الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• من خالف الإجماع: وجه لبعض الشافعية (1)، وقالوا: إنه يشترط لصحة إمامة المتغلب توفر شروط الإمامة فيه، على أن يكون زمن ذلك بعد موت الإمام المبايع له، وقبل نصب إمام جديد بالبيعة، أو أن يستولي على حي متغلب مثله، أما إذا استولى على الأمر وقهر إمامًا مولى بالبيعة أو بالعهد، فلا تثبت إمامته، ويبقى الإمام المقهور على إمامته شرعًا. والزيدية (2)، ومناط استدلالهم: أنه تسلط على رقاب البلاد والعباد غلبة وقهرًا، فكيف تسبغ عليه الشرعية بالطاعة، والجهاد معه، ونحو ذلك؟
ونوقش: بأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي الدهماء، وتبييت الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض (3).
النتيجة:
عدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف.
[34/ 34] الإمامة لا تكون موروثة
• المراد بالمسألة: اتفاق أهل العلم على أن الإمامة لا تكون موروثة.
• من نقل الإجماع: أبو منصور البغدادي (429 هـ) قال: "كل من قال بها -أي بإمامة أبي بكر رضي الله عنه قال: إن الإمامة لا تكون موروثة"(4) ابن حزم (456 هـ) قال: "لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها، ولا في أنها لا تجوز لمن لم يبلغ، حاشا الروافض، فإنهم أجازوا كلا الأمرين"(5) أحمد بن يحيى المرتضى: "وَقَوْلُ الْعَبَّاسِيَّةِ إنَّهَا -أي: الإمامة- مَوْرُوثَةٌ مَرْدُود بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا"(6).
الخلاف في كون الإمامة موروثة: واختلفوا في جواز عهد الخليفة لأحد
(1) يُنظر: روضة الطالبين (10/ 46).
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار (16/ 90).
(3)
الاستذكار لابن عبد البر (14/ 40).
(4)
أصول الدين لأبي منصور البغدادي (ص 284).
(5)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 129).
(6)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار (5/ 379).
أقاربه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: صحة العهد من الأب أو الابن (1). أدلة القول الأول:
1 -
أن الخليفة أمير الأمة، ونافذ الأمر لهم وعليهم، ومن ثم تتغلب صفته هذه على كونه والدًا أو ولد، وعليه فهو الأقدر على التعرف على المصلحة العامة للمسلمين، دون أن يؤدي ذلك إلى التهمة أو الشك في أمانته (2).
2 -
أن الإمامة تخرج من الحقوق المتعلقة بالأمة، وتصبح من الحقوق الخالصة للخليفة يستقل فيها بنظره (3).
وكما قال ابن خلدون: "فهو وليهم والأمين عليهم، ينظر لهم ذلك في حياته، ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد مماته، ويقيم لهم من يتولى أمورهم كما كان هو يتولاها، ويثقون بنظره لهم في ذلك كما وثقوا به فيما قبل، وقد عُرِف ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده. . . ولا يُتهم الإمام في هذا الأمر، وإن عهد إلى أبيه أو ابنه؛ لأنه مأمون على النظر لهم في حياته، فأولى أن لا يحتمل فيها تبعة بعد مماته"(4).
ويناقش ذلك بما يلي:
1 -
أن الإمامة ليست من الحقوق الخالصة للخليفة يتصرف فيها كيف شاء، كالوصية بماله، وإنما هي أمر يتعلق بالمسلمين جميعهم (5).
2 -
أن القول بنفي التهمة حال إيثار الخليفة الابن أو الأب لا يقبله عقل أو منطق، أو حتى بحكم الطبيعة البشرية.
3 -
أن تنفيذ هذا الرأي إنما يعني وأد الشورى في مقتل، ناهيك عن مخالفته
(1) الأحكام السلطانية للماوردي (ص 12)، والذخيرة للقرافي (10/ 27)، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي (1/ 26)، الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاء والأمراء (ص 10).
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 12)، ومآثر الإنافة (1/ 26).
(3)
مآثر الإنافة (1/ 26).
(4)
مقدمة ابن خلدون (ص 210).
(5)
الأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 25)، ومآثر الإنافة (1/ 26).
مبدأي المساواة والعدالة بين البشر، تلكم الأصول المستقرة في الإسلام.
4 -
ولا يقال: إن فعل معاوية رضي الله عنه وغيره حجة في هذا الباب، وإلا فكيف بفعل صديق الأمة، وفاروقها، فهل فعلاه؟ ! ! (1).
القول الثاني: عدم جواز العهد لوالد أو ولد إلا بموافقة أهل الحل والعقد (2) ومفاد هذا القول أن عهد الخليفة لا يعد كافيًا لصحة الاستخلاف، وإنما مرد الأمر لأهل الحل والعقد؛ إذ هي من خالص حقوق الأمة، فإن رأوا المستخلَف صالحًا فبها ونعمت، وإلا فلا، فالعهد ليس إلا تزكية تجري مجرى الشهادة، فكما لا تجوز الشهادة لوالدٍ أو ولد للتهمة، فبالأحرى في الإمامة (3).
واستدلوا بأدلة، منها:
• أولًا؛ القرآن الكريم: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)} (4).
• وجه الدلالة: أنكر اللَّه -تعالى- عليهم ما أنكروه من التمليك عليهم من ليس من أهل النبوة ولا الملك، وبين أن ذلك مستحق بالعلم والقوة لا بالنسب، ودل ذلك أيضًا على أنه لا حظ للنسب مع العلم وفضائل النفس، وأنها مقدمة عليه؛ لأن اللَّه أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته، وإن كانوا أشرف منه نسبًا، وذكره للجسم هاهنا عبارة عن فضل قوته؛ لأن في العادة من كان أعظم جسمًا
(1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1/ 20 - 25)، ومقدمة ابن خلدون (ص 210).
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 12)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 25)، وروضة الطالبين (10/ 45)، وروضة القضاة وطريق النجاة (1/ 72)، وأحكام القرآن للجصاص (2/ 167)، وتحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك، نجم الدين إبراهيم بن علي الحنفي الطَّرَسوسي، تحقيق: عبد الكريم محمد مطيع الحمداوي (1/ 5)، ومآثر الإنافة (1/ 26).
(3)
الأحكام السلطانية للماوردي (ص 12)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص 25)، ومآثر الإنافة (1/ 26).
(4)
سورة البقرة، الآية:(247).
فهو أكثر قوة، ولم يرد بذلك عظم الجسم بلا قوة؛ لأن ذلك لا حظ له في القتال، بل هو وبال على صاحبه إذا لم يكن ذا قوة فاضلة" (1).
• ثانيًا: فعل وإجماع الصحابة على أنه لابد من ولوج إحدى الطرق المقررة لانعقاد الإمامة، والتي ليس منها التوريث بحال. وقد ذكرنا آنفًا من نقل الإجماع على ذلك، ومستند الإجماع (2).
وقد كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم بعيدين كل البعد عن مواطن الشبهة، فلم يعهد أبو بكر رضي الله عنه لابنه، ولم يعهد عمر لابنه عبد اللَّه، وكان من فضلاء الصحابة، وقد اقترح ذلك على عمر بعض الصحابة -رضوان اللَّه تعالى عليهم- فقال: يا أمير المؤمنين أين أنت من عبد اللَّه بن عمر؟ فقال: "قاتلك اللَّه، واللَّه ما أردت بها اللَّه، أستخلف رجلًا لم يحسن يطلق امرأته؟ ! "(3)، مع أنه جعله من أهل الشورى، إلا أنه نصَّ على أنه لا يتولى الخلافة، زيادة في الورع والبعد عن الشبهة.
وكذلك عثمان رضي الله عنه لم يعهد إلى أحد من أقاربه، مع أن كثيرًا من المؤرخين يتهمونه بحبِّه لهم رضوان اللَّه تعالى عليه.
وكذلك علي رضي الله عنه لم يعهد إلى الحسن، وقد طُلِبَ منه ذلك عند وفاته، فقال له الناس: يا أمير المؤمنين، إن فقدناك -ولا نفقدك- فنبايع الحسن؟ قال:"ما آمركم، ولا أنهاكم، أنتم أبصر"(4). وفي رواية: قالوا له: استخلف علينا، قال:"ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم"(5). وذلك مبالغة منه
(1) أحكام القرآن للجصاص (2/ 167).
(2)
يُراجع (ص 158 وما بعدها).
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 343)، وابن شبة في أخبار المدينة (2/ 81) رقم (1587، 1589)، والخلال في السنة (1/ 179) رقم (344) بإسناد صحيح.
(4)
أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه، دار الكتب العلمية، بيروت (3/ 157)، والطبراني في المعجم الكبير (1/ 97) رقم (168).
(5)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 130) رقم (1078). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 137): "رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، غير عبد اللَّه بن سبيع، وهو ثقة، ورواه البزار بإسناد حسن".