الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: قد عرفت من الحديث الذي قبله أن الحارث مستقيم الحديث - كما
قال ابن حبان -، وساثر الرواة ثقات؛ فالأولى تعصيب الجناية والنكارة فيه بشريك
- وهو: ابن عبد الله القاضي -؛ فإنه معروف بسوء الحفظ، وقد ساق له ابن عدي
أحاديث كثيرة في نحو ست عشرة صفحة، هذا أحدها، وقال:
"وفي بعض ما أمليت من حديثه بعض الإنكار؛ والغالب على حديثه الصحة
والاستواء، والذي يقع فِي حَدِيثِه من النكرة؛ إنما أتي فيه من سوء حفظه ".
ثم وجدت ما يدل على أن شريكاً وهم في رفعه؛ فقد قال ابن المبارك في
"الزهد"(198/563) : أخبرنا شريك به موقوفاً، ولم يذكر الأعمش في إسناده.
فهذا هو أصل الحديث موقوف، اضطرب فيه شريك؛ فتارة رفعه وأخرى أوقفه.
والله أعلم.
6130
- (ليس في القيامة راكب غيرنا، ونحن أربعة، أما أنا؛
فعلى دابة الله الُبراق، وأما أخي صالح فعلى ناقة الله التي عُقِرت، وعمِّي
حمزة أسد الله وأسد رسوله، على ناقتي العضباء، وأخي وابنُ عمي
وصهري علي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة مدبجة الظهر،
رحلها من زمرد أخضر، مضبب بالذهب الأحمر، رأسها من الكافور
الأبيض وذنبها من العنبر الأشهب، وقوائهما من المسك الأذفر،
وعنقها من لؤلؤ، وعليها قبة من نور الله، باطنها عَفْوُ الله
…
إلخ،
فينادي مناد من لدنان العرش، أو قال: من بُطْنانِ العرش: ليس هذا
ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا حامل عرش رب العالمين؛ هذا عليُّ
ابنُ أبي طالب أمير المؤمنين (
…
الحديث) ولو أن عابداً عبد الله بين
الرُّكن والمقام ألف عام، وألف عام، حتى يكون كالشَّنِّ البالي لَقِيَ اللهَ
مبغضاً لآل محمدٍ أكبَّهُ الله على مَنْخِره في نار جهنمَ) .
باطل ظاهر البطلان، قاتل الله واضعه، ما أجرأه على الله! أخرجه الخطيب
في "التاريخ "(13/22 - 123) من طريق المفضل بن سلم عن الأعمش عن
عباية الأسدي عن الأصبغ بن نُباتة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
…
مرفوعاً. وقال:
"لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، ورجاله فيهم غير واحد مجهول، وآخرون
معروفون بغير الثقة ".
أورده في ترجمة المفضل بن سلم هذا؛ واصفاً إياه بأنه في عداد المجهولين.
وهذا من فوائد هذا "التاريخ " الجليل؛ فإن كتب الرجال المعروفة اليوم لا توجد هذه
الترجمة فيها.
ومن الواضح جداً أن واضع هذا الحديث هو من غلاة الشيعة أو الرافضة، وقد
أشار إلى ذلك الخطيب في آخر كلامه؛ فإن الأصبغ بن نباتة: قال الحافظ:
" متروك؛ رمي بالرفض ".
والراوي عنه عباية الأسدي، أورده العقيلي في "الضعفاء"(3/415) ، ووصفه
بأنه غال ملحد.
فهو - أو: شيخه - المتهم بوضعه.
ويبدو لي أن أحد المتأخرين سرقه وركب عليه إسناداً آخر؛ فذكره الخطيب أيضاً
في "التاريخ "(11/112) من طريق عبد الجبار بن أحمد بن عبيد الله السمسار:
حدثنا علي بن المثنى الطُّهوي: حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عبد الله بن لهيعة:
حدثنا جعفر بن ربيعة عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
…
مرفوعاً؛ نحوه بطوله. وقال:
"لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، وابن لهيعة ذاهب الحديث "!
كذا قال! وتعصيب الجناية بابن لهيعة أبعد ما يكون عن العدل والصواب،
فإنه عالم فاضل، وما رمي به من سوء الحفظ لا يتحمل مثل هذا الزور والكذب،
وإنما الآفة من السمسار هذا، ولا أدري كيف شرد الخطيب عنه، وهو لم يذكر في
ترجمته ما يدل على حاله إلا أن ساق له هذا الحديث، فكان ينبغي أن يقول فيه
ما قاله في المفضل بن سلم:
"في عداد المجهولين ".
بل وأن يعصب الجناية في هذا الحديث به، أو بشيخه الطهوي؛ لأن ابن عدي
قد أشار إلى ضعفه كما في "التهذيب "، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع من
الثقات، فالأول أولى به، وهو ما فعل الذهبي، فإنه قال في ترجمته السمسار! ذا:
"روى عن علي بن المثنى الطهوي، فأتى بخبر موضوع في فضائل علي ".
فأشار إلى هذا الحديث، وأن المتهم به هذا السمسار، وتبعه الحافظ في
لا اللسان! ، فساق طرفاً من الحديث برواية الخطيب، وذكر ما تقدم عنه من إعلاله
بابن لهيعة، ثم رده بقوله:
"قلت: ابن لهيعة مع ضعفه لبريء من عهدة هذا الخبر.، ولو حلفت؛ لحلفت
بين الركن والمقام إنه لم يروه قط ".
ولقد صدق رحمه الله.
ومن الغريب أن ابن الجوزي لما أورد الحديث في "الموضوعات " (1/393 -
395) من طريق الخطيب بإسناديه؛ وافقه على إعلاله الثاني بابن لهيعة! وتعقبه
السيوطي بما تقدم عن الذهبي والعسقلاني؛ فأحسن.