الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدن التي أحدثها المسلمون، ولا يُهدم في وجه عندهم فيما فتح عنوة. . . أما فيما فتح صلحًا فلا يُهدم على المذهب إذا وقع الصلح مطلقًا (1).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[95/ 95] تحريم فرض الإمام المغارم والمكوس على وجه غير شرعي
• المراد بالمسألة: المغارم: جمع مغرم، مأخوذ من الغُرم: وهو ما يلزم أداؤه تكلفًا لا في مقابلة عوض (2) والمكوس: جمع مكس، وأصل المكس في اللغة: النقص والظلم. ويأتي المكس بمعنى الجباية والضريبة التي يأخذها الماكس، ويُقال له: العشار؛ لأنه يأخذ العشور في كثير من البلاد، وقد كان معروفًا منتشرًا عند العرب، ويُعرف أحيانًا بالإتاوة، وكان يؤخذ قسرًا عند البيع والشراء في الأسواق في الجاهلية (3).
وما ورد من ذم العشار فهو محمول على من يأخذ أموال الناس ظلمًا، كما يفعله الظلمة اليوم (4).
والمكوس المذمومة والمنهي عنها هي غير نصف العشر الذي فرضه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على تجارة أهل الذمة، وكذلك هي غير العشر الذي ضربه على أموال أهل الحرب بمحضر من الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- ولم ينكره عليه أحد منهم (5).
قال النووي: "أمر كان يعده الفقهاء من الإقطاع، ويعده المختصون في زماننا هذا باسم الترخيص، وهو إذن السلطان، فإذا أراد أحد التجار أن يشغل الطريق أمامه استأذن الحاكم، فمنحه رخصة يتحدد فيها المساحة المأذون في شغلها؛ نظير مكوس يؤديها، توقف على تعبيد الطرق، وتنظيفها، وإنارة
(1) المغني في فقه الإمام أحمد (10/ 599)، وأحكام أهل الذمة (3/ 194)، وكشاف القناع للبهوتي (3/ 133).
(2)
لسان العرب (12/ 346)(غرم)، والمصباح المنير (1/ 194)(غرم).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 349)(مكس)، ولسان العرب (6/ 220)(مكس).
(4)
تبيين الحقائق (1/ 282).
(5)
نيل الأوطار (8/ 141).
الشوارع، وصيانتها من الروائح الكريهة والمزابل المؤذية، وهى من الأمور التي تُناط باجتهاد السلطان، وبصره بالأمور، ونظره في صلاح رعيته" (1).
مما تقدم يتضح أن للمكس معنى مذمومًا، وآخر غير ذلك يُصرف للصالح العام، وقد أجمع أهل العلم على تحريم أخذ أموال الناس بغير حق شرعي، فاستباحة أموال الناس بالمكوس لا يبيحها شرع، ولا يسوغها اجتهاد، ولا هي من سياسات العدل، وقلما تكون إلا في البلاد الجائرة (2).
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن المراصد (3) المَوْضُوعَة للمغارم على الطّرق، وعند أَبْوَاب المدن، ومَا يُؤْخَذ في الأسواق من المكوس على السّلع المجلوبة من المَارَّة والتجار، ظلم عَظِيم، وَحرَام، وَفسق"(4). نقله ابن تيمية (728 هـ)(5) ابن تيمية (728 هـ) قال: "فصارت الأموال في هذا الزمان وما قبله ثلاثة أنواع: نوع يستحق الإمام قبضه بالكتاب والسنة والإجماع كما ذكرناه، ونوع يحرم أخذه بالإجماع، كالجبايات التي تؤخذ من أهل القرية لبيت المال؛ لأجل قتيل قُتل بينهم وإن كان له وارث، أو على حد ارتكبه، وتسقط عنه العقوبة بذلك، وكالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقًا"(6) التقي الحصني (7)(829 هـ)
(1) المجموع شرح المهذب (15/ 233).
(2)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 246).
(3)
المراصد: جمع مرصد، وهو موضع الرصد، أي: موضع مهيأ لرقابة شيء على مسلكه. والمراد بها هنا: المواضع التي يجلس فيها من يُسمى الرصدي نسبة إلى الرصد، وهو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئا من أموالهم ظلمًا وعدوانًا. ينظر: لسان العرب (3/ 178)(رصد)، ومعجم مقاييس اللغة (2/ 400)(رصد)، ومواهب الجليل (3/ 452)، وأسنى المطالب (1/ 448).
(4)
مراتب الإجماع (ص 121).
(5)
قاعدة في الأموال السلطانية، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن الأمير، مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى 1422 هـ (ص 37).
(6)
السياسة الشرعية (ص 37).
(7)
هو أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلى، الحسيني، الحصني، ثم الدمشقي، الشافعي، ويُعرف بالتقي الحصني، ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وتفقه بالشريشي، والزهري، وابن الجابي، وغيرهم، وتشارك هو والعز بن عبد السلام المقدسي في الطلب =
قال: "وكذا من استحل المكوس ونحو ذلك، مما هو حرام بالإجماع"(1) الرحيباني (2)(1243 هـ) قال: "يحرم تعشير أموال المسلمين -أي أخذ عشرها- والكُلَف -أي الضرائب- التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعًا"(3).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7)، والظاهرية (8).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة:
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا
= وقتًا، له: شرح الأسماء الحسنى، وتلخيص المهمات للأسنوي، وقواعد الفقه، وأهوال القبور، وسير نساء السلف العابدات، وغير ذلك، توفي سنة تسع وعشرين وثمانمائة. يُنظر: البدر الطالع (1/ 166)، والضوء اللامع (11/ 81).
(1)
كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، تقي الدين أبو بكر بن محمد الحسيني الحصني الدمشقي الشافعي، تحقيق: علي عبد الحميد بلطجي، ومحمد وهبي سليمان، دار الخير، دمشق، طبعة 1994 م (ص 495).
(2)
هو مصطفى بن سعد بن عبده، السيوطي الرحيباني مولدًا، ثم الدمشقي، الحنبلي، الفقيه الفرضي المحقق، من أكبر تلاميذ محدث الشام الشمس السفاريني، له: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، أتى فيه بالعجب العجاب، وبين فيه اختلافات الروايات والأقوال، وله ثبت خطي موجود في المكتبة التيمورية، توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف. يُنظر: المدخل لابن بدران (ص 443)، وانظر: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار، تحقيق: محمد بهجة البيطار، دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية 1413 هـ (3/ 1541).
(3)
مطالب أولي النهى (2/ 619).
(4)
تبيين الحقائق (1/ 282)، والبحر الرائق (2/ 249)، وحاشية ابن عابدين (2/ 310).
(5)
التاج والإكليل (3/ 452)، ومواهب الجليل (3/ 452)، وحاشية الدسوقي (2/ 6).
(6)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (11/ 203)، وأسنى المطالب (1/ 448)، ومغني المحتاج (1/ 268).
(7)
مجموع فتاوى ابن تيمية (28/ 319)، والفروع لابن مفلح (10/ 374)، والإنصاف للمرداوي (6/ 91).
(8)
مراتب الإجماع (ص 121).
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله -تعالى-: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} (1).
• وجه الدلالة: قال القرطبي: "كانوا عشارين متقبلين، ومثلهم اليوم هؤلاء المكاسون الذين يأخذون من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، فضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله؛ من الزكاة والمواريث والملاهي، والمترتبون في الطرق، إلى غير ذلك مما قد كثير في الوجود، وعُمِل به في سائر البلاد، وهو من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها، فإنه غصب، وظلم، وعسف على الناس، وإذاعة للمنكر، وعمل به، ودوام عليه، وإقرار له"(2).
• ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث بريدة بن عبد اللَّه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -في شأن الغامدية التي زنت فأمر برجمها-: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بيده لقد تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له"(3).
• وجه الدلالة: قال النووي: "فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات؛ وذلك لكثرة مطالبات الناس له، وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه، وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها"(4).
الدليل الثاني: حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ"(5).
• وجه الدلالة: قال الذهبي: "وما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد، ومن أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم؟ ! إنما يأخذون من حسناته،
(1) سورة الأعراف، الآيتان:(85، 86).
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/ 249).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنى (3/ 1321) رقم (1695).
(4)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (11/ 203).
(5)
أخرجه أحمد (4/ 143) رقم (17333)، وأبو داود، باب: السعاية على الصدقة (3/ 132) رقم (2937).