الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِن، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (1).
• وجه الدلالة: قال ابن رجب الحنبلي: "معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك"(2).
• المخالفون للإجماع: ذهب قليل من العلماء إلى القول بأنه يجوز للكافر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقالوا: إن نهي الكافر عن المنكر ليس من الحكم في شيء، وليس فيه سلطة، وزعم بعضهم أن ذلك مفرع على عدم مخاطبة الكافر بالفروع (3).
وأجيب: بأنا إنما منعناه منه؛ لأن فعله لذلك منزل منزلة استهزائه بالدين (4).
ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة لدين الإسلام، فكيف يكون من أهله من هو جاحد لأصل الدين وعدو له؟ ! (5)
النتيجة:
صحة الإجماع، ولا يُعتد بالمخالف لمعارضته الأدلة الصريحة الصحيحة.
[138/ 138] اشتراط التكليف في المحتسب
• المراد بالمسألة: المكلف لغة: كلف بالشيء كلفًا وكلفة، فهو كلف ومكلف: لهج به، والمتكلف: الوقاع فيما لا يعنيه، والكلفة: ما تكلفت من أمر في نائبة أو حق، ويقال: كلفت بهذا الأمر، أي: أولعت به وأحببته. والكلف: الولوع بالشيء مع شغل قلب ومشقة، وكلفه تكليفًا: أي أمره بما يشق عليه، وتكلفت الشيء: تجشمته على مشقة وعلى خلاف عادتك، وكلفته:
(1) تقدم تخريجه.
(2)
جامع العلوم والحكم (ص 322).
(3)
نهاية المحتاج (5/ 170).
(4)
المرجع السابق.
(5)
إحياء علوم الدين (2/ 312).
إذا تحملته، والمكلف: المتحمل للأمر (1).
المكلف اصطلاحًا: هو المسلم البالغ العاقل، ولو أنثى، أو عبدًا (2). أي: الذي تعلقت به الأوامر والنواهي (3).
وقد أجمع المسلمون على أن القائم على الحسبة يجب أن يكون مكلفًا؛ لأن غير المكلف لا يلزمه أمر، فلا وجوب عليه، أما إمكان الفعل وجوازه فلا يستدعي إلا العقل؛ لأن الصبي المراهق للبلوغ المميز -وإن لم يكن مكلفًا- فله إنكار المنكر، وله أن يريق الخمر ويكسر الملاهى، وإذا فعل ذلك نال به ثوابًا، ولم يكن لأحد منعه من حيث إنه ليس بمكلف (4).
• من نقل الإجماع: ابن النحاس (813 هـ) قال: "يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الإسلام، والتكليف، والاستطاعة، وهذه الشروط متفق عليها"(5).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (6)، والمالكية (7)، والشافعية (8)، والحنابلة (9)، والظاهرية (10).
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالكتاب والسنة:
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ
(1) العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال (5/ 372)، ولسان العرب (9/ 307)(كلف).
(2)
حاشية ابن عابدين (1/ 352)، ومغني المحتاج (1/ 462)، والمبدع لابن مفلح (4/ 8).
(3)
بلغة السالك (1/ 175).
(4)
إحياء علوم الدين (2/ 312).
(5)
تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين (ص 33)، نصاب الاحتساب للسنامي (ص 197).
(6)
بدائع الصنائع (7/ 172)، وحاشية ابن عابدين (1/ 247).
(7)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 331)، ومواهب الجليل (5/ 61).
(8)
إحياء علوم الدين (2/ 312)، ومنهاج الطالبين (1/ 59)، ومغني المحتاج (2/ 165).
(9)
روضة الناظر لابن قدامة (ص 47)، ومختصر منهاج القاصدين (ص 124)، والروض المربع (3/ 385).
(10)
المحلى لابن حزم (1/ 45).
لَكُمْ قِيَامًا} (1).
قال أبو بكر ابن العربي: "السفيه: المتناهي في ضعف العقل وفساده، كالمجنون والمحجور عليه"(2). وقول اللَّه -تعالى-: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (3). والمراد بالسفيه في هذه الآية: "كل جاهل بموضع خطأ ما يُمل وصوابه، من بالغي الرجال الذين لا يُولَّى عليهم"، قاله الطبري (4).
قال الشافعي: "أثبت الولاية على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يُمل هو، وأمر وليه بالإملاء عليه؛ لأنه أقامه فيما لا غَنَاء به عنه من ماله مقامه"(5).
• وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- لم يجعل لضعيف العقل ولاية على نفسه، فإن لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى، فبالجنون تنسلب الولايات واعتبار الأقوال (6).
• ثانيًا: السنة: حديث عائشة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ"(7).
• وجه الدلالة: أن العقل مناط التكليف؛ لأن التكليف مقتضاه الطاعة والامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد: العلم بالمقصود والفهم للتكليف، ولا يتصوران في حق المجنون (8).
كما يستدل على ذلك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من
(1) سورة النساء، الآية:(5).
(2)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 331).
(3)
سورة البقرة، الآية:(282).
(4)
تفسير الطبري (3/ 121).
(5)
الأم للشافعي (3/ 218).
(6)
منهاج الطالبين (1/ 59)، ومغني المحتاج (2/ 165).
(7)
تقدم تخريجه.
(8)
يُنظر: المستصفى للغزالي (1/ 67)، وروضة الناظر لابن قدامة (ص 47).