس لا يصح؛ لسببين:
أولهما: أن الأجر يكون إلى وقت إصابة الأرض بالآفة ولا يكون مستمرا بعدها.
(1) المغني في فقه الإمام أحمد (5/ 282)، والإنصاف للمرداوي (4/ 195)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 266).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
الهداية شرح البداية (2/ 158).
(4)
العناية شرح الهداية (6/ 39).
(5)
المرجع نفسه.