الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• ثانيًا: السنة: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ من عُكْلٍ، فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا من أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا، فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا، وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثم لم يَحْسِمْهُمْ حتى مَاتُوا"(1).
• وجه الدلالة: قال النووي: "هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين، وهو موافق لقول اللَّه -تعالى-:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (2).
النتيجة:
صحة الإجماع على أن أمر المحارب إلى السلطان إذا ظفر به قبل التوبة.
[94/ 94] هدم الإمام لكنائس العنوة
• المراد بالمسألة: الكنائس في بلاد المسلمين على أنواع ثلاثة (3):
1 -
ما مصره المسلمون كالكوفة والبصرة: لا يجوز فيه إحداث كنيسة اتفاقًا؛ لأن هذا البلد ملك للمسلمين، فلا يجوز أن يبنوا فيه مجامع للكفر، وما وجد في هذه البلاد من الكنائس، فهذه كانت في قرى أهل الذمة فأقرت على ما كانت عليه.
2 -
ما فتحه المسلمون صلحًا: يجوز إحداث الكنائس عند جمهور الفقهاء،
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب: المحاربين من أهل الكفر والردة (8/ 162) رقم (6802)، ومسلم كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: حكم المحاربين والمرتدين (3/ 1296) رقم (1671).
(2)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (11/ 153).
(3)
يُنظر: بدائع الصنائع (7/ 114)، وفتح القدير (6/ 58)، وحاشية ابن عابدين (4/ 206)، ومواهب الجليل (4/ 599)، وحاشية الدسوقي (2/ 204)، وبلغة السالك (2/ 314)، وروضة الطالبين (10/ 323)، ومغني المحتاج (4/ 253)، ونهاية المحتاج (8/ 98)، والمغني في فقه الإمام أحمد (10/ 599)، وأحكام أهل الذمة (3/ 194)، وكشاف القناع للبهوتي (3/ 133).
إذا تم الصلح على أن الأرض لهم والخراج لنا، فإن كانت الدار لنا ويؤدون الجزية فَثَمّ عدم الإحداث، إلا إذا شرطوا ذلك، وإن وقع الصلح مطلقًا لا يجوز الإحداث عند جمهور الفقهاء.
3 -
ما فتحه المسلمون عنوة: لا يجوز فيه إحداث شيء بإجماع أهل العلم؛ لأنه صار ملكًا للمسلمين.
وقد اتفق العلماء على جواز هدم الإمام لكنائس العنوة، إذا لم يكن فيه ضرر على المسلمين.
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَنه إن أعْطى كل من ذكرنَا عَن نَفسه وَحدهَا فَقِيرًا كَانَ أَو غَنِيًّا أَو معتقًا أَو حرًّا أَرْبَعَة مَثَاقِيل ذَهَبًا فِي انْقِضَاء كل عَام قمري، بعد أَن يكون صرف كل دِينَار اثْنَي عشر درهمًا كَيْلا فَصاعِدًا، على أَن يلتزموا على أنفسهم أَن لا يحدثوا شَيْئا فِي مَوَاضِع كنائسهم وسكناهم ولا غيرها. . . فإن سكن مُسلمُونَ بَينهم هدموا كنائسهم وبيعهم"(1) ابن تيمية (728 هـ) قال: "فإن علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة. . . ومن قبلهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين- متفقون على أن الإمام لو هدم كل كنيسة بأرض العنوة؛ كأرض مصر، والسواد بالعراق، وبر الشام، ونحو ذلك، مجتهدًا في ذلك، ومتبعًا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظلمًا منه؛ بل تجب طاعته في ذلك ومساعدته في ذلك ممن يرى ذلك"(2).
وقال أيضًا: "وقد أخذ المسلمون منهم كنائس كثيرة من أرض العنوة، بعد أن أقروا عليها في خلافة عمر بن عبد العزيز وغيره من الخلفاء، وليس في المسلمين من أنكر ذلك، فعُلِم أن هدم كنائس العنوة جائز، إذا لم يكن فيه ضرر على المسلمين"(3). نقله ابن مفلح (763)(4).
(1) مراتب الإجماع (ص 115).
(2)
مجموع الفتاوى (28/ 634).
(3)
مجموع الفتاوى (28/ 640).
(4)
الفروع (6/ 248).
• الموافقون على الإجماع: تهدم في قول لمحمد بن الحسن في الكنائس القديمة في الأمصار التي أحدثها المسلمون عند الحنفية (1)، وذهب بعض المالكية إلى أنه لا يجوز الإحداث مطلقًا، ولا يترك لهم كنيسة (2)، وتهدم عند الشافعية لو عُلم إحداث شيء للتعبد في الكنائس القديمة في المدن التي أحدثها المسلمون (3)، سواء أكان في الكنائس القديمة فيما فتح عنوة، أم فيما فتح صلحًا؛ لأن إطلاق اللفظ يقتضي ضرورة جميع البلد لنا. وتهدم الكنائس التي في البلاد التي مصرها المسلمون وأحدثت بعد تمصير المسلمين لها عند الحنابلة، وفي وجه عندهم فيما فتح عنوة؛ لأنها بلاد مملوكة للمسلمين، فلم يجز أن تكون فيها بيعة، كالبلاد التي اختطها المسلمون (4). وقال ابن حزم الظاهري: إن سكن مُسلمُونَ بَينهم هدموا كنائسهم وبيعهم (5).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة:
• وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "فكان ولاة الأمور الذين يهدمون كنائسهم ويقيمون أمر اللَّه فيهم كعمر بن عبد العزيز، وهارون الرشيد، ونحوهما، مؤيدين منصورين، وكان الذين هم بخلاف ذلك مغلوبين مقهورين"(7).
(1) بدائع الصنائع (7/ 114)، وفتح القدير (6/ 58)، وحاشية ابن عابدين (4/ 206).
(2)
مواهب الجليل (4/ 599)، وحاشية الدسوقي (2/ 204)، وبلغة السالك (2/ 314).
(3)
روضة الطالبين (10/ 323)، ومغني المحتاج (4/ 253)، ونهاية المحتاج (8/ 98).
(4)
المغني في فقه الإمام أحمد (10/ 599)، وأحكام أهل الذمة (3/ 194)، وكشاف القناع للبهوتي (3/ 133).
(5)
مراتب الإجماع (ص 115).
(6)
سورة الحج، الآيتان:(40، 41).
(7)
مجموع الفتاوى (28/ 639).
• ثانيًا: السنة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَكُونُ قِبْلَتَانِ في بَلَدٍ وَاحِدٍ"(1).
• وجه الدلالة: نهى المؤمن عن الإقامة بأرض الكفر، ونهى الحكام عن أن يمكنوا أهل الذمة من إظهار شعار الكفر في بلاد المسلمين (2).
• من خالف الإجماع: الحنفية فقالوا: لا تُهدم الكنائس القديمة في السواد والقرى في المدن التي أحدثها المسلمون، والقول الآخر لمحمد بن الحسن في الأمصار، ألا ترى أنها توالت عليها أئمة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها؟ فكان متوارثًا من عهد الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم. وكذا لا تُهدم المعابد القديمة فيما فُتح عنوة، ولكن تبقى بأيديهم مساكن، ويمنعون من الاجتماع فيها للتقرب، أما المعابد القديمة فيما فتح صلحًا إذا وقع الصلح مطلقًا فلا يتعرض للقديمة منها؛ لحاجتهم إليها في عبادتهم على المفهوم من كلامهم (3) والمالكية: أن ما اختطه المسلمون فسكنوه معهم، فيترك لأهل الذمة الكنائس القديمة، ولا يجب هدم ما فتح عنوة، ولا يتعرض للقديمة فيما فتح صلحًا إذا وقع الصلح مطلقًا على ما يُفهم من كلام المالكية (4) والشافعية: لا ينقض ما جهل أصله في البلاد التي أحدثها المسلمون؛ لاحتمال أنها كانت قرية أو برية فاتصل بها عمران، وكذا ما علم إحداث شيء منها بعد بنائها إن بني لنزول المارة، ولعموم الناس، وكذلك إذا كان لأهل الذمة فقط، ولا تهدم في قول للشافعية في مقابل الأصح في الكنائس القديمة فيما فتح عنوة، أو فيما فتح صلحا لحاجتهم إليها في عبادتهم إذا وقع الصلح مطلقًا (5) والحنابلة: لا يُهدم ما كان موجودًا بفلاة من الأرض، ثم مصَّر المسلمون حولها المصر في
(1) أخرجه أحمد في المسند (1/ 223) رقم (1949)، وأبو داود، باب: إخراج اليهود من جزيرة العرب (3/ 165) رقم (3032)، والترمذي، باب: ما جاء ليس على المسلمين جزية (3/ 27) رقم (633).
(2)
عون المعبود (8/ 192).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 114)، وفتح القدير (6/ 58)، وحاشية ابن عابدين (4/ 206).
(4)
مواهب الجليل (4/ 599)، وحاشية الدسوقي (2/ 204)، وبلغة السالك (2/ 314).
(5)
روضة الطالبين (10/ 323)، ومغني المحتاج (4/ 203)، ونهاية المحتاج (8/ 98).