الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير السورة
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
(1)}
نزول الآية:
76427 -
عن علي بن أبي طالب، قال: بعثَني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزّبير والمِقداد، فقال: «انطلِقوا حتى تَأتُوا رَوضة خاخٍ
(1)
؛ فإنّ بها ظَعِينة
(2)
، معها كتاب، فخُذوه منها، فائتُوني به». فخَرجنا حتى أتينا الرّوضة فإذا نحن بالظَّعِينة، فقُلنا: أخرجِي الكتاب. قالت: ما معي كتاب. قُلنا: لتُخرجِنّ الكتاب، أو لنُلْقِينّ الثياب. فأَخرجتْه من عِقاصِها
(3)
، فأَتينا به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطِب بن أبي بَلْتَعة إلى أُناسٍ مِن المشركين بمكة يُخبرهم ببعض أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«ما هذا، يا حاطِب؟!» . قال: لا تَعْجَل عليَّ، يا رسول الله، إني كنتُ امرًا مُلصقًا في قريش، ولم أكن مِن أنفُسها، وكان مَن معك مِن المهاجرين لهم قراباتٌ يَحمُون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببتُ -إذ فاتني ذلك مِن النّسب فيهم- أنْ أصطنِع إليهم يدًا يَحمُون بها قرابتي، وما فعلتُ ذلك كُفرًا ولا ارتدادًا عن ديني. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«صَدق» . فقال عمر: دَعني -يا رسول الله صلى الله عليه وسلم- أضرب عُنُقه. فقال: «إنّه شهد بدرًا، وما يُدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم؟!» . ونَزَلَتْ فيه: {يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ}
(4)
. (14/ 402)
(1)
روضة خاخ -هي بخاءين معجمتين-: موضع بين مكة والمدينة. النهاية (خوخ).
(2)
الظعينة هنا: الجارية، وأصلها: الهودج، وسميت بها الجارية؛ لأنها تكون فيه. ينظر: صحيح مسلم بشرح النووي 16/ 55.
(3)
العَقِيصة: الشعر المَعْقُوص، وهو نحو من المضْفُور. وأصل العَقْص: اللَّيُّ وإدخال أطراف الشعر في أصوله. النهاية (عقص).
(4)
أخرجه البخاري 4/ 59 - 60 (3007)، 4/ 76 (3081)، 5/ 77 - 78 (3983)، 5/ 145 (4274)، 6/ 149 (4890)، 8/ 57 - 58 (6259)، 9/ 18 - 19 (6939)، ومسلم 4/ 1941 (2494)، وابن جرير 22/ 559 - 560، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير 8/ 84 - .
76428 -
عن علي بن أبي طالب -من طريق الحارث- قال: لَمّا أراد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أسَرَّ إلى ناسٍ مِن أصحابه أنه يريد مكة -منهم حاطِب بن أبي بَلْتَعة-، وأفشى في الناس أنه يريد خَيبر، فكتب حاطِب إلى أهل مكة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبَعثني أنا وأبا مَرْثَد، فقال:«ائتُوا رَوضة خاخ» فذكر نحو ما تقدم؛ فأنزل الله: {يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ} الآية
(1)
. (14/ 403)
76429 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق مجاهد- في قول الله: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ} إلى قوله: {بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} : في مُكاتبة حاطِب بن أبي بَلْتَعة ومَن معه إلى كفار قريش يُحذِّرونهم
(2)
. (14/ 409)
76430 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية- في قوله: {يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ} إلى آخر الآية، قال: نَزَلَتْ في رجلٍ كان مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة مِن قريش، كتب إلى أهله وعشيرته بمكة، يُخبرهم ويُنذرهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سائر إليهم، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحيفته، فبعث علي بن أبي طالب، فأتاه بها
(3)
. (14/ 404)
76431 -
عن أنس بن مالك -من طريق قتادة- {يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ} ، قال: لَمّا أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم السَّيْرُورة مِن الحُدَيبية إلى مشركي قريش، كَتب إليهم حاطِب بن أبي بَلْتَعة يُحذِّرهم، فأَطلَع اللهُ على ذلك، فوُجد الكتاب مع امرأة من مشركي قريش في قَرْنٍ من رأسها، فقال له:«ما حمَلك على الذي صنعتَ؟» . قال: أما واللهِ ما ارتبتُ في أمرِ الله ولا شككتُ فيه، ولكنه كان لي بها أهلٌ ومال، فأردتُ مصانعةَ قريش. وكان حليفًا لهم، ولم يكن منهم، فأنزل الله فيه القرآن:{يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ} الآية
(4)
. (14/ 404)
(1)
أخرجه أبو يعلى 1/ 319 - 320 (397)، وابن جرير 22/ 560 - 561، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير 8/ 84 - ، من طريق الحارث، عن علي به.
وسنده حسن.
(2)
أخرجه الحاكم 2/ 527 (3802) مطولًا، من طريق إبراهيم بن الحسين، عن آدم بن أبي إياس، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس به.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح، على شرط الشيخين، ولم يخرجاه» . ووافقه الذهبي في التلخيص.
(3)
أخرجه ابن جرير 22/ 561، من طريق العَوفيّين، عن ابن عباس به.
إسناد ضعيف، لكنها صحيفة صالحة ما لم تأت بمنكر أو مخالفة. وينظر: مقدمة الموسوعة.
(4)
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين 4/ 9 (2577)، وابن مردويه -كما في الفتح 8/ 636، 12/ 306 - مختصرًا من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس بن مالك به.
وسنده ضعيف؛ سعيد بن بشير قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب (2276): «ضعيف» .
76432 -
عن أنس بن مالك، قال: أمّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ يوم فتْح مكة إلا أربعة؛ عبد العُزّى بن خطل، ومِقْيَس بن ضُبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سَرح، وأُمّ سارة، فذكر الحديث، قال: وأمّا أُمُّ سارة فإنها كانت مولاةً لقريش، فأتَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فشَكَتْ إليه الحاجة، فأعطاها شيئًا، ثم أتاها رجلٌ، فبعث معها بكتاب إلى أهل مكة يتقرّبُ بذلك إليها لِحِفْظ عياله، وكان له بها عيال، فأَخبر جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فبَعث في أثَرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، فلحِقاها في الطريق، ففَتَّشاها، فلم يَقدِرا على شيءٍ معها، فأقبَلا راجِعَيْن، ثم قال أحدُهما لصاحبه: واللهِ، ما كَذَبنا، ولا كُذِبنا، ارجع بنا إليها. فَرجَعا إليها، فسَلّا سيفهما، فقالا: واللهِ، لَنُذيقنّكِ الموتَ أو لتَدفَعِنّ إلينا الكتاب. فأنكَرتْ، ثم قالتْ: أدفعه إليكما على أن لا تَرُدّاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقَبلا ذلك منها، فحلّتْ عِقاص رأسها، فأَخرجَت الكتاب مِن قَرْنٍ من قرونها، فدفعتْه إليهما، فرجعا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفَعاه إليه، فدعا الرجلَ، فقال:«ما هذا الكتاب؟» . فقال: أُخبِرك، يا رسول الله، إنه ليس مِن رجل مِمّن معك إلا وله بمكة مَن يَحفَظه في عياله، فكتبتُ بهذا الكتاب ليكونوا لي في عيالي. فأنزل الله:{يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ} الآية
(1)
. (14/ 406)
76433 -
عن عبد الرحمن بن حاطِب بن أبي بَلْتَعة -من طريق عُروة بن الزبير- وحاطِب رجلٌ مِن أهل اليمن كان حليفًا للزّبير بن العوام مِن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قد شهد بدرًا، وكان بنوه وإخوته بمكة، فكتب حاطِب -وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة- إلى كفار قريش بكتاب يَنتَصح لهم فيه، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليًّا والزّبير، فقال لهما:«انطلِقا حتى تُدركا امرأة معها كتاب، فخُذا الكتاب، فائتِياني به» . فانطلَقا حتى أدركا المرأة بحُلَيْفة بني أحمد، وهي من المدينة على قريب من اثني عشر ميلًا، فقالا لها: أعطِنا الكتاب الذي معكِ. قالت: ليس معي كتاب. قالا: كَذبتِ، قد حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّ معكِ كتابًا، واللهِ، لَتُعْطِيَنّ الكتاب الذي معكِ، أو لا نَترك
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط 6/ 342 - 344 (6577)، وابن عساكر في تاريخه 29/ 29 - 31 (5940، 5941)، من طريق الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن أنس بن مالك به.
قال الهيثمي في المجمع 6/ 167 - 168 (10235): «فيه الحكم بن عبد الملك، وهو ضعيف» .
عليكِ ثوبًا إلا التمَسنا فيه. قالتْ: أوَلَستم بناس مسلمين؟ قالا: بلى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدَّثنا أنّ معكِ كتابًا. حتى إذ ظنتْ أنهما مُلتَمسان كلّ ثوب معها، حلّتْ عِقاصها، فأَخرجتْ لهما الكتاب مِن بين قرون رأسها، كانت قد اعتَقَصتْ عليه، فأَتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو كتاب من حاطِب بن أبي بَلْتَعة إلى أهل مكة، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حاطبًا، قال:«أنتَ كتبتَ هذا الكتاب؟» . قال: نعم. قال: «فما حمَلكَ على أن تَكتب به؟» . قال حاطِب: أما واللهِ ما ارتبتُ منذ أسلمتُ في الله عز وجل، ولكني كنتُ امرءًا غريبًا فيكم أيها الحي مِن قريش، وكان لي بنون وإخوة بمكة، فكتبتُ إلى كفار قريش بهذا الكتاب لكي أدفع عنهم. فقال عمر: ائذن لي -يا رسول الله- أضرب عُنُقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَعْه؛ فإنه قد شهد بدرًا، وإنك لا تدري لعلّ الله اطّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فإني غافِر لكم ما عمِلتم» . فأنزل الله في ذلك: {يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ} حتى بلغ: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرْجُو اللَّهَ واليَوْمَ الآخِرَ}
(1)
. (14/ 405)
76434 -
عن سعيد بن جُبَير، قال: اسم الذي أُنَزِلَتْ فيه: {يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ} : حاطِب بن أبي بَلْتَعة
(2)
. (14/ 410)
76435 -
عن عُروة بن الزّبير -من طريق محمد بن جعفر بن الزّبير- قالوا: لَمّا أجمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السَّير إلى مكة كتب حاطِب بن أبي بَلْتَعة كتابًا إلى قريش يُخبِرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الأمر في السَّير إليهم، ثم أعطاه امرأة -يزعم محمد بن جعفر: أنها من مُزْينة، وزعم غيره: أنها سارة؛ مولاة لبعض بني عبد المُطّلب- وجعل لها جُعْلًا على أن تُبلّغه قريشًا، فجَعلتْه في رأسها، ثم فَتَلَتْ عليه قرونها، ثم خَرجتْ به. وأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ من السماء بما صنع حاطِب، فبعث عليَّ بن أبي طالب والزّبير بن العوام رضي الله عنهما، فقال:«أدرِكا امرأة قد كَتب معها حاطِب بكتاب إلى قريش يُحذِّرهم ما قد اجتَمعنا له في أمرهم» . فخَرجا حتى أدركاها بالحُليفة؛ حُليفة ابن أبي أحمد، فاستنزَلاها، فالتمَسا في رحْلها، فلم يجدا شيئًا، فقال لها علي بن أبي طالب?: إني أحلف بالله ما كَذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، ولتُخرِجِنّ إلَيَّ هذا الكتاب، أو لنَكشِفنّكِ. فلما رأت الجِدّ منه قالت: أعرِض عنِّي. فأَعرَض عنها، فحلَّتْ قرون رأسها، فاستَخرجَت الكتاب، فدفَعتْه إليه، فجاء
(1)
عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
(2)
عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبًا، فقال:«يا حاطِب، ما حمَلكِ على هذا؟» . فقال: يا رسول الله، أما واللهِ إنّي لَمُؤمنٌ بالله ورسوله، ما غيّرتُ ولا بدّلتُ، ولكني كنتُ امرأً ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهلٌ وولد، فصانعتُهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب?: دَعني، يا رسول الله، فلأضرب عُنُقه، فإنّ الرجل قد نافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وما يدريك، يا عمر، لعلّ الله قد اطّلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم» . فأنزل الله عز وجل في حاطِب: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ} إلى قوله: {وإلَيْكَ أنَبْنا} إلى آخر القصة
(1)
. (ز)
76436 -
عن عُروة بن الزّبير -من طريق معمر، عن الزُّهريّ - نحوه. وفي آخره: قال الزهري: وفيه نَزَلَتْ: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ} حتى بلغ: {واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(2)
. (ز)
76437 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قول الله: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ} إلى قوله: {بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} في مُكاتبة حاطِب بن أبي بَلْتَعة ومَن معه إلى كفار قريش يُحذِّرونهم
(3)
. (14/ 409)
76438 -
عن الحسن البصري، قال: كَتب حاطِب بن أبي بَلْتَعة إلى المشركين كتابًا يَذكُر فيه مَسيرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فبَعث به مع امرأة، فبَعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طَلبها، فأُخذ الكتاب منها، فجِيء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعا حاطبًا، فقال:«أنتَ كتبتَ هذا الكتاب؟» . قال: نعم يا رسول الله، أما والله إني لَمؤمنٌ بالله وبرسوله، وما كفرتُ منذ أسلمتُ، ولا شككتُ منذ استيقنتُ، ولكني كنتُ امرءًا لا نَسب لي في القوم، إنما كنتُ حَليفَهم، وفي أيديهم من أهلي ما قد علمتَ، فكتبتُ إليهم بشيء قد علمتُ أن لن يُغني عنهم من الله شيئًا أراده؛ أنْ أدرأ به عن أهلي ومالي، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، خَلِّ عني وعن عدوّ الله هذا المنافق، فأضرب عُنُقه. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نَظرًا عرف عمر أنه قد غَضِب، ثم قال:«ويحك، يا ابن الخطاب، وما يدريك لعلّ الله قد اطّلع على أهل موطن مِن مواطن الخير، فقال للملائكة: اشهدوا أنِّي قد غفرتُ لأَعبُدي هؤلاء، فليَعملوا ما شاؤوا» . قال عمر: الله
(1)
أخرجه ابن جرير 22/ 561. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(2)
أخرجه عبد الرزاق 2/ 287، وابن جرير 22/ 561.
(3)
أخرجه ابن جرير 22/ 563، وعبد بن حميد -كما في التغليق 4/ 338، والفتح 8/ 633 - .
ورسوله أعلم. قال: «إنهم أهل بدر فاجتنِبْ أهل بدر، إنهم أهل بدر فاجتنِبْ أهل بدر، إنهم أهل بدر فاجتنِب أهل بدر»
(1)
. (14/ 407)
76439 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد - قوله: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ} حتى بلغ: {سَواءَ السَّبِيلِ} ، ذُكر لنا: أنّ حاطبًا كَتب إلى أهل مكة يُخبِرهم سيرورة نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم زمن الحُدَيبية، فأَطلع الله عز وجل نبيّه عليه الصلاة والسلام على ذلك. وذُكر لنا: أنهم وجدوا الكتاب مع امرأة في قَرْنٍ من رأسها، فدعاه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«ما حمَلك على الذي صنعتَ؟» . قال: واللهِ، ما شككتُ في أمر الله، ولا ارتددتُ فيه، ولكن لي هناك أهلًا ومالًا، فأردتُ مصانعة قريش على أهلي ومالي. وذُكر لنا: أنه كان حليفًا لقريش لم يكن مِن أنفُسهم، فأنزل الله عز وجل في ذلك القرآن، فقال:{إنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أعْداءً ويَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ وأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ووَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}
(2)
. (14/ 409)
76440 -
قال يحيى بن سلّام: بلَغني: أنّه كَتب مع امرأة مولاة لبني هاشم، وجعل لها جُعْلًا، وجَعلت الكتاب في خمارها، فجاء جبريل إلى رسول الله، فأَخبَره، فبَعث رسول الله في طَلبها عليًّا ورجلًا آخر، ففتَّشاها، فلم يجدا معها شيئًا، فأراد صاحبه الرجوع، فأبى عليٌّ، وسلّ عليها السيف، وقال: واللهِ، ما كَذبتُ ولا كُذِبت. فأَخذتْ عليهما إنْ أعطتْه إياهما ألا يَرُدّاها، فأَخرجت الكتاب من خمارها. قال الكلبي: فأرسل رسول الله إليه: «هل تعرف هذا، يا حاطِب؟» . قال: نعم. قال: «فما حمَلك عليه؟» . قال: أما والذي أنزل عليك الكتاب، ما كفرتُ منذ آمنتُ، ولا أحببتُهم منذ فارقتُهم، ولم يكن مِن أصحابك أحدٌ إلا وله بمكة مَن يَمنع الذي له غيري، فأحببتُ أن أتخذ عندهم مَودّة، وقد علمتُ أنّ الله مُنزل عليهم بأسه ونِقمته، وإنّ كتابي لن يُغني عنهم شيئًا. فصدّقه رسول الله وعَذره؛ فأنزل الله هذا فيه
(3)
. (ز)
76441 -
قال مقاتل بن سليمان: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ}
(1)
عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(2)
أخرجه ابن جرير 22/ 564. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وفيه: فأنزل الله القرآن، وقال: {إنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أعْداءً ويَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ وأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} إلى قوله: {قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْراهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ}، {إلّا قَوْلَ إبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ}.
(3)
ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين 4/ 376 - .
وذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناسَ بالجهاد وعَسكَرَ، وكتب حاطِب بن أبي بَلْتَعة إلى أهل مكة: إنّ محمدًا قد عَسكَر، وما أراه إلا يريدكم؛ فخذوا حِذركم. وأَرسَل بالكتاب مع سارة مولاة أبي عمرو بن صيفيّ بن هاشم، وكانت قد جاءتْ من مكة إلى المدينة، فأعطاها حاطِب بن أبي بَلْتَعة عشرة دنانير على أن تُبلغ كتابه أهل مكة، وجاء جبريل، فأَخبَر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأمْر الكتاب وأمْر حاطِب، فبَعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب عليه السلام، والزّبير بن العوام، وقال لهما:«إنْ أعطتْكما الكتابَ عفوًا خلِّيا سبيلها، وإنْ أبتْ فاضربا عُنُقها» . فسارا حتى أدَركاها بالجُحْفةِ، وسألاها عن الكتاب، فحَلفَت: ما معها كتاب. وقالت: لَأنا إلى خيركم أفقر مِنِّي إلى غير ذلك. فابتَحَثاها، فلم يجدا معها شيئًا، فقال الزّبير لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما: ارجع بنا، فإنّا لا نرى معها شيئًا. فقال علي: واللهِ، لأضربنّ عُنُقها، واللهِ، ما كَذَب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا. فقال الزّبير: صدقتَ، اضرب عُنُقها. فسلَّ علِيٌّ سيفه، فلما عرفت الجِدّ منهما أخذتْ عليهما المواثيق: لئن أعطيتُكما الكتاب لا تقتلاني، ولا تَسبِياني، ولا تَرُدّاني إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ولتُخلّيان سبيلي. فأَعطَياها المواثيق، فاستَخرجت الصّحيفة مِن ذؤابتها، ودَفعتْها، فخلَّيا سبيلها، وأقْبَلا بالصّحيفة فوضَعاها في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأها، فأرسَل إلى حاطِب بن أبي بَلْتَعة، فقال له:«أتعرف هذا الكتاب؟» . قال: نعم. قال: «فما حمَلك على أن تُنذر بنا عدوَّنا؟» . قال حاطِب: اعفُ عنِّي، عفا الله عنك، فوالذي أنزل عليك الكتاب، ما كفرتُ منذ أسلمتُ، ولا كذبتُك منذ صدّقتك، ولا أبغضتُك منذ أحببتُك، ولا واليتُهم منذ عاديتُهم، وقد علمتُ أنّ كتابي لا ينفعهم ولا يضرّك، فاعذرني، جعلني الله فداك؛ فإنه ليس من أصحابك أحدٌ إلا وله بمكة مَن يَمنع ماله وعشيرته غيري، وكنتُ حليفًا ولست من أنفُس القوم، وكان حُلفائي قد هاجروا كلّهم، وكنتُ كثير المال والضّيعة بمكة، فخِفتُ المشركين على مالي، فكتبتُ إليهم لأتوسّل إليهم بها، وأَتّخذها عندهم مَودّة لأدفع عن مالي، وقد علمتُ أنّ الله مُنزل بهم خِزيه ونِقمته، وليس كتابي يُغني عنهم شيئًا. فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد صَدق فيما قال، فأنزل الله تعالى عِظَةً للمؤمنين أن يعودوا لِمِثل صَنيع حاطِب بن أبي بَلْتَعة، فقال تعالى:{يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ}
…
وفي حاطِب نَزَلَتْ هذه الآية: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ} إلى آخر الآية