الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"قال ابن عساكر: هذا حديث منكر، وفي إسناده غير واحد من المجهولين".
قلت: وتعقبه ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/390) بقوله:
"قلت: هذا لا يقتضي أن يكون موضوعاً ".
قلت: وهذا تعقب هزيل، لأنه نظر إلى السند فقط دون المتن، وهذه هي نظرة
من لم يتمكن في هذا العلم، وإذا لم يكن هذا الحديث موضوعاً مع كثرة البلايا
التي فيه، فليس في الدنيا حديث موضوع مع ضعف إسناده، وهذا خلاف ما
عليه علماء الحديث أصولاً وتفريعاً، وها هو المثال بين يديك، فقد حكم أمير
المؤمنين في زمانه حقاً وفيما بعد الحافظُ العسقلاني على الحديث بالوضع، مع
سلامة إسناده من كذاب أو وضَّاع معروف بالوضع، وتبعه على ذلك السيوطي - مع
تساهله، كما تقدم -، وما أكثر الأحاديث الموضوعة في كتاب ابن الجوزي
"الموضوعات"، والتي لم يخالف فيها، وهي سالمة من كذاب أو ضاع، ونحو ذلك
كثير من الأحاديث التي يحكم عليها العقيلي وابن عدي والذهبي ببطلانها متناً
لا إسناداً، وفي هذه "السلسلة" نماذج كثيرة، فليراجعها من شاء.
وقول ابن عراق المتقدم إنما يقال في متن ليس فيه مخالفة للشرع أو العقل
المنشرع، فاعلم ذلك، فإنه مهم جداً،والناس في هذا على طرفي نقيض. والله
ولي التوفيق.
6445
- (مَرْحَباً بِكُمْ، حَيَّاكُمُ اللَّهُ، جَمَعَكُمُ اللَّهُ، نَصَرَكُمُ اللَّهُ،
رَفْعَكُمُ اللَّهُ، نَفَعَكُمُ اللَّهُ، وَفَّقَكُمُ اللَّهُ، قَبِلَكُمُ [اللَّهُ] ، هَدَاكُمُ اللَّهُ، سَلَّمَكُمُ
اللَّهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوصِي اللَّهَ بِكُمْ (!) أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ
فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ
…
(إلى أن قال) :
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَتَى أَجَلُكَ؟ قَالَ: " قَدْ دَنَا الْأَجَلُ
…
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ يُغَسِّلُكَ؟ قَالَ: رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي؛ الْأَدْنَى
فَالْأَدْنَى،
…
وَأَقْرِئُوا أَنْفُسَكُمُ السَّلَامَ كَثِيراً، وَمَنْ كَانَ غَائِباً مِنْ
أَصْحَابِي، فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلَامَ كَثِيراً، أَلَا وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ
سَلَّمْتُ عَلَى كُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَابَعَنِي عَلَى
دِينِي مِنَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
…
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ - وَبَكَيْنَا -. فَقَالَ:
مَهْلاً غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ وَجَزَاكُمُ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْراً، إِذَا غَسَّلْتُمُونِي
وَكَفَّنْتُمُونِي فَضَعُونِي، عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً، فَإِنَّ
أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ خَلِيلِي وَحَبِيبِي جِبْرِيلُ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ
إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ فَصَلُّوا
عَلَيَّ وَسلِّمُوا تَسْلِيماً
…
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَنْ يَدْخُلُ قَبْرَكَ؟ قَالَ: رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي مَعَ
مَلَائِكَةٍ كَثِيرَةٍ، يَرُونَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) .
موضوع.
ليس عليه بهاء كلام النبوة والرسالة، بل إن يد الصنع والوضع
عليه ظاهرة. أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(4/168 - 169) ، والحاكم (3/60) ،
ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة"(7/231 - 232) من طريقين عن سَلَّام بْن
سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحَسَنِ الْعَرنيِّ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ
عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
اجْتَمَعْنَا فِي بَيْتِ أُمِّنَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَتَشَدَّدَ، فَنَعَى إِلَيْنَا نَفْسَهُ حِينَ دَنَا الْفِرَاقُ، فَقَالَ:
…
فذكره بطوله.
وقدحذفت بعض فقراته كما أشرت بذلك إلى ذلك، واكتفيت بذكر ما
يدل على نكارته ووضعه، والسياق لأبي نعيم وقال:
"حديث غريب من حديث مرة عن عبد الله، لم يروه متصل الإسناد إلا
عبد الملك بن عبد الرحمن - وهو: ابن الأصبهاني - ".
قلت: وعبد الملك هذا: أورده أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/130 - 131)
وقال:
"يروي عن خلاد الصفار، وعن أبيه حديث ابن مسعود في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم،
حدث عنه عمرو بن محمد العنقزي،وأبو نعيم، وعبد العزيز بن أبان ".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، والظاهر أنه مجهول الحال. وهوقول الحاكم
- كما يأتي -، خلافاً للذهبي وغيره، فقال الحاكم عقبه:
"عبد الملك بن عبد الرحمن الذي في هذا الإسناد مجهول، ولا نعرفه بعدالة
ولا جرح، والباقون ثقات"!
كذا قال! وتعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: بل كذبه الفلاس، قال: والباقون ثقات. قلت: وهذا شأن الموضوع،
يكون كل رواته ثقات سوى واحد، فلو استحيى الحاكم، لما أورد مثل هذا ".
قلت: ليس الأمر بهذا الإطلاق، فقد يكون في إسناد الموضوع، أكثر من راوٍ
غير ثقة - كما هو معروف عند أهل العلم -، ومن الطريف أن هذا الحديث من هذا
القبيل، فإن سلَّام بن سُليم - وهو: المدائني الطويل -: متروك - كما قال الذهبي
والعسقلاني وغيرهما -. وقد قال البيهقي عقبه:
"وتفرد به سلام الطويل".
لكن يعكر عليه قول أحمد بن منيع في "مسنده": سمعت سلمة بن صالح
يحث عن عبد الملك بن عبد الرحمن
…
به.
ذكره الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" المسندة (ق 514/1) وقال:
"في هذا تعقب على الترمذي (!) حيث قال: إن سلاماً الطويل تفرّد به ".
وأنا أظن أن قوله: "الترمذي"
…
سبق قلم منه أو خطأ من الناسخ، وأن
الصواب: "البيهقي"، كما تقدم، فإن الترمذي لم يخرج الحديث.
وقد سكت عنه الحافظ في "المطالب العالية" المجردة عن الأسانيد (4/261) ،
وليس بجيد منه! فإن سلمة بن صالح - وهو الأحمر - قد ترجم له في "اللسان"
ترجمة سيئة، من ذلك قول أبي داود:
"متروك الحديث ". وتبناه الذهبي في "المغني"، فلم يذكر غيره. وقول أبي حاتم:
"واهي الحديث، لا يكتب حديثه ".
ويؤكد عدم التفرد الذي ذكره البيهقي أن الطبراني أخرجه في "المعجم
الأوسط" (2/382 - مجمع البحرين)، أخرجه من طريق محمد بن عمرو العنقزي:
ثنا عبد الملك بن الأصبهاني عن خلاد الصفار عن الأشعث بنطليق
…
به.
وقال:
"لم يُجوِّد إسناده إلا عمر العنقزي. ورواه المحاربي عن عبد الملك الأصبهاني
عن مُرَّة عن عبد الله، فلم يذكر خلاداً، ولا الأشعث، ولا الحسن العرني ".
قلت: والمحاربي اسمه عبد الرحمن بن محمد، وروايته أخرجها البزار في
"مسنده"(1/398) فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي: ثنا عبد الرحمن
ابن محمد المحاربي عن ابن الأصبهاني: أنه أخبره عن مُرَّة
…
به. وقال:
وهذا روي عن مرة عن عبد الله من غير وجه، والأسانيد عن مرة متقاربة،
وعبد الرحمن لم يسمع هذا من مرة، إنما أُخبِرَهُ عن مرة ".
قلت: كذا فيه: (عبد الرحمن)
…
وليس هو عبد الرحمن المحاربي يقيناً، فإن
بينه وبين (مرة) : (ابن الأصبهاني)
…
فالظاهر أنه يعنيه، فإنه (عبد الرحمن بن
عبد الله بن الأصبهاني) . ثم رأيته منسوباً هكذا: (عبد الرحمن بن الأصبهاني)
في نقل الحافظ لكلام البزار هذا عقب كلام الذي سبق نقله من كتابه "المطالب
العالية"، فأظن أنه بيان وتفسير من الحافظ، وليس من جملة كلام البزار، أقول
هذا لمخالفته لقول الطبراني المتقدم:
"رواه المحاربي عن عبد الملك الأصبهاني ".
وهذا موافق للروايات السابقة المصرحة بأنه: (عبد الملك) ، ولتصريح أبي نعيم
بذلك في ترجمته - كما تقدم -.
وبالجملة،فقول البزار:(عبد الرحمن) ، وهم من أوهامه، أو خطأ من الناسخ،
والله أعلم.
ثم إن عبد الرحمن المحاربي - مع كونه ثقة من رجال الشيخين، فإنه - موصوف
بالتدليس، وكلام الطبراني المشار إليه آنفاً من الأدلة على ذلك حيث أسقط الرواة
الثلاثة من إسناده!
وجملة القول في هذا الحديث، أنه من حيث الإسناد ضعيف جداً، لأن مدار
طرقه على عبد الملك بن عبد الله بن الأصبهاني، وقد رماه الفلاس بالكذب، كما
تقدم نقله عن الذهبي، ونقله عنه الحافظ أيضاً تحت ترجمة عبد الملك بن
عبد الرحمن أبي العباس المعلم، وزاد فيها:
"وقال البخاري: منكر الحديث".
وقد ذكروا في اسم أبيه ثلاثة أقوال: (عبد الرحمن)، و:(عبد العزيز)، و:
(عبد الله)، فمن الغريب: أنهم لم يذكروا أنه: (ابن الأصبهاني) ، مع أن الذهبي
ذكر تكذيب الفلاس إياه فِي حَدِيثِه هذا - كما تقدم -، وما نقلته عن الحافظ آنفاً
يقتضي أنه هذا. والله أعلم.
هذا من جهة الإسناد.
وأما من جهة المتن، فهو ظاهر الوضع، كما تقدم. والله ولي التوفيق الهادي
إلى أقوم طريق.
ثم تنبهت لعلة أخرى، وهي: جهالة (الأشعث بن طليق) ، فقد أورده ابن
أبي حاتم من رواية خلاد عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وفرق بينه وبين:
(أشعث بن طليق النهدي) عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وعنه ابن عيينة، وثقه ابن معين، وابن
حبان (4/30) .
وخالف العسقلاني، فجعلهما واحداً في "اللسان"، وهو غير ظاهر، لاختلاف
الطبقة. والله أعلم.
ثم وجدت للحديث طريقاً آخر، ولكنه لا يساوي فلساً، لأنه من رواية محمد
ابن عمر - وهو: الواقدي -: حدثني عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون عن ابن
مسعود.
أخرجه ابن سعد (2/256) .
والواقدي: متروك، متهم بالكذب.
وابن أبي عون - اسمه: عبد الواحد المدني -: من اتباع التابعين، فهو معضل.