الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول مسائل الإجماع في نصب الإمامة
[1/ 1] فضل النبوة على الإمامة
• المراد بالمسألة: النبوة في اللغة: النون والباء والحرف المعتل ومنه النبي والنباوة: وهو ما يدل على ارتفاع في الشيء عن غيره، كأنه المفضل على سائر الناس برفع منزلته، وقيل الطريق الواضح (1). والنبأ الخبر ومنه المنبئ: المخبر، لأنه أنبأ عن اللَّه تعالى فتحققت نبوته بمجرد ذلك وتثبت له أوصاف العلو والارتفاع (2).
وبالنظر إلى النبوة في الاصطلاح الشرعي نجد أنها قد اشتملت على هذه المعاني جميعا، فهي إخبار عن اللَّه، ورفعة لصاحبها، وهي الطريق الموصلة إلى اللَّه.
فاستظهر بعضهم أن الرسول: هو من أنزل إليه كتاب وشرع مستقل، والنَّبي: هو من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة (3).
وبهذا المعنى الاصطلاحي للنبوة أجمع علماء الأمة على أن الأنبياء أفضل الخلق، وبالأحرى فهم أفضل من الأئمة.
• من نقل الإجماع: أبو الحسن الزوندويستي (4)(382 هـ) قال: "أجمعت
(1) معجم مقاييس اللغة (5/ 385)(نبأ).
(2)
لسان العرب (1/ 162)(نبأ).
(3)
يُنظر: أضواء البيان للشنقيطي (5/ 290).
(4)
هو علي بن يحيى بن محمد أبو الحسن الزندويستي البخاري الحنفي، له روضة العلماء ونزهة الفضلاء، ونظم في فقه الحنفية، توفي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. يُنظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 621)، والفوائد البهية في تراجم الحنفية (ص 225)، والأعلام للزركلي (5/ 31).
الأمة على أن الأنبياء أفضل الخليقة" (1). نقله ابن نجيم (970 هـ)(2) والطحطاوي (3)(1231 هـ)(4)، وابن عابدين (5)(1252 هـ)(6).
ابن تيمية (728 هـ) قال: "والأنبياء أفضل الخلق باتفاق المسلمين"(7).
ابن كثير (774 هـ) قال: "النبوة أعلى رتبة بلا خلاف"(8).
• من وافق على الإجماع: الحنفية (9)، والمالكية (10)،
(1) روضة العلماء ونزهة الفضلاء، لأبي الحسن الزندويستي، مخطوط، مودع بمكتبة جامعة الملك سعود الإسلامية برقم (6820).
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين ابن نجيم الحنفي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية (1/ 353).
(3)
هو أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي المصري شيخ الحنفية بالديار المصرية، أخذ عن حسن الجداوي، والأمير، وعبد العليم الفيومي وغيرهم، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف. يُنظر: فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمسلسلات، عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، دار العربي الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1402 هـ (1/ 467).
(4)
حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، مصر، طبعة 1318 هـ (1/ 184).
(5)
هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز الشهير بابن عابدين، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، ولد بدمشق سنة ثمان وتسعين ومائة وألف، اشتغل بالتدريس والتصنيف، له: رد المحتار المعروف بحاشية ابن عابدين، وله مجموعة رسائل مطبوعة. توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف. يُنظر: الأعلام للزركلي (6/ 42)، ومعجم المؤلفين (9/ 77).
(6)
حاشية ابن عابدين (1/ 527).
(7)
منهاج السنة النبوية (2/ 251).
(8)
تفسير القرآن العظيم (1/ 222).
(9)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار (1/ 527)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، طبعة 1313 هـ (4/ 226)، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام، على حيدر، تعريب: فهمي الحسيني، دار الكتب العلمية، بيروت (4/ 359).
(10)
حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، على الصعيدي العدوي المالكي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت، طبعة 1412 هـ (1/ 26)، والفواكه الدواني (1/ 240)، والذخيرة للقرافي (12/ 28).
والشافعية (1)، والحنابلة (2)، والظاهرية (3).
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة:
• أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (4) وقول اللَّه -تعالى-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (5).
• وجه الدلالة: أمر اللَّه -جل وعلا- بطاعته مطلقًا، وأمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يأمر إلا بطاعة اللَّه، ومن يطع الرسول فقد أطاع اللَّه، وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك، فقال:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، ولم يذكر لهم طاعة ثالثة (6)، فدل ذلك على أن رتبة الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من رتبة الأئمة.
الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} (7). وقول اللَّه -تعالى- {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (8).
• وجه الدلالة: دل القرآن -في غير موضع- على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة، ولم يشترط في ذلك طاعة غيره، ومن عصى الرسول كان من أهل
(1) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشربيني، دار الفكر، بيروت (1/ 138)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لشهاب الدين الرملي، دار الفكر، بيروت، طبعة 1404 هـ (1/ 35).
(2)
مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، بدر الدين البعلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار ابن القيم، الدمام - السعودية، طبعة 1406 هـ (1/ 92)، وكشاف القناع للبهوتي (5/ 325).
(3)
المحلى لابن حزم (1/ 44).
(4)
سورة النساء، الآية:(59).
(5)
سورة النساء، الآية:(80).
(6)
يُنظر: منهاج السنة النبوية (3/ 226).
(7)
سورة النساء، الآية:(69).
(8)
سورة الجن، الآية:(23).
الوعيد وإن قُدِّر أنه أطاع من ظن أنه معصوم (1). فكل من سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخذ من قوله ويترك؛ وذلك لفضل الأنبياء على سائر البشر، وفيهم الأئمة فدل على أن النبوة أفضل من الإمامة.
• ثانيًا: السنة: حديث سعد بن أبي وقاص صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الناس أَشَدُّ بَلَاءً؟ قال:"الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ"(2) أي: الأشرف فالأشرف، والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة، يُقال: هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدنى إلى الخير، وأماثل الناس: خيارهم (3) وهؤلاء فيهم الأئمة وغيرهم فدل على علو مرتبة النبوة على مرتبة الإمامة.
• وجه الدلالة: قال أولًا: "ثُمَّ الأمْثَلُ" بلفظ (ثم)، وقال ثانيًا:"فَالأمْثَلُ" بالفاء؛ للإعلام بالبعد والتراخي في المرتبة بين الأنبياء وغيرهم، وعدم ذلك بين غير الأنبياء" (4).
• من خالف الإجماع: الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، فقد بالغوا في تقديس أئمتهم وقربوهم من مرتبة الرسل بإظهار المعجزة على أيديهم، والعصمة من الذنوب، وزعموا أن كل الأئمة معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر، وفرّقوا بين الرسل والأئمة في أن الرسل يوحى إليهم دون الأئمة (5).
(1) يُنظر: منهاج السنة النبوية (6/ 116).
(2)
أخرجه أحمد (1/ 173) رقم (1494)، والترمذي، باب: ما جاء في الصبر على البلاء رقم (2398)، والنسائي في الكبرى، كتاب الطب، باب: أي الناس أشد بلاء (4/ 352) رقم (7481)، وابن ماجة، باب: الصبر على البلاء (2/ 1334) رقم (4023)، وصححه الحاكم في المستدرك، كتاب الإيمان (1/ 99) رقم (120).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 296).
(4)
عمدة القاري (21/ 212).
(5)
الشيعة الإمامية الاثنا عشرية هم تلك الفرقة من المسلمين الذين زعموا أن عليًّا هو الأحق في وراثة الخلافة دون الشيخين وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وقد أطلق عليهم الإمامية، لأنهم جعلوا من الإمامة القضية الأساسية التي تشغلهم، وسُمُّوا بالاثنى عشرية؛ لأنهم قالوا باثني عشر إمامًا دخل آخرهم السرداب بسامراء على حد زعمهم. كما أنهم القسم المقابل =
قال المجلسي (1)(1111 هـ): "اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة
= لأهل السنة والجماعة في فكرهم وآرائهم المتميزة، وهم يعملون لنشر مذهبهم ليعم العالم الإسلامي.
والاثنا عشر إمامًا الذين يتخذونهم أئمة لهم يتسلسلون على النحو التالي:
- علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي يلقبونه بالمرتضى -رابع الخلفاء الراشدين، وصهر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد مات غيلةً حينما أقدم الخارجي عبد الرحمن بن ملجم على قتله في مسجد الكوفة في السابع عشر من رمضان سنة أربعين من الهجرة.
- الحسن بن علي رضي الله عنهما، ويلقبونه بالمجتبى (3 - 50 هـ).
- الحسين بن علي رضي الله عنهما ويلقبونه بالشهيد (4 - 61 هـ).
- علي زين العابدين بن الحسين (38 - 95 هـ) ويلقبونه بالسَّجَّاد.
- محمد الباقر بن علي زين العابدين (57 - 114 هـ) ويلقبونه بالباقر.
- جعفر الصادق بن محمد الباقر (83 - 148 هـ) ويلقبونه بالصادق.
- موسى الكاظم بن جعفر الصادق (128 - 183 هـ) ويلقبونه بالكاظم.
- علي الرضا بن موسى الكاظم (148 - 253 هـ) ويلقبونه بالرضى.
- محمد الجواد بن علي الرضا (195 - 220 هـ) ويلقبونه بالتقي.
- علي الهادي بن محمد الجواد (212 - 254 هـ) ويلقبونه بالنقي.
- الحسن العسكري بن علي عبد الهادي (232 - 260 هـ) ويلقبونه بالزكي.
- محمد المهدي بن الحسن العسكري (256 هـ -. . .) ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر.
يزعمون أن الإمام الثاني عشر قد دخل سردابًا في دار أبيه ولم يعد، وقد اختلفوا في سِنّه وقت اختفائه، فقيل: أربع سنوات وقيل: ثماني سنوات، غير أن معظم الباحثين يذهبون إلى أنه غير موجود أصلًا، وأنه من اختراعات الشيعة، ويطلقون عليه لقب:(المعدوم أو الموهوم).
ينظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، إشراف وتخطيط ومراجعة: د. مانع بن حماد الجهني، (24/ 1).
(1)
هو محمد باقر بن محمد تقي، الملقب بالمجلسي، رأس من رؤوس الروافض، ولد سنة سبع وثلاثين وألف في أصبهان، أخذ عن المازنداني شارح الكافي، والطباطبائي، والشوشتري، وغيرهم، وعنه البحراني صاحب رياض الدلائل، ومحمد السرياني، ومحمد رضا المجلسي، وغيرهم، له العديد من المصنفات التي تزخر بخرافات الروافض ومعتقداتهم الباطلة، منها: بحار الأنوار، ومرآة العقول، والوجيزة، والفوائد الطريفة، وغير ذلك، توفي سنة إحدى عشر ومائة وألف. يُنظر: أمل الآمل في علماء جبل عامل، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مطبعة الأندلس، بغداد (2/ 248)، ومعجم المؤلفين (3/ 154).