الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كوفي
(1)
[6863]. (ز)
تفسير السورة
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ
(2)}
نزول الآيات
79590 -
عن يحيى بن أبي كَثِير، قال: سألتُ أبا سَلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نَزَل من القرآن. فقال: {يا أيُّها المُدَّثِّر} . قلتُ: يقولون: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . فقال أبو سَلمة: سألتُ جابر بن عبد الله عن ذلك، قلتُ له مثل ما قلتَ، قال جابر: لا أُحدِّثك إلا ما حَدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «جاورتُ بحِراء، فلمّا قَضيتُ جواري هبَطتُ، فنُوديتُ، فنَظرتُ عن يميني، فلم أرَ شيئًا، ونظرتُ عن شمالي، فلم أرَ شيئًا، ونظرتُ خلفي، فلم أرَ شيئًا، فرفعتُ رأسي فإذا المَلَك الذي جاءني بحِراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجُئِثْتُ
(2)
منه رُعبًا، فرجعتُ فقلتُ: دَثِّروني، فدَثَّروني»، فنزلت:{يا أيُّها المُدَّثِّر قُمْ فَأَنْذِرْ} إلى قوله: {والرُّجْزَ فاهْجُرْ}
(3)
[6864]. (15/ 61)
[6863] قال ابن عطية (8/ 450): «وهي مكّيّة بإجماع من أهل التأويل» .
[6864]
رجّح ابنُ كثير (14/ 176) بهذا الأثر أنّ الآيات الأولى من سورة اقرأ هي أول آيات القرآن نزولًا، حيث قال معلقًا على هذا الأثر:«هذا السياق هو المحفوظ، وهو يقتضي أنه قد نَزل الوحي قبل هذا؛ لقوله: «فإذا المَلَك الذي جاءني بحِراء» . وهو جبريل حين أتاه بقوله: {اقرأ باسم ربك الذي خلق
…
}، ثم إنه حَصل بعد هذا فترة، ثم نزل الملك بعد هذا». ثم وجّه ما جاء في بعض الروايات عن جابر وتفيد أنّ آيات المُدَّثِّر هي أول آيات القرآن نزولًا بقوله:«ووجه الجمع: أنّ أول شيء نَزل بعد فترة الوحي هذه السورة» .
وبنحوه قال ابنُ تيمية (6/ 419).
_________
(1)
تفسير مقاتل بن سليمان 4/ 487.
(2)
أي: ذُعرتُ وخِفتُ. يُقال: جُئِث الرجل: إذا فزع. النهاية (جأث).
(3)
أخرجه البخاري 6/ 161 - 162 (4922 - 4924)، ومسلم 1/ 144 (161)، وابن جرير 23/ 400 - 403، وابن مردويه -كما في التغليق 4/ 354 - ، والثعلبي 10/ 67 - 68.
79591 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن أبي مُلَيْكَة-: أنّ الوليد بن المُغيرة صَنع لقريش طعامًا، فلمّا أكلوا قال: ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم: ساحر. وقال بعضهم: ليس بساحر. وقال بعضهم: كاهن. وقال بعضهم: ليس بكاهن. وقال بعضهم: شاعر. وقال بعضهم: ليس بشاعر. وقال بعضهم: سحرٌ يُؤثر. فاجتمع رأيهم على أنه سحرٌ يُؤثر، فبَلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فحَزن، وقنَّع رأسه، وتَدثّر؛ فأنزل الله:{يا أيُّها المُدَّثِّر} إلى قوله: {ولِرَبِّكَ فاصْبِرْ}
(1)
. (15/ 62)
79592 -
عن إبراهيم النَّخَعي -من طريق المُغيرة- {يا أيُّها المُدَّثِّر} ، قال: كان مُتَدَثِّرًا في قَطيفة، وذُكر أنّ هذه الآية أول شيء نَزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قيل له:{يا أيُّها المُدَّثِّر}
(2)
. (ز)
79593 -
عن محمد ابن شهاب الزُّهريّ -من طريق معمر- قال: فَتَر الوحيُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَتْرةً، فحَزِن حُزنًا، فجعل يعدو إلى شواهق رؤوس الجبال ليَتَردّى منها، فكلّما أوفى بذُروة جبل تبَدّى له جبريل عليه السلام، فيقول: إنّك نبي الله. فيَسكن لذلك جأْشه، وتَرجع إليه نفسه؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحدِّث عن ذلك، قال: «فبينما أنا أمشي يومًا إذ رأيتُ المَلَك الذي كان يأتيني بحِراء على كرسي بين السماء والأرض، فجُثِثْتُ
(3)
منه رُعبًا، فرَجعتُ إلى خديجة، فقلتُ: زَمِّلُوني». فزَمَّلناه، أي: فدَثَّرناه؛ فأنزل الله: {يا أيُّها المُدَّثِّر قُمْ فَأَنْذِرْ ورَبَّكَ فَكَبِّرْ وثِيابَكَ فَطَهِّرْ} . قال الزُّهريّ: فكان أول شيء أُنزل عليه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتى بلغ: {ما لَمْ يَعْلَمْ}
(4)
[6865]. (ز)
79594 -
عن محمد ابن شهاب الزُّهريّ أنه قال:
…
ويزعم ناسٌ أنّ {يا أيها المُدَّثِّر} أول سورة أُنزِلَتْ عليه، والله أعلم
(5)
. (ز)
[6865] لم يذكر ابن جرير (23/ 400 - 403) غير قول الزُّهريّ، وإبراهيم النَّخَعي.
_________
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير 11/ 125 (11250).
قال الهيثمي في المجمع 7/ 131 (11448): «وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك» . وقال السيوطي: «سند ضعيف» .
(2)
أخرجه ابن جرير 23/ 400.
(3)
أي: فزعت منه وخفت. وقيل معناه: قلعت من مكاني، من قوله تعالى:{اجتثت من فوق الأرض} [إبراهيم: 26]، وقال الحربي: أراد جُئِثت، فجعل مكان الهمزة ثاء. النهاية (جثث).
(4)
أخرجه عبد الرزاق 2/ 327، وابن جرير 23/ 403.
(5)
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 142.
79595 -
قال مقاتل بن سليمان: {يا أيُّها المُدَّثِّر} ، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنّ كفار مكة آذَوه، فانطَلق إلى جبل حِراء ليتوارى عنهم، فبينما هو يمشي إذ سمع مناديًا يقول: يا محمد. فنظر يمينًا وشمالًا وإلى السماء، فلم يرَ شيئًا، فمَضى على وجهه، فنُودي الثانية: يا محمد. فنظر يمينًا وشمالًا ومن خلفه، فلم يرَ شيئًا إلا السماء، ففَزع، وقال: لعلّ هذا شيطان يدعوني. فمَضى على وجهه، فنودي في قفاه: يا محمد، يا محمد. فنظر خلفه وعن يمينه وعن شماله، ثم نظر إلى السماء، فرأى مثل السرير بين السماء والأرض، وعليه دَرْبوكة
(1)
قد غَطَّت الأُفُق، وعليه جبريل عليه السلام مثل النور المتوقِّد يتلألأ، حتى كاد أن يَغشى البصر، ففَزع فزعًا شديدًا، ثم وقَع مغشيًّا عليه، ولبث ساعة، ثم أفاق، فقام يمشي -وبه رِعْدة شديدة، ورِجلاه تَصطكّان- راجعًا حتى دخل على خديجة، فدعا بماء، فصَبّه عليه، فقال: دثِّروني. فدَثَّروه بقَطيفة حتى استدفأ، فلمّا أفاق قال: لقد أشفقتُ على نفسي. قالت له خديجة: أبشِر، فواللهِ، لا يسوءُك الله أبدًا؛ لأنك تَصدق الحديث، وتَصِل الرَّحِم، وتَحمل الكَلّ، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الخير. فأتاه جبريل عليه السلام وهو مُتَقنِّع بالقَطيفة، فقال: يا أيها المُتَدَثِّر بقَطيفته، المُتَقَنِّع فيها
(2)
. (ز)
79596 -
قال يحيى بن سلّام: قال جابر بن عبد الله: {يا أيُّها المُدَّثِّر} هذه أول آية نزلت على النبي، والعامّة على أنّ أول ما نَزل:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
(3)
[6866]. (ز)
79597 -
قال ابن هشام: حَدَّثني بعض أهل العلم: أنّ أشدّ ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم
[6866] في أول آيات القرآن نزولًا قولان، كما في قول يحيى بن سلام.
وقد رجح ابنُ عطية (8/ 451) -مستندًا إلى السنة- أن الآيات الأولى من سورة اقرأ هي أول القرآن نزولًا، فقال:«واختلف الناس في أول ما نزل من كتاب الله تعالى؛ فقال جابر بن عبد الله، وأبو سلمة، والنَّخَعي، ومجاهد هو: {يا أيُّها المُدَّثِّر} الآيات. وقال الزُّهريّ، والجمهور هو: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، وهذا هو الأصح، وحديث صدر كتاب البخاري نص في ذلك» .
_________
(1)
دَرْبوكة: في كتاب «تكملة المعاجم العربية» لرينهارت بيتر 4/ 314: دَرْبوكة: محفَّة، مَحْمَل
…
دربوكة بالكاف الفارسية، وهي شبه قفص من الخشب تنقل فيه العروس الشابة يوم الزفاف من بيت أهلها إلى بيت الزوجية.
(2)
تفسير مقاتل بن سليمان 4/ 489 - 490.
(3)
ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين 5/ 54 - .