الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم السّلام من الذّنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلًا، لا عمدًا ولا نسيانًا، ولا لخطأ في التّأويل، ولا للإسهاء من اللَّه سبحانه" (1).
فأثبت للأئمة العصمة من جميع الأوجه المتصورة، من المعصية كلها الصغيرة والكبيرة، ومن الخطأ، ومن السهو والنسيان.
فلا يُعتد بخلاف الشيعة الإمامية، وكيف يُعتد بخلافهم ولم يستقم لهم ثمة دليل واحد فيما زعموه؟ ! ! !
النتيجة:
صحة الإجماع في فضل مرتبة النبوة على مرتبة الإمامة.
[2/ 2] وجوب نصب الإمام
• المراد بالمسألة: النَّصْبُ: إقامة الشيء ورفعه قائمًا منتصبًا، من الانتصاب وهو المثول والإشراف والتطاول، وتَنَصَّبَ فلان وانْتَصَبَ إذا قام رافعًا رأسه (2) والإمام: القائد، والقدوة، وقيِّم الأمر المصلح له (3).
ونصب الإمام في الاصطلاح: اختيار خليفة للمسلمين نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا؛ ليقيم فيهم أحكام اللَّه -تعالى-، ويسوسهم بأحكام الشريعة، وتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخلافة (4). وبهذا المعنى فإن نصب الإمام واجب (5) بإجماع العلماء.
(1) بحار الأنوار للمجلسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (25/ 209).
(2)
يُنظر: تهذيب اللغة (12/ 147)(نصب)، ولسان العرب (1/ 758)(نصب).
(3)
تقدم التعريف بالإمام والإمامة لغة واصطلاحًا (ص 41).
(4)
يُنظر: غياث الأمم في التياث والظلم (1/ 15) والفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 72)، ومقدمة ابن خلدون (ص 191)، والدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة، محمد علاء الدين بن علي الحصكفي، (1/ 548).
(5)
الواجب لغة من يجب وجوبًا: لزم.
وفي الاصطلاح هو عند الحنفية ما لزم بدليل فيه شبهة، وهو عند الجمهور ما يذم تاركه شرعًا على بعض الوجوه والفرض والواجب مترادفان شرعًا عند الجمهور ولكنهما مختلفان عند الحنفية، فقالوا: الفرض ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، وحكمه اللزوم علما وتصديقا =
• من نقل الإجماع: أبو منصور البغدادي (1)(429 هـ) قال: "قال جمهور أصحابنا من المتكلمين والفقهاء مع الشيعة والخوارج وأكثر المعتزلة بوجوب الإمامة، وأنها فرض واجب، وخالفهم شرذمة من القدرية، كأبي بكر الأصم، وهشام الفوطي (2)، وقد اجتمعت الصحابة على وجوبها، ولا اعتبار بخلاف الفوطي والأصم فيها مع تقدم الإجماع على خلاف قوليهما"(3). ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفق جميع أهل السنة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة، وجميع الخوارج، على وجوب الإمامة. . . حاشا النجدات من الخوارج. . . وقول هذه الفرقة ساقط، يكفي من الرد عليه وإبطاله: إجماع كل من ذكرنا على بطلانه"(4). أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "نصب الإمام عند الإمكان واجب، وذهب عبد الرحمن بن كيسان الأصم إلى أنه لا يجب. . . وهو مسبوق بإجماع من أشرقت عليه الشمس شارقة وغاربة واتفاق العلماء
= بالقلب -أي يلزم اعتقاد حقيته- وعملًا بالبدن، حتى يكفر جاحده، ويفسق تاركه بلا عذر. وحكمه اللزوم عملًا كالفرض، لا علما على اليقين، وذلك للشبهة حتى لا يكفر جاحده، ويفسق تاركه بلا تأويل. اللوقوف على المعنيين اللغوي والاصطلاحي: ينظر: لسان العرب والمصباح المنير والوسيط، وكذلك ينظر: كشف الأسرار عن أصول البزودي (2/ 551). وحاشية ابن عابدين (5/ 199). ونفائس الأصول في شرح المحصول (1/ 234) ونهاية السول في شرح منهاج الوصول بهامش التقرير والتحبير (1/ 32).
(1)
هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي أبو منصور البغدادي، سمع ابن نجيد، محمد بن جعفر، وأبا بكر الإسماعيلي، وابن عدي، وغيرهم، وعنه البيهقي، والقشيري، وابن شيرويه، وغيرهم، له: الفرق بين الفرق، والملل والنحل، والناسخ والمنسوخ، وأصول الفقه، وغير ذلك، توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة. يُنظر: وفيات الأعيان (3/ 203)، وطبقات الشافعية الكبرى (5/ 136).
(2)
هو هشام بن عمرو أبو محمد الفوطي، الكوفي، رأس الهاشمية المعتزلة وكبيرهم، قال الذهبي:"صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال"، كان من أصحاب أبي الهذيل ثم انحرف عنه، أخذ عنه عباد بن سلمان وغيره، يُنظر: سير أعلام النبلاء (15/ 547)، والوافي بالوفيات (27/ 211).
(3)
أصول الدين، لأبي منصور البغدادي، (ص 272).
(4)
الفصل في الملل (4/ 72)، ويُنظر أيضًا: مراتب الإجماع، لابن حزم (ص 124).
قاطبة" (1) ونقله عنه أبو عبد اللَّه المواق (2) (897 هـ) (3). ابن رشد الجد (4) (520 هـ) قال: "لا اختلاف بين الأمة في وجوب الإمامة" (5). القاضي عياض (6) (544 هـ) قال: "لا بد من إقامة خليفة، وهذا مما أجمع المسلمون عليه بعد النبي صلى الله عليه وسلم في سائر الأعصار خلافًا للأصم" (7). النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب
(1) غياث الأمم في التياث الظلم (ص 15، 16)، ويُنظر: أيضًا: الاقتصاد في الاعتقاد، لأبي حامد الغزالي (ص 200)، ونهاية الإقدام في علم الكلام، لمحمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، مكتبة المثنى، بغداد (485)، وشرح المقاصد في علم الكلام، للتفتازانى، دار المعارف النعمانية، باكستان، الطبعة الأولى 1401 هـ (2/ 273).
(2)
هو محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي أبو عبد اللَّه المواق، له: التاج والإكليل، على مختصر خليل، وسنن المهتدين في مقامات الدين، توفي سنة سبع وتسعين وثمانمائة. يُنظر: شجرة النور الزكية (ص 262)، والضوء اللامع (10/ 98).
(3)
التاج والإكليل لمختصر خليل، لأبي عبد اللَّه المواق، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1398 هـ (4/ 348).
(4)
هو محمد بن أحمد بن رشد أبو الوليد القرطبي المالكي، ولد سنة خمسين وأربعمائة، روى عن أبي على الغساني، وأبي مروان بن سراج، وخلق، وكان من أوعية العلم، له: المقدمات المهمات، والبيان والتحصيل، وغير ذلك، توفي سنة عشرين وخمسمائة. يُنظر: الديباج المذهب (ص 278)، وشجرة النور الزكية (ص 129).
(5)
البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، تحقيق: محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1408 هـ (17/ 59)، ويُنظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 264)، والذخيرة، شهاب الدين القرافي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب، بيروت، طبعة 1994 م (10/ 23)، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، دار الفكر، بيروت، طبعة 1415 هـ (1/ 21).
(6)
هو عياض بن موسى بن عياض، أبو الفضل اليحصبي السبتي، أخذ عن ابن حمدين، وابن سكرة، وأبي الحسين بن سراج، وخلق، له: الشفاء في شرف المصطفى، وترتيب المدارك، ومشارق الأنوار، وغيرها، توفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (20/ 213)، ووفيات الأعيان (3/ 483).
(7)
إكمال المعلم بفوائد مسلم، لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق: يحيى إسماعيل، (6/ 220).
خليفة" (1). نقله عنه ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (2) والعيني (855 هـ) (3)، والشوكاني (1250 هـ) (4) والعظيم آبادي (5) (بعد 1310 هـ) (6). ابن عادل الدمشقي (7) (بعد سنة 880 هـ) قال: "لا خلاف في وجوب ذلك -أي: نصب الإمام- بَيْنَ الأمة، إلا ما رُوي عن الأصَمّ وأتباعه" (8). ملا على
(1) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1392 هـ (12/ 205)، ويُنظر: المواقف للإيجي (3/ 575)، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة، لأبي عبد اللَّه الدمشقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ (ص 283)، وغاية الوصول في شرح لب الأصول، لزكريا الأنصاري، دار الكتب العربية الكبرى، مصر (ص 168)، وحاشية الرملي على أسنى المطالب، أحمد بن حمزة الرملي، دار الكتاب الإسلامي، بيروت (4/ 108)، والصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، لابن حجر الهيتمي، تحقيق: عبد الرحمن التركي، وكامل الخراط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1997 م (1/ 25).
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، طبعة 1379 هـ (13/ 208).
(3)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، تحقيق: عبد اللَّه عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ (24/ 416).
(4)
نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار، للشوكاني (6/ 110).
(5)
هو محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر أبو الطيب شرف الحق الصديقي العظيم آبادي، من بلاد الهند، له: عون المعبود شرح سنن أبي داود، والتعليق المغني على سنن الدارقطني، وعقود الجمان، وغير ذلك، توفي بعد سنة 310. يُنظر: معجم المؤلفين (9/ 63)، والأعلام للزركلي (6/ 39).
(6)
عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1388 هـ (8/ 158).
(7)
هو أبو حفص عمر بن علي بن عادل سراج الدين الدمشقي الحنبلي النعماني، له اللباب في علوم الكتاب، وحاشية على المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد، وغير ذلك، توفي بعد سنة سنة 880. يُنظرْ: معجم المؤلفين (7/ 300)، والأعلام للزركلي (5/ 58).
(8)
اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل الدمشقي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلى محمد عوض، وغيرهما، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ (2/ 368). ويُنظر: الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، للحجاوي، دار المعرفة، بيروت =
القاري (1)(1014 هـ) قال: "وفي شرح العقائد الإجماع على أن نصب الإمام واجب"(2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6)، والظاهرية (7).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع على أدلة من الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول، وسنقتصر فيما يلي على ذكر بعض أدلة الكتاب والسنة لوضوح
= (4/ 292)، وكشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي، تحقيق: هلال مصيلحي، دار الفكر، بيروت 1402 هـ (6/ 159).
(1)
هو نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان محمد القاري، الهروي، ثم المكي، الحنفي، المعروف بـ (ملا على القاري)، أخذ عن ابن حجر الهيتمي، والمتقي الهندي، وعطية السلمي، وغيرهم، وعنه عبد القادر الطبري، وعبد الرحمن المرشدي، ومحمد بن فروخ، وغيرهم، توفي سنة أربع عشرة وألف، يُنظر: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، للمحبي، دار صادر، بيروت (3/ 158)، وشذرات الذهب (8/ 175).
(2)
مرقاة المفاتيح، للقارفي، تحقيق: جمال عيتاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ (7/ 228).
(3)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار (1/ 548)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار، مصر طبعة 1282 هـ (1/ 238).
(4)
بدائع السلك للأرزقي (1/ 71)، والفواكه الدواني، لأحمد بن سالم النفراوي، تحقيق: رضا فرحات، مكتبة الثقافة الدينية (1/ 323)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 220).
(5)
الأحكام السلطانية والولايات الدينية، للماوردي (ص 5)، وغياث الأمم في التياث الظلم (ص 15)، وروضة الطالبين (15/ 43)، والمجموع شرح المهذب، للنووي، دار الفكر، بيروت، (19/ 192)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، لزكريا الأنصاري، دار الكتاب الإسلامي (4/ 108).
(6)
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لعلاء الدين أبو الحسن المرداوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ (10/ 234)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 19)، ودليل الطالب لنيل المطالب، لمرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي، تحقيق: أبو قتيبة الفاريابى، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ (1/ 322).
(7)
المحلى لابن حزم، علي بن أحمد بن حزم، (1/ 45)، والفصل في الملل (4/ 72).
الدلالة فيها:
• أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (1).
• وجه الدلالة: قال القرطبي: "هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة"(2).
الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (3) وقول اللَّه -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (4) قال القرطبي: "أي: يجعل منهم خلفاء"(5).
• وجه الدلالة: أن وعد اللَّه -جل وعلا- ناجز لا محالة باستخلاف المؤمنين في الأرض، أي:"ليجعلنهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف الملوك"(6).
الدليل الثالث: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (7).
• وجه الدلالة: أن طاعتهم فرع وجودهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (8).
• ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما: "لا يَحِلُّ لِثَلاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلاةٍ من الأرْضِ إلا أَمَّرُوا عليهم أَحَدَهُمْ"(9). ومثله
(1) سورة البقرة، الآية:(30).
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 264).
(3)
سورة ص، الآية:(26).
(4)
سورة النور، الآية:(50).
(5)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 264).
(6)
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر، بيروت (4/ 47).
(7)
سورة النساء، الآية:(59).
(8)
يُنظر: الذخيرة للقرافى (10/ 23).
(9)
تقدم تخريجه (61).
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ"(1). وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان ثَلَاثَة في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ"(2).
• وجه الدلالة: أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع؛ لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"أوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع"(3).
الدليل الثاني: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"(4). أي: بيعة الإمام.
• وجه الدلالة: أن البيعة واجبة في عنق المسلم، والبيعة لا تكون إلا لإمام، وبيعته فرع وجوده، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (5).
الدليل الثالث: الأحاديث الدالة على وجوب السمع والطاعة، وطاعتهم فرع وجودهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (6)، ومنها:
1 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعْ الْأمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي"(7).
(1) تقدم تخريجه (61).
(2)
تقدم تخريجه (61).
(3)
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (ص 136).
(4)
تقدم تخريجه (ص 61).
(5)
الذخيرة للقرافى (10/ 23).
(6)
المرجع نفسه.
(7)
أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: يُقاتل من وراء الإمام ويُتقى به (4/ 50) رقم (2957)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (3/ 1466) رقم (1835).
2 -
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ"(1).
3 -
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ"(2).
4 -
حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَال صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ"، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْر؟ قَال: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَال: "نَعَم"، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَال: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَاي، وَلَا يَسْتَنُّون بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إِنْسٍ"، قَال: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُول اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَال: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ"(3).
• من خالف الإجماع: لم يشذ عن هذا الإجماع إلا النجدات من الخوارج، والأصم، والفوطي من المعتزلة، وقد نقله غير واحد من أهل العلم كما سلف آنفًا.
قال المخالفون: إن الواجب إنما هو إمضاء أحكام الشرع، فإذا تواطأت الأمة على العدل وتنفيذ أحكام اللَّه -تعالى- لم يحتج إلى إمام، ولا يجب نصبه (4).
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجماعة والإمامة، باب: إمامة العبد والمولى (1/ 140) رقم (693)، وكتاب الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية رقم (7142).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (9/ 63) رقم (7144)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (3/ 1469) رقم (1839).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
مقدمة ابن خلدون (ص 191).