الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[13/ 13] أن يكون الإمام عدلًا
• المراد بالمسألة: العدل لغة: القصد والتوسط في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط، وقيل: ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور، عدل الحاكم في الحكم يعدل عدلًا، وهو عادل من قوم عدول، وعدل عليه في القضية فهو عادل، وبسط الوالي عدله ومعدلته (1). والعدل من الناس: المرضي قوله وحكمه. وتُسمى التسوية بين الأشياء: عدلًا؛ لأن التسوية ضرب من ضروب العدل. والعَدَالَةُ: صفة توجب مراعاتها الاحتراز عما يخلّ بالمروءة عادة ظاهرًا، فالمرة الواحدة من صغائر الهفوات وتحريف الكلام لا تخل بالمروءة ظاهرًا؛ لاحتمال الغلط والنسيان والتأويل، بخلاف ما إذا عُرف منه ذلك وتكرر، فيكون الظاهر الإخلال، وُيعتبر عرف كلّ شخص، وما يعتاده من لبسه، وتعاطيه للبيع والشراء، وحمل الأمتعة، وغير ذلك، فإذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قدح وإلا فلا (2).
العدل في الاصطلاح: عند الرجوع إلى استعمالات العلماء لكلمة العدل، لا نجدهم، قد ابتعدوا كثيرًا عن المعنى اللغوي وهو: التوسط بين الإفراط والتفريط. فالعدل في الحكم: المساواة، أو هو الذي لا يميل به الهوى؛ فيجور في الحكم. قال القرافي عن العدل:"المجتنب للكبائر، المتقي للصغائر، ذو مروة وتمييز، وليست العدالة أن يمحض الطاعة حتى لا تشوبها معصية لتعذره، لكن من كانت الطاعة أكثر حاله، وهو مجتنب الكبائر يحافظ على ترك الصغائر، يستعمل المروءة التي تليق بمثله في دينه ودنياه"(3). وبهذا المعنى الاصطلاحي اتفق علماء الأمة على أنه لا بد أن يكون الإمام عدلًا.
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأما جماعة أهل السنة
(1) لسان العرب (11/ 430)(عدل)، ومعجم مقاييس اللغة (4/ 200)(عدل).
(2)
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت (2/ 397).
(3)
الذخيرة للقرافي (10/ 201).
وأئمتهم فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلًا عالِمًا عدلًا. . . " (1) الآمدى (631 هـ) قال: "شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: . . . الرابع: أن يكون عاقلًا مسلمًا عدلًا" (2) نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ) (3). القرطبي (671 هـ) قال: "الحادي عشر: أن يكون -الإمام- عدلًا؛ لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق" (4) ابن تيمية (728 هـ) قال: "الأئمة متفقون على أنه لا بد في المتولي الخلافة أن يكون عدلًا أهلًا للشهادة" (5) الإيجي (756 هـ) قال: "يجب أن يكون -الإمام- عدلًا. . . فهذه الصفات شروط بالإجماع" (6) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "الثالث: (العدالة) بإجماع السلف" (7).
• الموافقون على الإجماع: المالكية (8)، والشافعية (9)، والحنابلة (10)، والظاهرية (11).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة، والمعقول: أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ
(1) الاستذكار لابن عبد البر (5/ 16).
(2)
أبكار الأفكار في أصول الدين (5/ 191).
(3)
إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم (5/ 159).
(4)
الجامع لأحكام القرآن (1/ 270).
(5)
السياسة الشرعية (ص 13).
(6)
المواقف للإيجي (3/ 585).
(7)
البحر الزخار الجامع لأقوال علماء الأمصار (6/ 381).
(8)
التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 366)، والفواكه الدواني (1/ 325)، ومقدمة ابن خلدون (ص 191)، وبدائع السلك في طبائع الملك (1/ 106)، ومنح الجليل (8/ 263).
(9)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5)، وغياث الأمم في التياث الظلم (ص 65)، وروضة الطالبين (10/ 42)، وأسنى المطالب (4/ 108)، ومغني المحتاج (4/ 130)، وحاشية قليوبي (4/ 174).
(10)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 20)، الإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع للحجاوي (4/ 292)، ودليل الطالب لنيل المطالب (1/ 322)، وكشاف القناع (6/ 159).
(11)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 72).
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} (1). قال الطبري: "هذا خبر من اللَّه جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إمامًا يقتدي به أهل الخير"(2).
• وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- أراد أن الظالم لا يكون إمامًا (3).
قال الشوكاني: "استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لا بد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد"(4).
قال الجصاص: "فثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق، وأنه لا يكون خليفة، وأن من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناس اتباعه ولا طاعته"(5).
• ثانيًا: السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ. . . " الحديث (6) قال القاضي عياض: "هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام، وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه"(7).
ومثله: حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عز وجل، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وما وَلُوا"(8). قال النووي: "هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة، أو إمارة، أو قضاء، أو حسبة. . . "(9).
(1) سورة البقرة، الآية:(124).
(2)
تفسير الطبري (1/ 530).
(3)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 85).
(4)
فتح القدير للشوكاني (1/ 138).
(5)
أحكام القرآن للجصاص (1/ 86).
(6)
تقدم تخريجه (ص 44).
(7)
يُنظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (7/ 120).
(8)
تقدم تخريجه (ص 80).
(9)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 212).
• وجه الدلالة: أن الفضل العظيم والثواب الجزيل رُتب على أمر عظيم، وهو: عدل الإمام، مما يدل على اشتراط العدالة في الإمام.
• ثالثًا: المعقول:
1 -
قد ثبت أن الإمام إنما يُقام لإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم، إلى غير ذلك، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها، فلو جوزنا أن يكون فاسقًا أدى إلى إبطال ما أُقيم لأجله (1).
2 -
أن من لا عدالة له لا يؤمن على نفسه فضلًا عن أن يؤمن على عباد اللَّه، ويوثق به في تدبير دينهم ودنياهم، ومعلوم أن وازع الدين وعزيمة الورع لا تتم أمور الدين والدنيا إلا بها، ومن لم يكن كذلك خبط في الضلالة، وخلط في الجهالة، واتبع شهوات نفسه، وآثرها على مراضي اللَّه ومراضي عباده؛ لأنه مع عدم تلبسه بالعدالة وخلوه من صفات الورع لا يبالي بزواجر الكتاب والسنة، ولا يبالي أيضًا بالناس؛ لأنه قد صار متوليًّا عليهم، نافذ الأمر والنهي فيهم (2).
3 -
قال الجويني: "والأب الفاسق على فرط حدبه وإشفاقه على ولده لا يعتمد في مال ولده، فكيف يؤتمن في الإمامة العظمى فاسق لا يتقي اللَّه، ومن لم يقاوم عقله هواه ونفسه الأمارة بالسوء، ولم ينهض رأيه بسياسة نفسه؟ فأنى يصلح خطة الإسلام؟ "(3).
• من خالف الإجماع: الحنفية، وقالوا: يكره تقليد الفاسق، ويُعزل به، إلا لفتنة (4) واستدلوا على ذلك: بأنه قد ثبت أن الصحابة صلّوا خلف أئمة الجور
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 271).
(2)
السيل الجرار (1/ 938).
(3)
غياث الأمم في التياث الظلم (ص 68).
(4)
غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (4/ 147)، والدر المختار (1/ 548)، وبريقة محمودية (1/ 216)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 238)، وحاشية ابن عابدين (1/ 548، 549)، وفيه: "والعدالة ليست شرطًا لصحة الولاية لدى الحنفية؛ إذ يصح تقليد الفاسق الإمامة مع الكراهة، وإذا قُلِّد عدل ثم جار وفسق لا ينعزل، ويُعزل إن =
من بني أمية، ورضوا بتقلدهم رئاسة الدولة (1).
كما في الأثر عن عبد الكريم البكاء (2)، قال:"أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يصلون خلف أئمة الجور"(3).
ونوقش: بأن ذلك في حال التغلب لا في حال الاختيار (4).
وقسّم الماوردي الفسق المانع لعقد الإمامة واستدامتها على ضربين، فقال: "فأما الجرح في عدالته -وهو الفسق- فهو على ضربين: أحدهما: ما تابع فيه الشهوة، والثاني: ما تعلق فيه بشبهة.
فأما الأول منهما فمتعلق بأفعال الجوارح، وهو: ارتكابه للمحظورات، وإقدامه على المنكرات تحكيمًا للشهوة وانقيادًا للهوى، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد.
وقال بعض المتكلمين: يعود إلى الإمامة بعوده إلى العدالة، من غير أن يُستأنف له عقد ولا بيعة؛ لعموم ولايته، ولحوق المشقة في استئناف بيعته.
وأما الثاني منهما فمتعلق بالاعتقاد المتأول بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق، فقد اختلف العلماء فيها، فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد
= لم يستلزم عزله فتنة، بل قالوا: إنه يجب أن يُدعى له بالصلاح ونحوه، ولا يجب الخروج عليه نقلًا عن أبي حنيفة".
(1)
هو عبد الكريم البكاء الشامي، لم أقف على نسبه وتاريخ وفاته، روى عنه البخاري في تاريخه (6/ 90) وسكت عنه، وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 129)، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 60):"روى عنه معاوية ابن أبي حاتم"، ولم يذكره بجرح أو تعديل.
(2)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير، تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفكر (6/ 90) رقم (1800)، والبيهقي فى السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب: الصلاة خلف من لا يحمد فعله (3/ 122) رقم (5087).
(3)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير، تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفكر (6/ 90) رقم (1800)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب: الصلاة خلف من لا يحمد فعله (3/ 122) رقم (5087).
(4)
حاشية ابن عابدين (1/ 549).