الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتفرد ثابت بن يزيد بها؛ لأنه هو المخالف مباشرة لمن تقدم ذكرهم من الثقات الذين
رووه عن هشام؛ ولكن لما كان هو ثقة ثبتاً - كما في "التقريب " -، وكان الراوي عنه
ضعيفاً؛ كان لا بد من تعصيب العلة به.
ومما سبق يتبين خطأ تجويد الشيخ التويجري لإسناده، وإن كان ذلك ليس من
اجتهاده - فيما أعتقد -؛ لأنه ليس من رجال هذا العلم الشريف، ولذلك فكان
عليه أن يعزوه إلى قائله، أداءً للأمانة العلمية أولاً، وللابتعاد عن التشبع بما لم
يعط ثانياً. وهذا مما يقع فيه أكثر المؤلفين في العصر الحاضر، وبخاصة منهم بعض
الشباب المغرم بأن يحشر اسمه في زمرة المؤلفين، وهذا داء عضال من أدواء هذا
الزمان. والله المستعان.
وقد وقفت على حديث آخر لغسان بن الربيع هذا أخطأ في إسناده على
حماد بن سلمة، وخالف فيه الثقات الذين رووه عنه بإسناد آخر؛ وبيان ذلك في
"صحيح أبي داود" تحت الحديث (443) .
6059
- (إيَّاك والقَواريرَ) .
منكر.
أخرجه الحاكم (3/291) : أخبرني أبو معن محمد بن عيسى العطار
- بمرو -: ثنا عبدان بن محمد الحافظ: ثنا إسحاق بن منصور: ثنا عبد الرحمن بن
معن: أنبأ محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أنس قال.: يسمعت أنس بن مالك
يقول:
كان البراء بن مالك رجلاً حسن الصوت، فكان يرجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في
بعض أسفاره، فبينما هو يرجز إذ قارب النساء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره. قال: فأمسك. قال محمد: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمع النساء صوته.
وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
قلت: وهذا من تساهلهما؛ فإن ابن إسحاق - مع صدقه - مشهور بالتدليس،
وأنه لا يحتج به إلا بما قال فيه: "حدثنا"، كما قال العلائي في "جامع التحصيل "
(ص 221)، وقال في مكان آخر (ص 125) :
" أكثر من التدليس، وخصوصاً عن الضعفاء".
يضاف إلى ذلك أن في حفظه بعض الضعف، وقد أطال الذهبي ترجمته في
"الميزان "، وذكر عن الإمام أحمد أنه قال:
"هو كثير التدليس جدّاً. قيل له: فإذا قال: "أخبرني " و"حدثني " فهو ثقة؟
قال: هو يقول: "أخبرني " ويخالف ". وكذلك ختم الذهبي ترجمته بقوله:
" فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال صدوق، وما
انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً". وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يدلس ".
وخلاصة ترجمته أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، ولم يخالف، وكل
من الشرطين هنا غير متوفر.
أما الأول: فلأنه قد عنعن كما ترى، وأما الآخر: فلأنه خالف في سنده
ومتنه.
أما السند: فقوله: "عن عبد الله بن أنس "
…
فهذا خطأ من ناحيتين:
الأولى: أنه لا يعرف لأنس ابن اسمه عبد الله يروي عنه، وإنما هو حفيده
عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري.
والأخرى: الانقطاع؛ فإن ابن المثنى هذا إنما يروي عن أنس بالواسطة، ويؤيده
أن أبا نعيم أخرج الحديث في "الحلية"(1/ 350) من طريق أخرى عن محمد بن
إسحاق عن عبد الله - يعني: ابن المثنى - عن ثمامة عن أنس
…
فذكر الحديث؛
دون قول ابن إسحاق في آخره: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
، وكرر:"إياك والقوارير"
مرتين.
وفيه شيخ أبي نعيم علي بن هارون، وقد ترجمه الخطيب في "التاريخ "
(12/120) بقوله:
"كان أمره في ابتداء ما حدث جميلاً، ثم حدث مثه تخليط ".
ولم يذكر في "الميزان " ولا في "اللسان ".
وأما المتن: فقد رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك:
أن البراء بن مالك كان يحدو بالرجال، وأَنْجَشَةَ يحدو بالنساء، وكان حسن
الصوت، فحدا؛ فأعنقت الإبل؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا أنجشة! رويداً سوقك بالقوارير".
أخرجه الطيالسي (2048) ، وأحمد (3/254 و 285) ، وإسناده صحيح على
شرط مسلم.
فهذا هو أصل الحديث، والقصة لأنجشة - وهو المذكور بأنه حسن الصوت -،
فانقلب ذلك على ابن إسحاق أو شيخه الذي دلسه ولم يذكره، وجعله للبراء بن
مالك.
وقد تابعه حماد بن زيد عن ثابت؛ إلا أنه لم يذكر فيه طرفه المتعلق بالبراء.
أخرجه البخاري (6209) وفي "الأدب المفرد"(883) ، ومسلم (7/78) ،
والنسائي في "عمل اليوم والليلة "(528) ، وابن حبان (5773) ، والبيهقي
(10/199/ - 200 و227) ، والبغوي في "شرح السنة"(13/156 - 157) ، وأحمد
(3/172 و 202 و227) .
وتابع ثابتاً أبو قلابة عن أنس "
أخرجه الشيخان والنسائي (525) ، وابن حبان أيضاً وأحمد (3/187 و227) ،
وأبو يعلى (2809 و 2810) ، والرامهرمزي في "الأمثال "(ص 127) .
وتابعه قتادة عنه:
أخرجه البخاري (6211) ، ومسلم أيضاً والنسائي (526) ، وابن حبان (5771) ،
والبيهقي (10/227) ، والبغوي (13/156) ، وأحمد (3/252) ، وأبو يعلى (2868) ،
وعنه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(507) .
وتابعه سليمان التيمي عنه:
أخرجه مسلم والنسائي (529) ، وابن حبان (5770 و 5772) ، وابن سعد
(8/430) ، وأحمد (3/111 و117 و176، و 6/376) ، والحميدي (1209) ،
والرامهرمزي أيضاً وأبو نعيم في "أخبار أصبهان "(1/143) ، والخطيب في "التاريخ "
(12/208) .
وحميد عنه:
أخرجه أحمد (3/107) .
قلت: وإسناده صحيح ثلاثي؛ إن كان حميد سمعه من أنس.
وزرارة بن أبي الحلال العتكي قال: سمعت أنس بن مالك
…
أخرجه أحمد (3/206) .
قلت: وإسناده صحيح ثلاثي أيضاً، وزرارة هذا هو ابن ربيعة، له ترجمة في
"التعجيل "، وذكر أنه وثقه ابن حبان وابن خَلْفون والعجلي. وابن حبان أورده في
"أتباع التابعين "(6/343)، قال الحافظ:
"وكأنه لم يقف على روايته عن أنس ". يعني: هذه.
وللحديث شاهد من رواية ابن عباس:
أخرجه الدارمي (2/295) ، وفي إسناده من لم أعرفه، وأخشى أن يكون فيه
تحريف أو سقط.
والخلاصة: أن هذه الطرق الصحيحة عن أنس؛ تدل دلالة قاطعة على خطأ
حديث ابن إسحاق هذا عن أنس، وأن القصة لأنجشة
…
لا البراء، وأن لفظه صلى الله عليه وسلم
إنما هو:
"رويدك؛ سوقك بالقوارير " ونحوه، وليس بلفظ:
"إياك والقوارير"
…
كما رواه ابن إسحاق؛ فهو لفظ منكر، وعليه: فقول ابن
إسحاق في آخر الحديث:
"كره صلى الله عليه وسلم أن تسمع النساء صوته "!
مما لاقيمة له، لأنه تفسير لما لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
وبذلك تعلم ضعف الاستدلال بهذا الحديث على ترجيح قول من قال في
تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "رويدك؛ سوقك بالقوارير": أنه خشي على النساء الفتنة،
فأَمَرَه صلى الله عليه وسلم بالكف عن الحداء؛ كما فعل الشيخ التويجري في "الصارم المشهور"
(ص 115 - 116) ، وقلده أخونا محمد زينو في "كيف نربي أولادنا"(ص 23)
فصححه!
بل الصواب القول الآخر؛ وهو ما جاء في "شرح السنة":
" المراد بالقوارير: النساء؛ شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن، والقوارير يسرع
إليها الكسر، وكان أَنْجَشَةُ غلاماً أسود، وفي سوقه عنف، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يرفق بهن
في السوق؛ كما يرفق بالدابة التي عليها قوارير".
قلت: وهذا هو الذي رجحه الشيخ العلامة علي القاري؛ فقال في "المرقاة"
(4/619) :
"وهذا المعنى أظهر - كما لا يخفى -؛ فإنه ناشئ عن الرحمة والشفقة، وذاك
عن سوء ظن لايليق بمنصب النبوة".
فأقول: هذا هو الحق الذي لا يمكن القول بغيره إذا ما جمعت طرق الحديث
وألفاظه، وزياداته، وأمعن النظر في معانيها:
أولاً: قوله: " رويدك "
…
معناه: أمْهِل وتَأَنَّ - كما في " النهاية " وغيره -، وقال
الرامهرمزي:
"يقول صلى الله عليه وسلم: اجعل سيرك على مهل؛ فإنك تسير بالقوارير
…
فكنى عن ذكر
النساء بالقوارير
…
". وقال عياض: " أي: سُق سوقاً رويداً " (1) .
قلت: والذين ذهبوا إلى القول الأول فسروه بالكف عن الحداء - كما تقدم -،
ومثله في "النهاية" وغيره، وهذا خَلف كما لا يخفى! وهو يلتقي مع حديث
الترجمة الذي جاء في آخره: "فأمسك ". وهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة
في الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة كما هو مصرح في عنوان هذه "السلسلة"،
(1) ذكره الحافظ في جملة أقوال أخرى للعلماء، ولا تخرج عن هذا المعنى، فانظر "فتح
الباري، (10/ 544) .
ومع ذلك فكثير من أهل العلم في غفلتهم ساهون عن آثارها!
ثانياً: قوله في رواية النسائي وأحمد فِي حَدِيثِ شعبة عن ثابت:
"ارفق بالقوارير". وجمع الأنصاري في "جزئه " بين اللفظين؛ فقال:
"رويدك ارفق " - ذكره في "الفتح "(10/544) -.
فأقول: صريح في أنه ليس المراد بهذا الأمر الإمساك عن الحداء مطلقاً، وإنما
تلطيفه وتخفيفه " لكي لا تسرع الإبل في سيرها، وإلا؛ كانت النساء مُعَرَّضَاتٍ
للتألم، وربما للسقوط من الإبل بسبب كثرة الحركة والاضطراب الناشئ عن
السرعة؛ من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب. ويزيده وضوحاً:
ثالثاً: قوله في رواية حماد بن سلمة:
"فحدا؛ فأعنقت الإبل
…
".
أي: أسرعت؛ وَزْناً ومعنى - كما قال الحافظ في "الفتح " -.
فهذا يوضح ما ذكرته آنفاً أنه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك الأمر سلامة النساء من الأذى
في أبدانهن، وليس السلامة من الفتنة، وإلا، لم يكن لذكر إسراع الإبل معنى
يذكر.
رابعاً: فِي حَدِيثِ حميد عن أناس:
كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين يقال له: (أنجشة) ، فاشتد في السياقة. زاد
شعبة عن ثابت: فكان نساؤه يتقدمن بين يديه.
فهذا يعني: أنه كان من نتيجة السرعة أن تقدمت نساؤه صلى الله عليه وسلم بين يديه،
وذلك مما يؤلمهن ولا تتحمله أجسامهن؛ فأمر (أنجشة) بالرفق بهن، وعدم الإسراع
بإبلهن، وليس خوفاً عليهن من الافتتان بحسن صوته! ويؤكد هذا: