الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6430
- (كَانَ يَجْهَرُ بِـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بِمَكَّةَ، وَكَانَ
أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ (مُسَيْلِمَةَ) : الرَّحْمَانَ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّداً يَدْعُو إِلَى
إِلَهِ الْيَمَامَةِ؛ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم فَأَخْفَاهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ) .
منكر.
أخرجه أبو داود في "المراسيل"(89/34) من طريق عَبَّاد بْن الْعَوَّامِ
عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:
…
فذكره هكذا مرسلاً. قال:
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ..
قلت: فهو إسناد ضعيف:
أولاً: لإرساله، وقد روي مسنداً عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، ولا يصح - كما يأتي -.
ثانياً: شريك - وهو: ابن عبد الله القاضي النخعي -، وليس بالقوي من جهة
حفظه.
ثالثاً: المخالفة في إسناده، فقال يحيى بن طلحة اليربوعي: ثنا عباد بن
العوام بإسناده المتقدم، إلا أنه أسنده فقال:
"عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال ".
أخرجه الطبراني في "الكبير"(11/439 - 440) ، وفي "الأوسط" (2/115 -
116 -
مجمع البحرين) ، وقال:
"لم يروه عن سالم إلا شريك، تفرد به عبادة ".
قلت: ويحيى بن طلحة اليربوعي ليِّن الحديث - كما في "التقريب" -، فلا
يعارض بمثله عباد بن موسى - وهو الخَتَلي -، فإنه ثقة من رجال الشيخين - ولا
سيما - وقد توبع على إرساله، فقال إسحاق بن راهويه في "مسنده" - كما في
"الزيلعي"(1/346) -: أنبأنا يحيى بن آدم: أنبأنا شريك
…
به مرسلاً.
ويحيى: ثقة أيضاً من رجال الشيخين، فاتفاق هذا وعباد بن العوام على
إرساله، مما لا يدع مجالاً للشك في خطأ من أسنده.
وقد وهم بعضهم على إسحاق بن راهويه، فذكر في إسناده ابن عباس!
أخرجه البيهقي في "معرفة السنن"(1/515 - 516) بإسناده عن إسحاق
…
به. وأعله بقوله:
هكذا أخبرناه أبو القاسم بن حبيب، وإنما رواه إسحاق عن يحيى بن آدم
مرسلاً ".
يشير إلى أن الخطأ من ابن حبيب هذا، ولعله من أجل مثل هذا الخطأ تكلم
فيه الحاكم - كما حكاه عنه الذهبي في "السير"(17/237 - 238) - وهذه الترجمة
مما يستدرك على "اللسان".
رابعاً: المخالفة في المتن، وذلك من ناحيتين:
الأولى: أنه ليس في رواية ابن راهويه، ولا في رواية الطبراني قوله:
"فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخفاها
…
" إلخ.
وقالا:
"فلما نزلت هذه الآية (يعني البسملة) ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهر بها"
فزاد نزول الآية!
وخالف ذلك كله ابن حبيب، فقال:
فأنزل الله تعالى {ولا تجهر بصلاتك} ، فيسمع المشركون فيهزأون: {ولا
تخافت بها} عن أصحابك، فلا تسمعهم:{وابتغ بين ذلك سبيلا} .
وهذا منكر جداً، فإنه مع مخالفته لكل الروايات المتقدمة - على ضعفها - فهو
مخالف لحديث أبي بشر عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ، قَالَ:
نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ، رَفَعَ صَوْتَهُ
بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ، سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ
صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} ، أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ:
{وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ: {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} .
أخرجه البخاري (4722) ، ومسلم (2/34) ، والترمذي (3145 - 3146) ،
والنسائي في "الكبرى"(6/384/11300) ، والبيهقي (2/195) ، وأحمد (1/
215) ،وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
قلت: ففي هذا الحديث الصحيح: أن هذه الآية إنما نزلت في قراءة القرآن لا
في البسملة - كما قال الزيلعي -، وابن حبيب جمع بين هذا الحديث الصحيح،
وذاك الحديث المنكر.
وقد أعله الحافظ في "الدراية"(1/136) من وجه آخر، فقال:
"والمتن معلول من جهة أن مسيلمة لم يكن يدعي الألوهية، ومن جهة
التسمية (الأصل: التسليم!) ،لكن في نص الخبر أنه يدعى (رحمان اليمامة،
ولفظ (الرحمن) في بقية الفاتحة، وهو قول:(الرحمن الرحيم) بعد: (الحمد لله
رب العالمين) ، فلا معنى للإسرار بالبسلمة لأجل ذكر:(الرحيم)، مع وجود ذكر:
(الرحمن) عقب ذلك ".
وهذا غاية في تحقيق نكارة الحديث، فالعجب من شيخ الإسلام ابن تيمية
كيف قال في "مجموع الفتاوى"(22/371) :
" وَقَدْ رَوَى الطبراني بِإِسْنَادِ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْهَرُ
بِهَا إذْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ تَرَكَ الْجَهْرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ "!
وأنا على مثل اليقين أنه كتب هذا من حافظته، دون أن يتسنى له الرجوع
إلى إسناده، ليرى أن فيه شريكاً القاضي ويحيى بن طلحة اليربوعي، ولو أنه قُيِّض
لع التوسع في البحث وجمع الطرق والألفاظ، لتبينت له تلك العلل.
وإن مما يؤكد لك ذلك أنه ذكر باللفظ الملفق من لفظ مرسل أبي داود، و"مسند
الطبراني "، وكلاهما ليس فيهما أن الترك كان: لما هاجر إلى المدينة. فجلَّ من لا
يضل ولا ينسى.
ولقد استروح إلى هذا التحسين المعلق على "نصب الراية"(1/324) ، دون
أي بحث أو تحقيق، وما ذاك إلا لأنه وافق المذهب الحنفي!
والهيثمي مع تساهله المعروف عند الباحثين لم يزد على قوله بعدما عزاه
لـ "المعجمين"(2/108) :
"ورجاله موثقون".
فإن هذا لا يعني تصحيحاً ولا تحسيناً، وإنما يعني توثيق بعض رواته توثيقاً
ليِّناً، وهو يشير إلى شريك القاضي، ويحيى اليربوعي، وهذا لم يوثقه غير ابن
حبان (9/262)، مع ذلك فقد قال فيه:
"كان يغرب عن أبي نعيم ".
وقد عارض هذا الحديث المنكر بعض المجهولين بمنكر آخر، رواه عمر بن
حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ: