الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزول السورة
76974 -
عن زيد بن أرْقَم -من طريق أبي إسحاق- قال: خَرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفرٍ، فأصاب الناسَ شِدّةٌ، فقال عبد الله بن أُبيّ لأصحابه: لا تُنفِقوا على مَن عند رسول الله حتى يَنفَضُّوا مِن حوله. وقال: لئن رَجَعنا إلى المدينة لَيُخرِجنّ الأَعزُّ منها الأَذلَّ. فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأَخبَرتُه بذلك، فأَرسَل إلى عبد الله بن أُبيّ، فسَأله، فاجتهد يمينه ما فعل، فقالوا: كذب زيدٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. فوقع في نفسي مما قالوا شِدّة، حتى أنزل الله تصديقي في:{إذا جاءَكَ المُنافِقُونَ} ، فدَعاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليَستغفِر لهم، فلَوَّوا رؤوسهم، وهو قوله:{خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} قال: كانوا رجالًا أجمل شيء
(1)
. (14/ 492)
76975 -
عن زيد بن أرْقَم -من طريق أبي سعيد- قال: غَزَونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معنا ناس من الأعراب، فكُنّا نَبْتَدِر الماء، وكان الأعراب يَسبقونا إليه، فَيَسبِق الأعرابيُّ أصحابَه، فيَملأ الحوض، ويَجعل حوله حجارة، ويَجعل النِّطْعَ
(2)
عليه حتى يجيء أصحابه، فأتى رجلٌ مِن الأنصار أعرابيًّا، فأَرخى زِمام ناقته لتَشرب، فأبى أن يَدَعه، فانتَزع حجرًا، ففاض الماء، فرفَع الأعرابيُّ خشبةً، فضَرب بها رأس الأنصاريّ، فشَجّه، فأتى عبد الله بن أُبيّ رأس المنافقين، فأَخبَره، وكان من أصحابه، فغَضِب، وقال: لا تُنفِقوا على مَن عند رسول الله حتى يَنفَضُّوا من حوله. يعني: الأعراب، وكانوا يَحضُرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام، فقال عبدُ الله لأصحابه: إذا انفَضُّوا من عند محمد فائتُوا محمدًا بالطعام فليأكل هو ومَن عنده. ثم قال لأصحابه: إذا رَجعتم إلى المدينة فليُخرِج الأَعزُّ منها الأَذلَّ. قال زيد: وأنا رِدْف عمّي، فسمعتُ عبد الله، وكُنّا أخواله، فأَخبَرتْ عمّي، فانطلَق، فأَخبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَرسَل إليه رسول الله، فحَلف وجَحد، فصَدَّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، فجاء عمّي إليّ، فقال: ما أردتَ إلا أن مقَتَك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذَّبك، وكذَّبك المسلمون. فوقع عليّ مِن الهمّ ما لم يقع على أحد قطّ، فبينما أنا أسِير وقد
(1)
أخرجه البخاري 6/ 153 (4903)، ومسلم 4/ 2140 (2772).
(2)
النطع: بساط من الجلد. المعجم الوسيط (نطع).
خَفَقْتُ برأسي من الهمّ إذ آتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَرَك أُذُني، وضَحك في وجهي، فما كان يَسُرُّني أنّ لي بها الخُلْد أو الدنيا، ثمّ إنّ أبا بكر لَحِقني، فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنّه عَرَك أُذُني، وضَحك في وجهي. فقال: أبْشِر. ثمّ لَحِقني عمر، فقلتُ له مثل قولي لأبي بكر، فلمّا أصبَحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين:{إذا جاءَكَ المُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ} حتى بلغ: {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنها الأَذَلَّ}
(1)
[6623]. (14/ 492)
76976 -
عن زيد بن أرْقَم، قال: كنتُ جالسًا مع عبد الله بن أُبيّ، فمَرّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ناس مِن أصحابه، فقال عبد الله بن أُبيّ: لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. فأَتيتُ سعد بن عُبادة، فأَخبَرتُه، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكَر ذلك له، فأرسَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبيّ، فحَلف له عبد الله بن أُبيّ بالله ما تَكلّم بهذا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عُبادة، فقال سعد: يا رسول الله، إنما أخبَرنيه الغلام زيد بن أرْقَم. فجاء سعد، فأخذ بيدي، فانطلَق بي، فقال: هذا حدَّثني. فانتَهرني عبد الله بن أُبيّ، فانتهيتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبَكيتُ، وقلتُ: إي، والذي أنزل النور عليك، لقد قاله. وانصرف عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله: {إذا
[6623] علَّق ابن كثير (14/ 12 - 13) على هذا الحديث بقوله: «انفرد بإخراجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهكذا رواه الحافظ البيهقي، عن الحاكم، عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي، عن سعيد بن مسعود، عن عبيد الله بن موسى، به وزاد بعد قوله: سورة المنافقين {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول} حتى بلغ: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} حتى بلغ: {ليخرجن الأعز منها الأذل}» . ثم ذكر أن قد روى عبد الله بن لَهيعة، عن أبي الأسود، عروة بن الزبير في المغازي -وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه أيضًا هذه القصة بهذا السياق، ولكن جعلا الذي بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام عبد الله بن أُبيّ بن سَلول إنما هو أوس بن أرْقَم، من بني الحارث بن الخزرج. وعلَّق بقوله:«فلعلّه مبلّغ آخر، أو تصحيف من جهة السمع» .
_________
(1)
أخرجه الترمذي 5/ 505 - 507 (3600)، والحاكم 2/ 531 (3812)، والبيهقي في الدلائل 4/ 54. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن مردويه.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» . وقال الحاكم: «قد اتفق الشيخان على إخراج أحرف يسيرة من هذا الحديث من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن زيد بن أرْقَم، وأخرج البخاري متابعًا لأبي إسحاق من حديث شعبة، عن الحكم، عن محمد بن كعب القُرَظيّ، عن زيد بن أرْقَم، ولم يُخرجاه بطوله، والإسناد صحيح» . وقال الذهبي في التلخيص: «صحيح، وأخرجا منه» .
جاءَكَ المُنافِقُونَ} إلى آخر السورة
(1)
. (14/ 495)
76977 -
عن أبي إسحاق [السّبيعي]، أن زيد بن أرقم أخبره أنّ عبد الله بن أُبيّ بن سَلول قال: لا تُنفِقوا على مَن عند رسول الله حتى يَنفَضُّوا. وقال: لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. قال: فحَدَّثني زيد أنه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول عبد الله بن أُبيّ، قال: فجاء، فحَلف عبد الله بن أُبيّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ذلك. قال أبو إسحاق: فقال لي زيد: فجَلستُ في بيتي، حتى أنزل الله تصديق زيد، وتكذيب عبد الله في:{إذا جاءَكَ المُنافِقُونَ}
(2)
. (ز)
76978 -
عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعن عبد الله بن أبي بكر، وعن محمد بن يحيى بن حبّان، قال: كلٌّ قد حدَّثني بعض حديث بني المُصْطَلِق، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ بني المُصْطَلِق يَجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضِرار أبو جُوَيْرِيَة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلمّا سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج إليهم حتى لَقِيَهم على ماء مِن مياههم يُقال له: المُرَيْسِيع، من ناحية قُدَيْد إلى الساحل، فتزاحف الناس، فاقتتلوا، فهَزم الله بني المُصْطَلِق، وقتل مَن قتل منهم، ونفَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فأفاءَهم الله عليه، وقد أُصِيب رجل من بني كلب بن عَوْف بن عامر بن ليث بن بكر، يقال له: هشام بن صُبابة، أصابه رجل من الأنصار من رَهْط عُبادة بن الصّامت، وهو يرى أنه من العدوّ، فقتله خطأً، فبَينا الناس على ذلك الماء ورَدتْ واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجيرٌ له من بني غِفار يُقال له: جَهْجاه بن سعيد، يقود له فرسه، فازدَحم جَهْجاه وسِنان الجُهَنيّ حليف بني عَوْف بن الخَزْرَج على الماء، فاقتتلا، فصَرخ الجُهَنيّ: يا معشر الأنصار. وصرخ جَهْجاه: يا معشر المهاجرين. فغضب عبد الله بن أُبيّ بن سَلول، وعنده رَهْطٌ من قومه فيهم زيد بن أرْقَم، غلام حديث السِّن، فقال: قد فعلوها؟! قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، واللهِ، ما أعدُّنا وجَلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سَمِّن كلبك يَأكلْك، أما -واللهِ- لئن رَجَعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأَعزّ منها الأَذلّ. ثم أقبل على مَن حضر مِن قومه، فقال: هذا ما فعَلتُم بأنفسكم؛
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير 5/ 196 (5073).
قال الهيثمي في المجمع 7/ 125 (11420): «رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيف» .
(2)
أخرجه ابن جرير 22/ 663 - 664.
أحللتُموهم بلادكم، وقاسمتُموهم أموالكم، أما -واللهِ- لو أمسكتُم عنهم ما بأيديكم لتَحوّلوا إلى غير بلادكم. فسمع ذلك زيد بن أرْقَم، فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن غَزوه، فأَخبَره الخبر وعنده عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، مُر به عبّاد بن بِشر بن وقْش، فَليَقتُله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فكيف -يا عمر- إذا تحدّث الناس أنّ محمدًا يقتل أصحابه، لا، ولكن أذِّن بالرحيل» . وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرتَحل فيها، فارتَحل الناس، وقد مشى عبد الله بن أُبيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بَلغه أنّ زيد بن أرْقَم قد بَلغه ما سمع منه، فحَلف بالله: ما قلتُ ما قال، ولا تَكلّمتُ به. وكان عبد الله بن أُبيّ في قومه شريفًا عظيمًا، فقال مَن حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أصحابه مِن الأنصار: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام أوْهَم في حديثه، ولم يَحفظ ما قال الرجل. حَدَبًا على عبد الله بن أُبيّ، ودَفعًا عنه، فلما استقلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار، لَقِيه أُسيْد بن حُضَيْر، فحَيّاه بتحيّة النّبوة وسَلّم عليه، ثم قال: يا رسول الله، لقد رُحتَ في ساعة مُنكَرة ما كنتَ تَروح فيها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أوَما بلَغك ما قال صاحبكم؟» . قال: فأيُّ صاحب، يا رسول الله؟ قال:«عبد الله بن أُبيّ» . قال: وما قال؟ قال: «زعم أنه إن رَجع إلى المدينة أخرَج الأَعزُّ منها الأَذلَّ» . قال أُسيْد: فأنت -واللهِ- يا رسول الله تُخرجه إن شئتَ، هو -واللهِ- الذليلُ وأنتَ العزيز. ثم قال: يا رسول الله، ارْفُق به، فواللهِ، لقد جاء اللهُ بك، وإنّ قومه ليَنظِمون له الخَرَز ليُتَوّجوه، فإنه ليَرى أنّك قد استَلبتَه مُلكًا. ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدْر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يكن إلا أن وجدوا مسّ الأرض وقعوا نِيامًا، وإنما فعل ذلك ليَشغَل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس مِن حديث عبد الله بن أُبيّ، ثم راح بالناس وسَلك الحِجاز حتى نزل على ماء بالحِجاز فُوَيْق النَّقيع، يقال له: نقعاء، فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبّتْ على الناس ريح شديدة آذتهم، وتَخوَّفوها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تخافوا، فإنما هبّتْ لموت عظيم من عظماء الكفار» . فلمّا قدِموا المدينةَ وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قَيْنُقاع -وكان من عظماء يهود، وكهفًا للمنافقين- قد مات ذلك اليوم، فنَزَلَت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في عبد الله بن أُبيّ بن سَلول، ومَن كان معه على مثل أمْره، فقال:{إذا جاءَكَ المُنافِقُونَ} فلما نَزَلَتْ هذه السورة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُذُن زيد، فقال: هذا الذي أوفى الله بأُذُنه. وبلغ عبد الله بن عبد الله بن