الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاثمائة، مَن كان مع إبراهيم، فاستنقذ مِن أهل فلسطين مَن كان معهم من أهل لوط وماله، حتى ردَّهم إلى قرارهم، ثم انصرف إبراهيم إلى مكانه. وكان أهل سدوم الذين فيهم لوط قومٌ قد اسْتَغْنَوْا عن النِّساء بالرجال، فلمّا رأى الله ما كان عند ذلك بعث الملائكةُ ليعذبوهم، فأتوا إبراهيم، فلمّا رآهم راعَه هيئتُهم وجمالهم، فسلَّموا عليه، وجلسوا إليه، فقام لِيُقَرِّب إليهم قِرًى، فقالوا: مكانك. قال: بل دعوني آتيكم بما ينبغي لكم، فإنّ لكم حقًّا، لم يأتِنا أحدٌ أحقُّ بالكرامة منكم. فأمر بعجلٍ سمين، فحُنِذ له -يعني: شُوي لهم-، فقرَّب إليهم الطعام،
{فلمّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة}
، وسارة وراء الباب تسمع، قالوا: لا تخفْ، إنّا نُبَشِّرُك بغلام عليم مبارك. فبَشَّر به امرأتَه سارة، فضحكت وعَجِبَت: كيف يكون له مِنِّي ولدٌ وأنا عجوزٌ وهو شيخ كبير؟! قالوا: أتعجبين مِن أمر الله! فإنّه قادِرٌ على ما يشاء، وقد وهبه الله لكم، فأبشِروا به. فقاموا وقام معهم إبراهيم، فمشَوا معًا وسألهم، قال: أخبِرُوني لِمَ بُعِثْتُم؟ وما خطبكم؟ قالوا: إنّا أُرسِلنا إلى أهل سدوم لِنُدَمِّرها؛ فإنّهم قومُ سوء، وقد اسْتَغْنَوْا بالرجال عن النساء. قال إبراهيم: إنّ فيها قومًا صالحين، فكيف يصيبهم مِن العذاب ما يصيب أهل عمل السوء؟ قالوا: وكم فيها؟ قال: أرأيتم إن كان فيها خمسون رجلًا صالحًا؟ قالوا: إذن لا نعذبهم. قال: إن كان فيهم أربعون؟ قالوا: إذن لا نعذبهم. فلم يزل ينقص حتى بلغ إلى عشرة، ثم قال: فأهل بيت؟ قالوا: فإن كان فيها بيت صالح. قال: فلوط وأهل بيته؟ قالوا: إنّ امرأته هواها معهم، فكيف يُصرف عن أهل قرية لم يَتِمَّ فيها أهلُ بيت صالحين؟ فلمّا يئِس منهم إبراهيم انصرف
…
(1)
. (8/ 93)
{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}
35879 -
عن جندب بن سفيان -من طريق الأسود- قال: لَمّا دخل ضيفُ إبراهيم عليه السلام قَرَّب إليهم العِجْل، فجعلوا يَنكُتون
(2)
بقِداحٍ في أيديهم مِن نَبْلٍ، ولا تصل أيديهم إليه، نكرهم عند ذلك
(3)
. (ز)
(1)
أخرجه ابن جرير في تاريخه 1/ 304. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.
(2)
أصله من النَّكْتِ بالحصى، ونَكْت الأرض بالقضيب. النهاية (نكت).
(3)
أخرجه ابن جرير 12/ 471، وابن أبي حاتم 6/ 2054.
35880 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق الضحاك- قال: لَمّا رأى إبراهيمُ أنّه لا تصل إلى العِجْل أيديهم نكِرَهم، فخافهم، وإنّما كان خوفُ إبراهيم أنّهم كانوا في ذلك الزمان إذا همَّ أحدهم بامرئٍ سوءًا لم يأكل عنده، يقول: إذا تحرَّمتُ بطعامه حَرُم عَلَيَّ أذاه. فخاف إبراهيمُ أن يريدوا به سوءًا، فاضطربت مفاصِلُه، وامرأتُه سارةُ قائِمَةٌ تخدمهم، وكان إذا أراد أن يُكرِم أضيافه أقام سارة لتخدمهم، فضحِكت سارة، وإنّما ضحكت أنّها قالت: يا إبراهيم، وما تخاف؟ إنما هم ثلاثة نفر وأنت وأهلُك وغلمانُك. قال لها جبريل: أيَّتُها الضاحكة، أما إنّك سَتَلِدين غلامًا يُقال له: إسحاق، ومِن ورائه غلامٌ يُقال له: يعقوب. فأقبلت في صَرَّةٍ فصَكَّت وجهها، فأقبلت والِهَةً تقول: يا ويلتاه. ووضعت يدها على وجهها استحياءً، فذلك قوله:{فصكت وجهها} [الذاريات: 29]. وقالت: {ءألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخًا}
(1)
. (8/ 92)
35881 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: {نكرهم} الآية، قال: كانوا إذا نزل بهم ضيفٌ فلم يأكل مِن طعامهم ظنُّوا أنّه لم يأت بخير، وأنّه يُحَدِّث نفسَه بِشَرٍّ، ثُمَّ حدَّثوه عند ذلك بما جاءوا فيه، فضحِكت امرأتُه
(2)
. (8/ 97)
35882 -
عن عمرو بن دينار، قال: لَمّا تضيَّفت الملائكةُ إبراهيمَ قَدَّم لهم العِجْل، فقالوا: لا نأكلُه إلا بثَمَن. قال: فكُلوا، وأدُّوا ثمنه. قالوا: وما ثمنه؟ قال: تسمُّون اللهَ إذا أكلتم، وتحمدونه إذا فرغتم. قال: فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: لهذا اتَّخذك اللهُ خليلًا
(3)
.
(8/ 97)
35883 -
عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قال: لَمّا بعث اللهُ الملائكةَ لِتُهلِك قومَ لوط أقبلتْ تمشي في صورة رجال شباب، حتى نزلوا على إبراهيم، فتضيَّفوه، فلمّا رآهم أجلَّهم، فراغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين، فذبحه، ثم شواه في الرَّضْفِ، فهو الحنيذ حين شُوِي، وأتاهم، فقعد معهم، وقامت سارةُ تخدمهم، فذلك حين يقول:(وامْرَأَتُه قَآئِمَةٌ وهُوَ جالِسٌ) في قراءة ابن مسعود. فلمّا قرَّبه إليهم قال: ألا تأكلون؟ قالوا: يا إبراهيم، إنّا لا نأكل طعامًا إلا بثَمَن. قال: فإنّ لِهذا ثَمَنًا. قالوا: وما ثَمَنُه؟ قال: تذكرون اسمَ الله على أوَّلِه، وتحمدونه على آخره.
(1)
أخرجه ابن عساكر 50/ 310، 315. وعزاه السيوطي إلى إسحاق بن بشر.
(2)
أخرجه عبد الرزاق 1/ 305 - 306، وابن أبي حاتم 6/ 2054. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.
(3)
عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.