الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
76098 -
عن سعيد بن جُبَير، قال: قلتُ لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قُل: سورة النَّضِير
(1)
. (14/ 332)
76099 -
عن سعيد بن جُبَير، قال: قلتُ لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: نَزَلَتْ في بني النَّضِير
(2)
[6536]. (14/ 332)
تفسير السورة
بسم الله الرحمن الرحيم
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(1)}
76100 -
قال مقاتل بن سليمان: {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ} يقول: ذَكر اللهَ {ما فِي السَّماواتِ} من الملائكة، {وما فِي الأَرْضِ} مِن الخلْق، {وهُوَ العَزِيزُ} في مُلكه، {الحَكِيمُ} في أمْره
(3)
[6537]. (ز)
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ
(2)}
نزول الآيات
76101 -
عن عائشة -من طريق عُروة- قالت: كانت غزوة بني النَّضِير -وهم طائفة من اليهود- على رأس ستة أشهُر من وقعة بدر، وكان منزلهم ونَخلهم في ناحية
[6536] ذكر ابنُ عطية (8/ 259) أنّ هذه السورة مدنيّة باتفاق من أهل العلم.
[6537]
ذكر ابنُ عطية (8/ 259) أنّ مكّيًّا قال: {سَبَّحَ} معناه: صلّى وسَجد. ثم علَّق بقوله: «فهذا كلّه بمعنى الخضوع والطّوع» .
_________
(1)
أخرجه البخاري (4029، 4883). وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، ومسلم، وابن المنذر، وابن مردويه.
(2)
أخرجه البخاري (4882)، ومسلم (3031)، وسعيد بن منصور -كما في تفسير ابن كثير 8/ 81 - ، وابن مردويه -كما في فتح الباري 7/ 333 - من وجه آخر عن ابن عباس.
(3)
تفسير مقاتل بن سليمان 4/ 275.
المدينة، فحاصَرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنّ لهم ما أقلّتِ الإبل مِن الأمتعة والأموال، إلا الحَلْقَة، يعني: السلاح؛ فأنزل الله فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ} إلى قوله: {لِأَوَّلِ الحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أنْ يَخْرُجُوا} ، فقاتلهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء، وأجلاهم إلى الشام، وكانوا مِن سِبطٍ لم يُصبهم جلاءٌ فيما خلا، وكان اللهُ قد كَتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لَعذّبهم في الدنيا بالقتْل والسّبي. وأما قوله:{لِأَوَّلِ الحَشْرِ} فكان جلاؤهم ذلك أول حَشرٍ في الدنيا إلى الشام
(1)
. (14/ 332)
76102 -
عن عبد الله بن عباس: أنّ سورة الحشر نَزَلَتْ في النَّضِير، وذَكر اللهُ فيها الذي أصابهم من النِّقمة، وتسليطه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، حتى عمِل بهم الذي عمِل بإذنه، وذَكر المنافقين الذين كانوا يُراسلونهم، ويَعِدونهم النصر، فقال:{هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ} إلى قوله: {وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ} بهدْمهم بيوتهم مِن نُجُفِ الأبواب
(2)
. (14/ 339)
76103 -
عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك-: أنّ كفار قريش كتبوا إلى عبد الله بن أُبَيّ بن سَلول ومَن كان يعبد معه الأوثان مِن الأَوْس والخَزْرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر، يقولون: إنّكم قد آويتُم صاحِبَنا، وإنّكم أكثرُ أهل المدينة عددًا، وإنّا نُقْسِم بالله لتُقاتِلُنَّه أو لتُخْرِجُنَّه، أو لَنَسْتَعْدِيَنَّ عليكم العرب، ثم لَنَسيرنّ إليكم بأجمعنا حتى نَقتل مُقاتلتكم، ونَستبيح نساءكم وأبناءكم. فلما بلغ ذلك عبد الله بن أُبَيّ ومَن معه مِن عبدة الأوثان تَراسلوا، واجتمعوا، وأجمَعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما بلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَهم في جماعةٍ مِن أصحابه، فقال:«لقد بلغ وعيدُ قريش منكم المبالغ، ما كانت لِتكيدَكم بأكثر مما تريدون أن تَكيدوا به أنفسَكم! فأنتم هؤلاء تريدون أن تُقاتلوا أبناءكم وإخوانكم» . فلمّا سمِعوا ذلك مِن النبي صلى الله عليه وسلم تفرّقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، وكانت وقعة بدر بعد ذلك، فكَتبتْ كفارُ قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنّكم أهل الحَلْقَة والحُصون، وإنّكم لَتُقاتِلُنّ صاحبَنا أو لنَفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خَدَم نسائكم شيء -وهي الخَلاخيل-.
(1)
أخرجه الحاكم 2/ 483، والبيهقي في الدلائل 3/ 178. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
قال البيهقي: «ذكر عائشة فيه غير محفوظ» .
(2)
عزاه السيوطي إلى ابن إسحاق، وابن مردويه. وينظر: سيرة ابن هشام 2/ 192 - 195.
فلمّا بلغ كتابُهم اليهودَ اجتمعت بنو النَّضِير بالغَدر، فأَرسَلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلًا مِن أصحابك، وليَخرج إليك منّا ثلاثون حَبْرًا حتى نلتقي بمكانٍ نَصَفٍ بيننا وبينك، ويَسمعوا منك، فإن صدَّقوك وآمنوا بك آمنّا كلُّنا. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين مِن أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حَبْرًا مِن اليهود، حتى إذا بَرزوا في بَرازٍ من الأرض قال بعضُ اليهود لبعض: كيف تَخلُصُون إليه ومعه ثلاثون رجلًا مِن أصحابه، كلّهم يحبُّ أن يموت قبله؟ فأرسَلوا: كيف نَفهَم ونحن ستون رجلًا؟! اخرج في ثلاثة مِن أصحابك، ويَخرج إليك ثلاثةٌ مِن علمائنا فليسمَعوا منك، فإنْ آمنوا بك آمنّا كلّنا وصدّقناك. فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ثلاثة مِن أصحابه، وخرج ثلاثة من اليهود، واشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفَتْكَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَت امرأةٌ ناصِحةٌ مِن بني النَّضِير إلى أخيها، وهو رجل مسلم مِن الأنصار، فأخبَرتْه خبرَ ما أراد بنو النَّضر مِن الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعًا حتى أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسارّه بخبرهم قبل أن يَصِل إليهم، فرجع النبيُّ صلى الله عليه وسلم. فلمّا كان الغدُ غَدا عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب، فحَصَرهم، فقال لهم:«إنكم -واللهِ- لا تَأمَنُون عندي إلا بعهدٍ تُعاهِدُونني عليه» . فأَبَوا أن يُعطوه عهدًا، فقاتلهم يومَه ذلك هو والمسلمون، ثم غدا الغد على بني قُرَيظة بالكتائب، وترك بني النَّضِير، ودعاهم إلى أن يُعاهِدوه، فعاهَدوه، فانصرف عنهم، وغدا إلى بني النَّضِير بالكتائب، فقاتَلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنّ لهم ما أقَلَّتِ الإبلُ إلا الحَلْقَة -والحَلْقَة: السلاح-، فجَلَتْ بنو النَّضِير، واحتَملوا ما أقَلّتِ الإبلُ مِن أمتعتهم، وأبواب بيوتهم وخَشَبها، فكانوا يُخْرِبون بيوتَهم، فيهدمونها، فيَحْتملون ما وافقهم مِن خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أولَ حَشْر الناس إلى الشام، وكان بنو النَّضِير مِن سِبطٍ من أسباط بني إسرائيل لم يُصبهم جلاءٌ منذ كَتب الله على بني إسرائيل الجلاء؛ فلذلك أجْلاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلولا ما كَتب الله عليهم مِن الجلاء لعذَّبهم في الدنيا كما عُذِّبتْ بنو قُرَيظة؛ فأنزل الله:{سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ} حتى بلغ: {واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، فكان نخيل بني النَّضِير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فأعطاه الله إيّاها، وخصّه بها، فقال:{وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ} يقول: بغير قتال، فأعطى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أكثرَها المهاجرين، وقَسَمها بينهم، وقَسَم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة، لم يَقْسم لأحد مِن الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم -
التي في أيدي بني فاطمة
(1)
. (14/ 340)
76104 -
عن عُروة بن الزبير -من طريق أبي الأسود- قال: أمر اللهُ رسولَه بإجلاء بني النَّضِير، وإخراجهم من ديارهم، وقد كان النّفاقُ كثيرًا بالمدينة، فقالوا: أين تُخْرِجنا؟ قال: «أُخرجكم إلى المَحْشر» . فلما سمع المنافقون ما يُراد بإخوانهم وأوليائهم مِن أهل الكتاب أرسَلوا إليهم، فقالوا لهم: إنّا معكم محيانا ومماتنا؛ إن قوتلتم فلكم علينا النصر، وإنْ أُخرِجتُم لم نتخلّف عنكم. ومنّاهم الشيطانُ الظهور، فنادَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم: إنّا -واللهِ- لا نَخرج، ولَئِن قاتَلتَنا لَنُقاتلنَّك. فمضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيهم لأمْر الله، وأمَر أصحابه، فأخذوا السلاح، ثم مضى إليهم، وتحصَّنَتِ اليهودُ في دُورهم وحصونهم، فلما انتهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أزِقَّتهم أمَر بالأدنى فالأدنى مِن دُورهم أن يُهدم، وبالنّخل أن يُحرَق ويُقطَع، وكفّ الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم، وألقى اللهُ في قلوب الفريقين الرُّعبَ، ثم جعلت اليهود كلّما خلَص رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن هدْم ما يلي مدينتهم ألقى الله في قلوبهم الرّعب، فهدَموا الدُّور التي هم فيها من أدبارها، ولم يستطيعوا أن يَخرجوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فلمّا كادوا أن يبلغوا آخر دُورهم، وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منَّوهم، فلمّا يئسوا مِمّا عندهم سألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الذي كان عَرض عليهم قبل ذلك، فقاضاهم على أن يُجْليَهم، ولهم أن يتحَمَّلوا بما استَقَلّتْ به الإبل مِن الذي كان لهم، إلا ما كان مِن حَلْقة السلاح، فذهبوا كلَّ مَذهب، وكانوا قد عَيَّروا المسلمين حين هَدموا الدُّور وقطَعوا النخل، فقالوا: ما ذَنبُ شجرةٍ وأنتم تزعمون أنكم مُصلِحون؟! فأنزل اللهُ: {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ} إلى قوله: {ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ} ، ثم جعلها نفلًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل منها سهمًا لأحد غيره، فقال:{وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ} إلى قوله: {قَدِيرٌ} . فقَسمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيمن أراه الله مِن المهاجرين الأوّلين
(2)
. (14/ 334)
76105 -
عن أبي مالك: أنّ قُرَيظة والنَّضِير -قبيلتين من اليهود- كانوا حلفاء
(1)
أخرجه عبد الرزاق (9733)، من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي، وأبو داود (3004)، والبيهقي في الدلائل 3/ 178. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2595).
(2)
أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 180 - 182.
لقبيلتين من الأنصار؛ الأَوْس والخَزْرج، في الجاهلية، فلمّا قَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأسلَمت الأنصار، وأَبَتِ اليهودُ أن يُسْلِموا، سار المسلمون إلى النَّضِير وهم في حصونهم، فجعل المسلمون يَهدِمون ما يليهم مِن حصنهم، ويَهدِم الآخرون ما يليهم؛ أن يُرتَقى عليهم، حتى أفضَوْا إليهم، فنَزَلَتْ:{هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ} إلى قوله: {شَدِيدُ العِقابِ}
(1)
. (14/ 343)
76106 -
عن يزيد بن رُومان -من طريق ابن إسحاق- قال: نَزَلَتْ في بني النَّضِير سورة الحَشْر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله عز وجل به من نِقمته، وما سَلّط عليهم به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وما عمِل به فيهم، فقال:{هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ} الآيات
(2)
. (ز)
76107 -
عن موسى بن عقبة، قال: هذا حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى بني النَّضِير يستعينهم في عقْل الكِلابِيَّيْن، وكانوا زعموا قد دَسُّوا إلى قريش حين نزلوا بأُحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحضّوهم على القتال، ودلّوهم على العورة، فلما كلّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقْل الكِلابِيَّيْن قالوا: اجلس -يا أبا القاسم- حتى تَطْعَم، وترجع بحاجتك، ونقوم فنتشاور، ونُصلِح أمرنا فيما جئتنا له، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن معه مِن أصحابه في ظِلّ جدارٍ ينتظرون أن يُصلحوا أمرهم، فلمّا خَلَوا -والشيطان معهم- ائتمروا بقتْل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لن تجدوه أقرب منه الآن، فاستريحوا منه تأمَنوا في دياركم، ويُرفع عنكم البلاء. فقال رجل منهم: إن شئتم ظهرتُ فوق البيت الذي هو تحته، فدَلّيتُ عليه حجرًا، فقتلتُه. وأوحى اللهُ عز وجل إليه، فأخبره بما ائتمروا به مِن شأنهم، فعصَمه الله عز وجل، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يريد أن يقضي حاجة، وتَرك أصحابه في مجلسهم، وانتظره أعداء الله، فراثَ عليهم، فأقبل رجلٌ مِن المدينة، فسألوه عنه، فقال: لَقيته قد دخل أزِقّة المدينة، فقالوا لأصحابه: عَجل أبو القاسم أن يُقيم أمرنا في حاجته التي جاء لها. ثم قام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعوا، ونزل القرآن، والله أعلم بالذي أراد أعداء الله، فقال عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} إلى قوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [المائدة: 11]. فلمّا أظهر اللهُ عز وجل رسولَه صلى الله عليه وسلم على ما أرادوا به وعلى خيانتهم أمر اللهُ عز وجل رسولَه صلى الله عليه وسلم بإجلائهم، وإخراجهم مِن ديارهم،
(1)
عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(2)
أخرجه ابن جرير 22/ 498.
وأمرهم أن يسيروا حيث شاؤوا، وقد كان النّفاق قد كثُر في المدينة، فقالوا: أين تُخرجنا؟ قال: «أُخرجكم إلى الحبس» . فلمّا سمع المنافقون ما يُراد بإخوانهم وأوليائهم من أهل الكتاب أرسَلوا إليهم، فقالوا لهم: إنّا معكم محيانا ومماتنا؛ إن قوتلتم فلكم علينا النصر، وإنْ أُخرجتُم لم نتخلّف عنكم. وسيد اليهود أبو صفية حُييّ بن أخطَب، فلمّا وثقوا بأماني المنافقين عَظُمَت غِرَّتهم، ومنّاهم الشيطان الظهور، فنادَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه: إنّا -واللهِ- لا نخرج، ولَئن قاتلتَنا لَنُقاتلنّك. فمضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأمْر الله تعالى فيهم، فأمَر أصحابَه، فأخذوا السلاح، ثم مضى إليهم، وتحصّنت اليهود في دُورهم وحصونهم، فلمّا انتهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أزِقّتهم وحصونهم كره أن يُمكّنهم من القتال في دُورهم وحصونهم، وحفظ الله عز وجل له أمره، وعَزم على رُشده، فأمر بالأدنى فالأدنى مِن دُورهم أن تُهدم، وبالنّخل أن تُحرق وتُقطع، وكفّ الله تعالى أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم، وألقى الله عز وجل في قلوب الفريقين كلاهما الرّعب، ثم جعلت اليهود كُلّما خلَص رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن هدْم ما يلي مدينته ألقى الله عز وجل في قلوبهم الرّعب، فهَدموا الدُّور التي هم فيها مِن أدبارها، ولم يستطيعوا أن يَخرجوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يَهدِمون ما أتَوا عليه الأول فالأول، فلّما كادت اليهود أن تبلغ آخر دُورها وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا مَنَّوهم، فلمّا يئِسوا مِمّا عندهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان عَرض عليهم قبل ذلك، فقاضاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أن يُجْليَهم ولهم أن يتَحمّلوا بما استَقَلّت به الإبل مِن الذي كان لهم، إلا ما كان من حَلْقَة أو سلاح، فطاروا كلّ مطير، وذهبوا كلّ مذهب، ولحق بنو أبي الحقيق طير معهم آنية كثيرة مِن فِضّة، قد رآها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون حين خرجوا بها، وعَمد حُييّ بن أخطَب حين قدم مكة على قريش، فاستغْواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستنصرهم، وبيّن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم حديث أهل النّفاق وما بينهم وبين اليهود، وكانوا قد عيّروا المسلمين حين يَهدِمون الدُّور ويَقطَعون النّخل، فقالوا: ما ذَنبُ شجرة وأنتم تزعمون أنكم مُصلِحون؟! فأنزل الله عز وجل: {سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم} إلى قوله: {وليخزي الفاسقين} . ثم جعلها نفلًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل فيها سهمًا لأحد غيره، فقال:{وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} إلى قوله: {والله على كل شيء قدير} [الحشر: 6]. فقَسَمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيمن أراه الله عز وجل مِن المهاجرين الأوّلين،