الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنك لم تُطلّقهنّ؟ قال: «نعم، إن شئت» . فلم أزل أُحدّثه حتى تحسّر الغضب عن وجهه، وحتى كَشَر
(1)
وضحك، وكان من أحسن الناس ثَغْرًا، فنَزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونَزَلتُ أتشبّثُ بالجذع، ونَزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده، فقلتُ: يا رسول الله، إنما كنتَ في الغرفة تسعًا وعشرين. قال:«إنّ الشهر يكون تسعًا وعشرين» . فقمتُ على باب المسجد، فناديتُ بأعلى صوتي: لم يُطلِّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءه. قال: ونزلت هذه الآية: {وإذا جاءَهُمْ أمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أوِ الخَوْفِ أذاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأَمْرِ مِنهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ} [النساء: 83]. فكنتُ أنا استَنبطتُ ذلك الأمر، وأنزل الله آية التخيير
(2)
. (14/ 584)
تفسير الآية:
77606 -
عن عبد الله بن عباس، قال: لم أزل حريصًا أنْ أسأل عمرَ عن المرأتين مِن أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللّتَيْن قال الله تعالى: {إنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} حتى حجّ عمرُ وحججتُ معه، فلما كان ببعض الطريق عَدل عمر وعدلتُ معه بالإداوةِ
(3)
، فتبرّز ثم أتى، فصببتُ على يديه، فتوضأ، فقلتُ: يا أمير المؤمنين، مَن المرأتان مِن أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللّتان قال الله:{إنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} ؟ فقال: واعجبًا لك، يا ابن عباس! هي عائشة وحفصة. ثم أنشأ يُحدّثني الحديث، فقال: كُنّا -معشر قريش- نَغلب النساء، فلما قَدِمنا المدينة وجدنا قومًا تَغلبهم نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يَتعلّمنَ من نسائهم، فغضبتُ على امرأتي يومًا فإذا هي تُراجعني، فأنكرتُ أن تُراجعني، فقالتْ: ما تنكر مِن ذلك؟! فواللهِ، إنّ أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجعنَه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل. قلتُ: قد خابتْ مَن فعلتْ ذلك منهن وخسِرَتْ. قال: وكان منزلي بالعَوالي
(4)
، وكان لي جارٌ من الأنصار كُنّا نتناوب النُّزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيَنزل يومًا، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وأَنزل يومًا فآتيه بمثل ذلك، قال: وكُنّا نُحَدِّث أنّ غَسّان تُنعِلُ الخيل
(5)
لِتَغزُوَنا، فجاءني يومًا عشاء، فضَرب عليّ
(1)
الكشر: ظهور الأسنان للضحك. النهاية (كشر).
(2)
أخرجه مسلم 2/ 1105 - 1107 (1479). وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن مردويه.
(3)
الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء. النهاية (أدو).
(4)
العوالي: بينها وبين المدينة أربعة أميال. معجم البلدان 3/ 743.
(5)
تنعل الخيل: تجعل لها حديدًا في حافرها يقيها الحجارة. لسان العرب (نعل). وهي كناية عن الاستعداد لقتال أهل المدينة.
الباب، فخرجتُ إليه، فقال: حدث أمرٌ عظيم. فقلتُ: أجاءتْ غَسّان؟ قال: أعظم من ذلك، طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. قلتُ في نفسي: قد خابتْ حفصة وخسِرتْ، قد كنتُ أظن هذا كائنًا. فلمّا صَلّينا الصبح شددتُ عليّ ثيابي، ثم انطلقتُ حتى دخَلتُ على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلتُ: أطلَّقكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، هو ذا معتزلٌ في المَشْرُبَة. فانطلَقتُ، فأتيتُ غلامًا أسود، فقلتُ: استأذِن لعمر. فدخل ثم خرج إليّ، فقال: قد ذكرتُك له، فلم يقل شيئًا. فانطلَقتُ إلى المسجد، فإذا حول المنبر نفرٌ يَبكون، فجَلستُ إليهم، ثم غَلبني ما أجد، فأتيتُ الغلام، فقلتُ: استأذِن لعمر. فدخل، ثم خرج إلَيّ، فقال: قد ذكرتُك له، فلم يقل شيئًا. فوليتُ مُنطلقًا، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل، فقد أذِن لك. فدخلتُ فإذا النبيّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكئ على حصير قد رأيتُ أثره في جَنبه، فقلتُ: يا رسول الله، أطلَّقتَ نساءك؟ قال:«لا» . قلتُ: الله أكبر، لو رأيتَنا -يا رسول الله- وكُنّا -معشر قريش- نَغلب النساء، فلما قَدِمنا المدينة وجدنا قومًا تَغلبهم نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يَتعلّمنَ من نسائهم، فغضبتُ يومًا على امرأتي، فإذا هي تُراجعني، فأنكرتُ ذلك، فقالتْ: ما تنكر؟! فواللهِ، إنّ أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليُراجعنَه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل. فقلتُ لحفصة: أتُراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل. فقلتُ: قد خابتْ مَن فعل ذلك منكنّ وخَسِرتْ، أتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي قد هَلكتْ؟! فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلتُ لحفصة: لا تُراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه شيئًا، وسَليني ما بدا لكِ، ولا يَغُرّنَّك أن كانت صاحبتكِ أوسمَ منكِ، وأحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتبسّم أخرى، فقلتُ: يا رسول الله، أستَأنِسُ
(1)
. قال: «نعم» . فرفعتُ رأسي، فما رأيتُ في البيت إلا أُهُبةً
(2)
ثلاثة، فقلتُ: يا رسول الله، ادعُ الله أن يُوسِّع على أُمّتك؛ فقد وسّع على فارس والرُّوم، وهم لا يعبدونه. فاستوى جالسًا، وقال:«أوَفي شكٍّ أنتَ، يا ابن الخطاب؟! أولئك قوم قد عُجِّلتْ لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا» . وكان قد أقسم أن لا يَدخل على نسائه شهرًا، فعاتبه الله في ذلك، وجعل له كفّارة
(1)
أستأنس بحذف همزة الاستفهام، أي: انبسط في الحديث. تحفة الأحوذي 4/ 304، وفتح الباري 9/ 287 - 288.
(2)
الأهب -بضم الهمزة والهاء وبفتحها- جمع إهاب، قال النووي: وهو الجلد قبل الدباغ على قول الأكثرين. وقيل: الجلد مطلقًا. اللسان (أهب)، ومسلم بشرح النووي 10/ 87.
اليمين
(1)
. (14/ 580)
77607 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية- في قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} ، قال: زاغتْ وأَثِمتْ
(2)
. (14/ 580)
77608 -
عن عبد الله بن عباس، {صَغَتْ} ، قال: مالتْ
(3)
. (14/ 580)
77609 -
عن محمد بن جُبَير بن مُطْعِم -من طريق أبي الحُويرث- قال: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} ، يعني: حفصة وعائشة
(4)
. (ز)
77610 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق زُبَيد- قال: كُنّا نرى أنّ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} شيء هيّن، حتى سمعناه في قراءة عبد الله:(إن تَتُوبَآ إلى اللهِ فَقَدْ زاغْتْ قُلُوبُكُما)
(5)
. (14/ 580)
77611 -
عن الضَّحّاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد- في قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} ، يقول: زاغتْ
(6)
. (ز)
77612 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: {صَغَتْ} ، قال: مالتْ
(7)
. (14/ 580)
77613 -
عن عطاء الخُراسانيّ -من طريق يونس بن يزيد- في قول الله عز وجل: {صغت قلوبكما} ، قال: مالتْ قلوبُكما
(8)
. (ز)
77614 -
عن زيد بن أسلم -من طريق مالك- في قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} ، قال: مالتْ
(9)
. (14/ 587)
(1)
أخرجه البخاري 3/ 133 - 135 (2468)، 6/ 156 - 158 (4913، 4914، 4915)، 7/ 28 - 30 (5191)، 7/ 152 (5843)، ومسلم 2/ 1108 - 1109، 1110، 1111 - 1112 (1479)، والترمذي 5/ 510 - 514 (3606) واللفظ له، وابن جرير 23/ 94 - 96، والثعلبي 9/ 346. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه.
(2)
أخرجه ابن جرير 23/ 93 بنحوه. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
(3)
عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.
(4)
أخرجه ابن سعد في الطبقات 10/ 178.
(5)
تفسير مجاهد ص 665، وأخرجه ابن جرير 23/ 93. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(6)
أخرجه ابن جرير 23/ 94.
(7)
أخرجه ابن جرير 23/ 94، وعبد الرزاق 2/ 302 من طريق معمر. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
(8)
أخرجه أبو جعفر الرملي في جزئه (تفسير عطاء) ص 119.
(9)
عزاه السيوطي إلى ابن عساكر.