الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
صحة الإجماع على أن الإمامة من أسباب إقامة المصالح الدينية والدنيوية.
[4/ 4] الإمامة إنما تجب عن طريق الشرع وليس العقل
• المراد بالمسألة: أن وجوب نصب الإمام مأخوذ من الشرع، لا من العقل.
• من نقل الإجماع: الشهرستاني (1)(548 هـ) قال: "وجوب الإمامة سمعًا؛ لاتفاق الأمة بأسرهم من الصدر الأول إلى زماننا أن الأرض لا يجوز أن تخلو عن إمام قائم بالأمر"(2) النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة، ووجوبه بالشرع، لا بالعقل"(3). نقله عنه ابن حجر العسقلاني (852 هـ)(4) والعيني (855 هـ)(5)، والشوكاني (1250 هـ)(6) والعظيم آبادي (بعد 1310 هـ)(7)، والمباركفوري (8) (1353 هـ) (9) ابن خلدون (808 هـ) قال:"إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين"(10).
(1) هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح الشهرستاني، ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة، تفقه على أحمد الجواني، وأخذ الكلام عن أبي نصر بن القشيري، وحدث عن علي بن أحمد المدايني وغيره، له: نهاية الإقدام في علم الكلام، والملل والنحل، وتلخيص الأقسام لمذهب الأعلام، وغير ذلك، توفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. يُنظر: لسان الميزان (5/ 263)، وطبقات الشافعية (1/ 323).
(2)
نهاية الإقدام في علم الكلام (480).
(3)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (12/ 205).
(4)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني (13/ 208).
(5)
عمدة القاري (24/ 416).
(6)
نيل الأوطار (6/ 110).
(7)
عون المعبود (8/ 158).
(8)
هو عبد الرحمن بن عبد الرحيم أبو العلي المباركفوري، ولد سنة ثلاث وثمانين ومائتي وألف في بلدة مباركفور، عالم مشارك في أنواع العلوم، له: تحفة الأحوذي، وأبكار المنن في تنقيد آثار السنن، وغير ذلك، توفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وألف. يُنظر: معجم المؤلفين (5/ 166).
(9)
تحفة الأحوذي للمباركفوري، تحقيق: عبد الرحمن عثمان، دار الفكر، بيروت (6/ 479).
(10)
مقدمة ابن خلدون (ص 191).
• من وافق على الإجماع: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة وجوب نصب الإمام من الكتاب، والسنة، وقد نقلناها فيما سلف آنفًا (6).
• من خالف الإجماع: وهم فريقان: الأول: من يوجب الإمامة على الناس عقلًا: وهم معتزلة بغداد (7)، والجاحظ (8) من معتزلة البصرة (9). وقالوا: إن مدرك وجوبه العقل، وأن الإجماع الذي وقع إنما هو قضاء بحكم العقل فيه (10).
(1) مرقاة المفاتيح (7/ 228)، وبريقة محمودية (1/ 216)، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار (1/ 238)، وحاشية ابن عابدين (1/ 548).
(2)
البيان والتحصيل (17/ 59)، ومقدمة ابن خلدون (ص 191)، والذخيرة للقرافي (10/ 23)، والفواكه الدواني (1/ 23).
(3)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 5)، وغياث الأمم (ص 15)، وروضة الطالبين (15/ 43)، والمجموع شرح المهذب (19/ 192)، وأسنى المطالب (4/ 108).
(4)
السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 217)، الإنصاف للمرداوي (10/ 234)، والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4/ 292)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 19)، ودليل الطالب لنيل المطالب (1/ 322).
(5)
المحلى لابن حزم (1/ 45)، والفصل في الملل (4/ 72).
(6)
راجع أدلة وجوب نصب الإمام (ص 64 وما بعدها).
(7)
شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، الطبعة الأولى 1378 هـ (2/ 308).
(8)
هو عمرو بن بحر بن محبوب أبو عثمان الجاحظ، أحد شيوخ المعتزلة، كان تلميذ أبي إسحاق النظام، روى عن حجاج الأعور، وأبي يوسف القاضي، وغيرهما، وعنه أبو بكر بن أبي داود، قال الذهبي:"كان من أئمة البدع. . . فسبحان من أضله على علم"، له: كتاب الحيوان، والبيان والتبيين، والنخل والزرع، وغيرها. توفي سنة خمس وخمسين ومائتين، يُنظر: تاريخ بغداد (12/ 212)، ولسان الميزان (4/ 355).
(9)
العثمانية، للجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة 1374 هـ (ص 261).
(10)
مقدمة ابن خلدون (ص 191).
وقالوا أيضًا: إن أصل دفع المضرة واجب بحكم العقل قطعًا، فكذلك المضرة المظنونة يجب دفعها عقلًا؛ وذلك لأن الجزئيات المظنونة المندرجة تحت أصل قطعي الحكم، يجب إدراجها في ذلك الحكم قطعًا (1).
ونوقش: بأن مبنى أدلة أهل السنة هي الشرع، ومنه وجوب دفع الضرر، قال -تعالى-:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:"لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"(3).
وأن العقل لا يُوجب ولا يحظر ولا يُقبِّح ولا يُحسِّن، وإذا كان كذلك ثبت أنها واجبة من جهة الشرع، لا من جهة العقل (4).
قال أبو يعلى: "إن العقل لا يُعلم به فرض الشيء ولا إباحته، ولا تحليل شيء ولا تحريمه"(5).
وقالوا بأن وجوب الإمامة بالعقل لضرورة الاجتماع للبشر واستحالة حياتهم ووجودهم منفردين، ومن ضرورة الاجتماع التنازع لازدحام الأغراض، فما لم يكن الحاكم الوازع أفضى ذلك إلى الهرج المؤذن بهلاك البشر وانقطاعهم، مع أن حفظ النوع من مقاصد الشرع الضرورية، وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه الحكماء في وجوب النبوات في البشر (6).
ونوقش: بأن إحدى مقدماته أن الوازع إنما يكون بشرع من اللَّه تسلم له
(1) العثمانية للجاحظ (ص 261) مرجع سابق.
(2)
سورة البقرة، الآية:(195).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 326) رقم (22830)، وابن ماجة، باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره (2/ 784) رقم (2340)، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 48):"هذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنه منقطع. . . ورواه أحمد في مسنده والدارقطني في سننه من حديث ابن عباس أيضًا، ورواه الشافعي في مسنده مرسلًا، ورواه البيهقي مرفوعًا من طريق محمد بن أبي بكر عن فضيل بن سليمان فذكره"، فهو حسن بمجموع طرقه. يُنظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد اللَّه هاشم اليماني، (2/ 282).
(4)
الجامع لأحكام القرآن (1/ 265).
(5)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 19).
(6)
مقدمة ابن خلدون (2/ 565).
الكافة تسليم إيمان واعتقاد وهو غير مسلم؛ لأن الوازع قد يكون بسطوة الملك وقهر أهل الشوكة ولو لم يكن شرع، كما في أمم المجوس وغيرهم ممن ليس له كتاب أو لم تبلغه الدعوة، أو نقول: يكفي في رفع التنازع معرفة كل واحد بتحريم الظلم عليه بحكم العقل، فادعاؤهم أن ارتفاع التنازع إنما يكون بوجود الشرع هناك، ونصب الإمام هنا غير صحيح، بل كما يكون بنصب الإمام يكون بوجود الرؤساء أهل الشوكة أو بامتناع الناس عن التنازع والتظالم، فلا ينهض دليلهم العقلي المبني على هذه المقدمة؛ فدل على أن مدرك وجوبه إنما هو بالشرع وهو الإجماع (1).
قال الماوردي (2): "بل وجبت -أي: الإمامة- بالشرع دون العقل؛ لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوزًا في العقل أن لا يرد التعبد بها، فلم يكن العقل موجبًا لها، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم والتقاطع، ويأخذ بمقتضى العدل في التناصف والتواصل، فيتدبر بعقله لا بعقل غيره، ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين، قال اللَّه عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (3)، ففرض علينا طاعة أولي الأمر فينا، وهم الأئمة المتأمرون علينا.
وروى هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "سَيَلِيَكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فَيَلِيَكُمُ البَرُّ بِبِرِّهِ، وَيَلِيَكُمُ الفَاجِرُ بِفِجُورِهِ، فَاسمَعُوا لَهُم وَأَطِيعُوا في كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاؤوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ"(4) ".
(1) المرجع السابق.
(2)
الأحكام السلطانية (ص 5).
(3)
سورة النساء، الآية:(59).
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 247) رقم (6310)، والدارقطني في سننه، كتاب العيدين، باب: صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه (2/ 55) رقم (1) بتحقيق: عبد اللَّه هاشم يماني، دار المعرفة، بيروت، طبعة 1386 هـ، وفيه عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة، وهو ضعيف جدًّا، قال أبو حاتم الرازي:"متروك الحديث"، وقال ابن حبان:"لا يحل كتب حديثه، يروي الموضوعات عن الأثبات، ويأتي عن هشام بما لم يروه قط". =
الثاني: من يوجب الإمامة عقلًا على اللَّه -سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا-: وهم الشيعة الرافضة (1)، وقالوا:"الإمامة لطف، واللطف واجب على اللَّه تعالى"(2). واللطف الواجب: "هو ما يقرب العبد إلى طاعة اللَّه تعالى، ويبعده عن معصيته بغير إلجاء ولا إكراه ولا إجبار"(3).
ونوقش: بأن هذا عين الجهل وسوء الأدب مع اللَّه عز وجل، قال -تعالى-:{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (4)، واللَّه عز وجل {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} (5). ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، قال-تعالى-:{إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (6).
ونوقش: بأنه إذا قلتم إن الإمام لطف وهو غائب عنكم، فأين اللطف الحاصل مع غيبته؟ ! وإذا لم يكن لطفه حاصلًا مع الغيبة، وجاز التكليف، بطل أن يكون الإمام لطفًا في الدين (7).
ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة أن يكون لهم رئيس معصوم يكون لطفًا في مصالح دينهم ودنياهم، وليس في الطوائف أبعد عن مصلحة اللطف والإمامة منهم، فإنهم يحتالون على مجهول ومعدوم، لا يُرى له عين ولا أثر، ولا يُسمع
= يُنظر: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، لابن الملقن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط، وعبد اللَّه بن سليمان، وياسر بن كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ (4/ 458)، ومجمع الزوائد (5/ 218).
قلت: وأحاديث الأمر بطاعة الأئمة -البر والفاجر- في الصحيحين، ومنها حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، المتقدم تخريجه (ص 44)، ففي الصحيح غنية عن الضعيف.
(1)
عقائد الإمامية الاثنى عشرية (ص 73)، وكشف المراد شرح تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي، والشرح للحسين بن يوسف المطهر الحلي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ (ص 388).
(2)
كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد (ص 388).
(3)
عقائد الإمامية الاثنى عشرية (ص 38).
(4)
سورة الحج، الآية:(74).
(5)
سورة الأنبياء، الآية:(23).
(6)
سورة المائدة، الآية:(1).
(7)
منهاج السنة النبوية (6/ 264).