الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ريب فيه} يعني: لا شك في البعث، {ومن أصدق من الله حديثا} يقول: فلا أحدَ أصدقُ مِن الله حديثًا إذا حدث، يعني: في أمر البعث
(1)
. (ز)
آثار متعلقة بالآية:
19342 -
عن عبد الله بن مسعود -من طريق ناس من أصحاب عبد الله- أنّه كان يقول: إنّ أحسن القصص هذا القرآن
(2)
. (ز)
{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
(88)}
نزول الآية:
19343 -
عن زيد بن ثابت: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد، فرجع ناسٌ خرجوا معه، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين: فرقة تقول: نقتلهم. وفرقة تقول: لا. فأنزل الله: {فما لكم في المنافقين فئتين} الآية كلها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّها طَيْبَة، وإنّها تنفي الخَبَث كما تنفي النارُ خَبَث الفِضَّة»
(3)
. (4/ 566)
19344 -
عن زيد بن ثابت، قال: كان المنافقون وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت، فقال طائفة: لوددنا أنهم برزوا لنا فقاتلناهم. وكرهت طائفة ذلك، حتى علت أصواتهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لزيد:«اكتبها: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}»
(4)
. (4/ 573)
19345 -
عن عبد الرحمن بن عوف -من طريق ابنه أبي سلمة-: أنّ قومًا من العرب
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 394. وقد أورد ابن أبي حاتم 3/ 1022 قول أبي العالية في معنى: {لا ريب فيه} بأنّه
لا شك فيه. ثم قال: وقد كتبنا في هذا من التفسير في سورة البقرة. يعني قوله تعالى: {ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2].
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم 3/ 1022.
(3)
أخرجه البخاري 3/ 22 (1884)، 5/ 96 (4050)، 6/ 47 (4589)، ومسلم 4/ 2142 (2776)، وعبد بن حميد كما في قطعة من تفسيره (242)، وابن جرير 7/ 281 - 282، وابن المنذر 2/ 819 (2081)، وابن أبي حاتم 3/ 1022 - 1023 (5739). وأورده الثعلبي 3/ 355 واللفظ له.
(4)
أخرجه الطبراني في الكبير 5/ 120 (4805)، وأبو نعيم في صفة النفاق ص 89 (58)، وابن جرير 7/ 181 - 182 من طرقٍ عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن زيد بن ثابت به.
إسناده صحيح.
أتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فأسلموا، وأصابهم وباء المدينة -حُمّاها-، فأُرْكِسوا، خرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من الصحابة، فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة. فقالوا: ما لكم في رسول الله أسوة حسنة؟! فقال بعضهم: نافقوا. وقال بعضهم: لم ينافقوا، إنهم مسلمون. فأنزل الله:{فما لكم في المنافقين فئتين} الآية
(1)
. (4/ 568)
19346 -
عن أبي سلمة، عن عبد الرحمن: أنّ نفرًا من طوائف العرب هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمكثوا معه ما شاء الله أن يمكثوا، ثم ارتكسوا، فرجعوا إلى قومهم، فلقوا سرية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفوهم، فسألوهم: ما ردَّكم؟ فاعتلُّوا لهم، فقال بعض القوم لهم: نافقتم. فلم يزل بعض ذلك حتى فشا فيهم القول؛ فنزلت هذه الآية: {فما لكم في المنافقين فئتين}
(2)
. (4/ 568)
19347 -
عن زيد بن أسلم، عن ابنٍ لسعد بن معاذ الأنصاري: أنّ هذه الآية أنزلت فينا: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا} ، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فقال:«مَن لي بمن يؤذيني ويجمع لي في بيته مَن يؤذيني؟» . فقام سعد بن معاذ، فقال: إن كان مِنّا يا رسول الله قتلناه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فأطعناك. فقام سعد بن عبادة، فقال: ما بك يا ابنَ معاذ طاعةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عرفت ما هو منك. فقام أسيد بن حضير: فقال: إنك يا ابن عبادة منافق تحب المنافقين. فقام محمد بن مسلمة، فقال: اسكتوا، أيها الناس، فإنّ فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يأمرنا فَنَنفُذُ لأمره. فأنزل الله:{فما لكم في المنافقين فئتين} الآية
(3)
. (4/ 567)
19348 -
عن زيد بن أسلم -من طريق ابنه عبد الرحمن- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس، فقال:«كيف ترون في رجل يجادل بين أصحاب رسول الله، ويسيء القول لأهل رسول الله وقد برَّأهم الله؟» ثم قرأ ما أنزل الله في براءة عائشة، فقال سعد بن
(1)
أخرجه أحمد 3/ 203 - 204 (1667).
قال الهيثمي في المجمع 7/ 7 (10939): «رواه أحمد، وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه» . وقال السيوطي في لباب النقول ص 64: «في إسناده تدليس وانقطاع» .
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم 3/ 1024 من وجه آخر.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير من سننه 4/ 1313 - 1314 (663)، وابن المنذر 2/ 819 (2082) واللفظ له، وابن أبي حاتم 3/ 1023 (5740).
قال ابن كثير في تفسيره 2/ 371: «وهذا غريب» . ومثله العيني في عمدة القاري 18/ 180.
معاذ: إن كان مِنّا قتلناه، وإن كان من غيرنا جاهدناه. فقال سعد بن عبادة: إنك -واللهِ- لا تقدر على ذلك، وما تستطيعه. فقال محمد بن مسلمة: أتتكلم دون منافقٍ، عدوَّ الله؟! فقال أسيد بن الحضير: فيما تكثرون، دعونا من هذا بيننا وبينه، إن يأمرنا به رسول الله لم ننظر هل تمنعه. فلم تبرح المقالة بهم حتى تَداعوا بالأوس والخزرج، فنزل عليه القرآن في ذلك:{فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله} . فلم يكن بعد هذه الآية ينصره أحد، ولا يتكلم فيه أحد، قال: فلقد كان رجل من بني ثعلبة يأتيه وهو جالس في المسجد، فيأخذ بلحيته، ويقول: اخرج؛ منافق، خبيث. فيقول: أما أحد ينصرني من أسيد بني ثعلبة هذا، فما يتكلم فيه أحد
(1)
. (4/ 571)
19349 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- قال: إنّ قومًا كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام، وكانوا يُظاهِرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا فيهم بأس. وإنّ المؤمنين لَمّا أُخْبِروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء، فاقتلوهم؛ فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله! أتقتلون قومًا قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به، من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم تستحل دماؤهم وأموالهم؟! فكانوا كذلك فئتين، والرسول عندهم لا ينهى واحد من الفريقين عن شيء؛ فنزلت:{فما لكم في المنافقين فئتين} إلى قوله: {حتى يهاجروا في سبيل الله} . يقول: حتى يصنعوا كما صنعتم، {فإن تولوا} قال: عن الهجرة
(2)
. (4/ 567)
19350 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} ، قال: قوم خرجوا من مكة حتى جاؤوا المدينة، يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتَدُّوا بعد ذلك، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يَتَّجِرون فيها، فاختلف فيهم المؤمنون؛ فقائل يقول: هم منافقون. وقائل يقول: هم
(1)
أخرجه عبد الله بن وهب في الجامع - تفسير القرآن 1/ 150 (351)، وابن أبي حاتم 3/ 1025 مختصرًا. وإليه عزاه السيوطي، وفي آخره: فلم يكن بعد هذه الآية ينطق، ولا يتكلم فيه أحد.
(2)
أخرجه ابن جرير 7/ 283 - 284، وابن أبي حاتم 3/ 1023 (5741) من طريق محمد بن سعد، عن أبيه، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده عطية العوفي، عن ابن عباس به.
إسناده ضعيف، لكنها صحيفة صالحة ما لم تأت بمنكر أو مخالفة. وينظر: مقدمة الموسوعة.
مؤمنون. فبيَّن الله نفاقهم، فأمر بقتلهم، فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمر الأسلمي، وبينه وبين محمد عليه السلام حلف، وهو الذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه، فدفع عنهم بأنهم يؤمُّون هلالًا وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد
(1)
. (4/ 569)
19351 -
عن الضحاك بن مزاحم -من طريق عبيد- في الآية، قال: هم ناس تخلَّفوا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا بمكة، وأعلنوا الإيمان، ولم يُهاجِروا، فاختلف فيهم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتولّاهم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبَرَّأ من ولايتهم آخرون، وقالوا: تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يهاجروا. فسماهم الله منافقين، وبرأ المؤمنين من ولايتهم، وأمرهم أن لا يَتَوَلَّوهم حتى يهاجروا
(2)
. (4/ 569)
19352 -
عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق عمران بن حُدَيْر- في الآية، قال: أخذ ناس من المسلمين أموالًا من المشركين، فانطلقوا بها تُجّارًا إلى اليمامة، فاختلف المسلمون فيهم، فقالت طائفة: لو لقيناهم قتلناهم، وأخذنا ما في أيديهم. وقال بعض: لا يصلح لكم ذلك، إخوانكم انطلقوا تجارًا. فنزلت هذه الآية:{فما لكم في المنافقين فئتين}
(3)
. (4/ 571)
19353 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} ، قال: ذُكِر لنا: أنّهما كانا رجلين من قريش، كانا مع المشركين بمكة، وكانا قد تكلما بالإسلام، ولم يهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيهما ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما مقبلان إلى مكة، فقال بعضهم: إنّ دماءهما وأموالهما حلال. وقال بعضهم: لا يحل ذلك لكم. فتشاجروا فيهما؛ فأنزل الله: {فما لكم في المنافقين فئتين} حتى بلغ: {ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم}
(4)
. (4/ 569)
19354 -
عن محمد بن كعب القرظي أنّه قال في هذه الآية: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا} : أتى رهْطٌ إلى رسول الله، فقالوا: يا رسول الله، إنّ المدينة قد ضاق علينا ترابها وسِباخُها
(5)
، فأْذَنْ لنا نخرج إلى هذه
(1)
أخرجه ابن جرير 7/ 282 - 283، وابن المنذر (2083)، وابن أبي حاتم 3/ 1024. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(2)
أخرجه ابن جرير 3/ 284.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم 3/ 1024. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(4)
أخرجه ابن جرير 7/ 284، وابن المنذر (2084). وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(5)
السباخ: جمع سَبَخة، وهي الأرض ذات الملح. اللسان (سبخ).
الحَرَّة، فنكون منك قريبًا، [
…
] إلى حَرَّتنا هذه، فقعد رَهْطٌ من أصحاب النبي فيهم محمد بن مسلمة الأنصاري [
…
] هم، فقال بعضهم: ما تقولون في هؤلاء الذين خرجوا إلى هذه الحرة؟ فقالوا: اسأل [
…
] وهم إخواننا، وقد أذن لهم نبينا. فقالت طائفة من القوم لعمر: والله، ما [
…
] خير حين تركوا مجالستنا ومسجدنا، وأن يحضروا معنا، وخرجوا إلى [
…
] الحَرَّة ليس بيننا وبينهم إلا دعوة، فأكثروا القول في ذلك، الطائفتان جميعًا [
…
{فما لكم] في المنافقين فئتين} ، وذلك: تريدون أن تقتتلوا فيهم فأنا أخبركم خبرهم، فإنّ الله {أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ودوا} للذين كفروا، {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله}
(1)
. (ز)
19355 -
عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قال: كان ناس من المنافقين أرادوا أن يخرجوا من المدينة، فقالوا للمؤمنين: إنا قد أصابنا أوجاع في المدينة، واتَّخَمْناها
(2)
، فلعلنا أن نخرج إلى الظَّهْر
(3)
حتى نتماثل، ثم نرجع، فإنّا كُنّا أصحاب بَرِّيَّة. فانطلقوا، واختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت طائفة: أعداء الله منافقون، وددنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا فقاتلناهم. وقالت طائفة: لا، بل إخواننا، تَخَمَتْهُم المدينةُ فاتَّخَمُوها، فخرجوا إلى الظَّهْر يتنزهون، فإذا برئوا رجعوا. فأنزل الله في ذلك:{فما لكم في المنافقين فئتين}
(4)
. (4/ 570)
19356 -
عن مَعْمَر بن راشد -من طريق أبي سفيان- قال: بلغني أنّ ناسًا من أهل مكة كتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد أسلموا، أو كان ذلك منهم كذبًا، فلقوهم، فاختلف فيهم المسلمون؛ فقالت طائفة: دماؤهم حلال. وقالت طائفة: دماؤهم حرام. فأنزل الله: {فما لكم في المنافقين فئتين}
(5)
. (4/ 570)
19357 -
عن محمد بن السائب الكلبي -من طريق معمر- أنّ ناسا من أهل مكة كتبوا إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد أسلموا، وكان منهم كذبًا، فلقوهم، فاختلف فيهم المسلمون؛ فقالت طائفة: دماؤهم حلال. وقالت طائفة: دماؤهم حرام.
(1)
أخرجه عبد الله بن وهب في الجامع - تفسير القرآن 2/ 77 - 78 (149).
(2)
اتخم القوم البلدة، أي: لم يُوافِق هواؤها أبدانَهُم. اللسان (وخم).
(3)
الظهر: يطلق على ما شرُف من الأرض وارتفع. النهاية (ظهر).
(4)
أخرجه ابن جرير 7/ 286.
(5)
أخرجه ابن جرير 7/ 284.
فأنزل الله: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}
(1)
. (ز)
19358 -
قال مقاتل بن سليمان: {فما لكم} صرتم {في المنافقين} ، نزلت في تسعة نفر، منهم: مخرمة بن زيد القرشي، هاجروا من مكة إلى المدينة، فقدموا وأرادوا الرجعة، فقال بعضهم: نخرج كهيئة البداة، فإذا غُفل عنا مضينا إلى مكة. فجعلوا يتحولون مَنقَلةً مَنقَلةً
(2)
، حتى تباعدوا من المدينة، ثم إنهم أدلجوا حتى أصبحوا قد قطعوا أرضًا بعيدة، فلحقوا بمكة، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنا على ما فرقناك عليه، ولكنا اشتقنا إلى بلادنا وإخوتنا بمكة. ثم إنهم خرجوا تجارًا إلى الشام، واستبضعهم أهل مكة بضائعهم، فقالوا لهم: أنتم على دين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا بأس عليكم، فساروا، وبلغ المسلمين أمرُهم، فقال بعضهم لبعض: اخرجوا إلى هؤلاء، فنقاتلهم، ونأخذ ما معهم، فإنهم تركوا دار الهجرة، وظاهروا عدوَّنا. وقال آخرون: ما حلَّت دماؤهم ولا أموالهم، ولكنهم فُتنوا، ولعلهم يرجعوا للتوبة. والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت؛ فأنزل الله عز وجل يخبر عن التسعة رهط، ويعظ المؤمنين ليكون أمرهم جميعًا عليهم
(3)
[1793]. (ز)
[1793] أفادت الآثار اختلاف المفسرين فيمن نزل قوله تعالى: {فَما لَكُمْ فِي المُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ} على أقوال: الأول: في الذين تخلَّفُواْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقالوا: لو نعلم قتالًا لاتبعناكم. وهو قول زيد بن ثابت. الثاني: في قوم قَدِمُوا المدينة فأسلموا، ثم رجعوا إلى مكة فارتدوا وأظهروا الشرك. وهو قول مجاهد. الثالث: في قوم أظهروا الإسلام بمكة، وكانوا يُعينون المشركين على المسلمين. وهو قول ابن عباس، وقتادة، ومعمر، والضحاك. الرابع: في قوم من أهل المدينة أرادوا الخروج عنها نفاقًا. وهو قول السدي، ومحمد القرظي. الخامس: أنها نزلت في قوم من أهل الإفك. وهو قول ابن زيد.
ورَجَّح ابنُ جرير (7/ 286) مستندًا إلى ظاهر القرآن القول الثاني، وعلَّل ذلك، فقال:«لأنّ اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على قولين: أحدهما: أنهم قوم كانوا من أهل مكة. والآخر: أنهم قوم كانوا من أهل المدينة. وفي قول الله -جلَّ ثناؤه-: {فَلا تَتَّخِذُوا مِنهُمْ أوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أوضح الدليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة؛ لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر، فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيمًا من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرض هجرة؛ لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه» .وعلَّق ابنُ عطية (2/ 620) على قول ابن عباس، ومجاهد، فقال:«وهذان القولان يعضدهما ما في آخر الآية من قوله تعالى: {حَتّى يُهاجِرُوا}» .
ثم انتَقَد (2/ 620 - 621) القول بأنهم كانوا من أهل المدينة، فقال:«وكل مَن قال في هذه الآية: إنها في مَن كان بالمدينة. يردُّ عليه قوله: {حَتّى يُهاجِرُوا}» . ثم التمس له توجيهًا، فقال:«لكنهم يخرجون المهاجرة إلى هجر ما نهى الله عنه، وترك الخلاف والنفاق، كما قال عليه الصلاة والسلام: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ».
_________
(1)
أخرجه عبد الرزاق 1/ 167.
(2)
المَنقَلَة: المرحلة من مراحل السفر. لسان العرب (نقل).
(3)
تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 394 - 395.