الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا عو علة الحديث الذي قطع الحافظ بضعفه ولم يذكرها - كما تقدم -،
ويمكن إعلاله بشيخ شيخه - وهو: داود بن فراهيج -؛ فإنه مختلف فيه، وتجد أقوال
الأئمة في "اللسان"، وقال الذهبي في "المغني":
"حسم الأمر، لينه بعضهم، وقال أبو حاتم: "تغير حين كبر، وقد روى عنه
شعبة، وهو ثقة صدوق "؛ يعني قبل أن يتغير ".
وبالجملة؛ فإن ضعف يعقوب بن محمد المقطوع به، واحتمال أن يكون وهم
في متنه، إلى وهم الهيثمي الفاحش المقطوع به أيضاً، كل ذلك كان الباعث
والحافز لي على إخراج الحديث في هذه السلسلة.
(تنبيه) : أبو سفيان - مولى الزهري الراوي عن ابن فراهيج - اسمه: (زياد بن
راشد المدني) ، وهو مولى محمد بن مسلم بن شهاب الزهري؛ كما في "ثقات ابن
حبان" (6/324) ، ومنه صححت نسبته التي وقعت فيه هكذا (مولى الزبيريين) !
والله أعلم.
6479
- (كَانَ يَبْعَثُ إِلَى الْمَطَاهِرِ فَيُؤْتَى بِالْمَاءِ فَيَشْرَبُهُ؛ يَرْجُو بَرَكَةَ
أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(1/45/2/783) ، وابن عدي
في "الكامل"(2/347) ،وأبو نعيم في "الحلية"(8/203) من طريق مُحْرِز بْن
عَوْنٍ قَالَ: نا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِرْمَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْوُضُوءُ مِنْ جَرٍّ جَدِيدٍ مُخَمَّرٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مِنَ الْمَطَاهِرِ؟ فَقَالَ:
" لَا، بَلْ مِنَ الْمَطَاهِرِ، إِنَّ دِينَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ ".
قَالَ:
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ
…
الحديث، والسياق للطبراني، وقال:
" لَمْ يَرْوِه عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ؛ إِلَّا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ".
وكذا قال أبو نعيم.
قلت: وحسان هذا: مختلف فيه، ويتلخص من أقوال العلماء: أنه صدوق
في نفسه، ولكنه يخطئ، وبهذا وصفه الحافظ في "التقريب" مع كونه من رجال
البخاري، وفي ترجمته ساق ابن عدي الشطر الأول من الحديث في جملة ما أنكر
عليه من الأحاديث، ثم قال في آخرها:
"وله حديث كثير، وقد حدث بأفرادات كثيرة، ولم أجد له أنكر مما ذكرته من
هذه الأحاديث، وهو عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشيء، وليس ممن يظن
به أنه يتعمد إسناداً أو متناً، وإنما هو وهم منه، وهو عندي لا بأس به".
قلت: فمثله يكون حسن الحديث؛ إذا خلا من المخالفة والنكارة، أوينتقي
من حديثه ويستشهد به، كالشطر الأول من حديثه هذا؛ فإني كنت استشهدت
به حينما كنت خرجته في "الصحيحة" برقم (2924) من طرق؛ هذا أحدها.
وليس حديث الترجمة من هذا القبيل كما يأتي.
وفي كلام ابن عدي إشارة قوية إلى أن حسان هذا قد يقع منه الخطأ في
الإسناد والمتن، وتارة في هذا، وتارة في هذا، وقد ساق العقيلي في "الضعفاء"
(1/255) مما أنكر عليه مثالاً لكل منهما:
1 -
فروى عن الإمام أنه قال في الذي أخطأ في إسناده:
"ليس هذا من حديث عاصم الأحول، وهذا من حديث ليس بن أبي سُلَيم".
قلت: وهذا وهم فاحش جداً؛ لأنه جعل الثقة (عاصم) مكان الضعيف
المختلط (الليث) !
2 -
ساق له حديثاً أخطأ في متنه؛ فروى عن أحمد أنه أنكره جداً، وقال
لابنه: "اضرب عليه"! وأقره الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(9/41 - 42) .
وذكر الذهبي مثالاً ثالثاً من هذا النوع؛ فقال في "الميزان":
"هذا حديث منكر تفرد به حسان، لا يتابع عليه ".
قلت: وحديث الترجمة من هذا القبيل؛ فإنه مع تفرده به - كما تقدم عن
الطبراني -؛ فإنه قد خولف في إسناده؛ فقد عقب عليه ابن عدي بإسناده الصحيح
عن وكيع قال: عبد العزيز بن أبي رواد عن محمد بن واسع الأزدي قال:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
…
فذكره.
قلت: فقد خالفه وكيع - وهو إمام ثقة عند الجميع -؛ فرواه عن عبد العزيز عن
محمد بن واسع مرسلاً؛ فدل على خطأ وصل حسان إياه عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
وثبت ضعف الحديث ونكارته، ثم وجدت عبد الرزاق في "المصنف"(1/74/338)
قد تابع وكيعاً على إرساله.
وبعد كتابة ما تقدم لفت نظري أحد الإخوة = جزاه الله خيراً - إلى أن الحديث
مخرج في "الصحيحة " برقم (2118) . فلما قرأت التخريج فيه؛ وجدت
الاختلاف بينه وبين تخريجه هنا أمراً طبيعياً جداً، يقع ذلك كثيراً في بعض
الأحاديث؛ كما لا يخفى على المشتغلين بهذا العلم الشريف خلافاً لبعض الجهلة
الأغرار، كمثل أن يضعف حديثاً ما لضعف ظاهر في إسناده، ثم يصححه في
مكان آخر لعثوره على طريق أو طرق أخرى يتقوى الحديث بها. وعلى العكس من
ذلك يقوي حديثاً ما - تصحيحاً أو تحسيناً - جرياً على ظاهر حال إسناده، ثم
ينكشف له أن فيه علة تقدح في قوته، ولا سيما إذا كان الحكم عليه مقتصراً على
الحسن - كهذا الحديث مثلاً -؛ لأن ذلك يعني أن في راويه شيئاً من الضعف،
ولذلك لم يصحح.
وبهذه المناسبة أقول: إن من طبيعة الحديث الحسن - في الغالب - أن يختلف
الحفاظ فيه،وسبب ذلك اختلافهم في تقدير الضعف الذي فيه؛ بل إنه قد
يختلف فيه رأي الشخص الواحد؛ فمرة يحسنه، ومرة يضعفه، حسبما يترجح
عنده من قوة الضعف الذي فيه أو ضعفه، وهذه حقيقة يعرفها ويشعر بها كل من
مارس هذا العلم الشريف دهراً طويلاً.
وإن من علم الحافظ الذهبي وفضله، أنه تفرد بالتنبيه عليها - فيما علمت -؛
فقال في سالته "الموقظة"(ص 28 29) - بعد أن حكى بعض الأقوال في تعريف
الحديث الحسن -:
"ثم لا تَطمَعْ بأنَّ للحسَنَ قاعدةً تندرجُ كلُ الأحاديثِ الحِسانِ فيها، فإنَا على
إِياسٍ من ذلك، فكم من حديث تردَّدَ فيه الحُفَّاظُ، هل هو حسَنٌ أو ضعيفٌ أو
صحيح؟ بل الحافظُ الواحدُ يتغيَّرُ اجتهادُه في الحديث الواحد، فيوماً يَصِفُه
بالصحة، ويوماً يَصِفُه بالحُسْن، ولربما استَضعَفَه - وهذا حقٌّ -، فإنَّ الحديثَ الحَسَنَ
يَستضعفه الحافظُ عن أن يُرَقِّيَه إلى رتبة الصحيح، فبهذا الاعتبارِ فيه ضَعْفٌ ما،
إذْ الحَسَنُ لا ينفك عن ضَعْفٍ ما، ولو انفَكَّ عن ذلك؛ لصَحَّ باتفاق ".
إذا عُرفت هذه الحقيقة؛ سهل على القارئ اللبيب أن يعلم أنه ليس سبب
إيراداي للحديث أخيراً هنا هو اختلاف رأيي في حسان بن إبراهيم عن رأيي فيه
هناك؛ فإنهما متقاربان جداً؛ كما يبدو جلياً بالمقابلة بينهما، وإنما هو أنني وقفت
على ما رجح خطأ حسان في إسناده الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وعلى استنكار ابن
عدي إياه، فرأيت من الواجب علي أن أتجاوب مع هذا العلم الجديد، مع علمي أن
ذلك مما يفتح باب النقد والتهجم عليَّ من بعض الحاسدين الحاقدين، أو الجهلة
المعاندين، فإن هذا الباب لا يمكن سده، فقد تأول الكفار كلام الله الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وحملوه على معانٍ باطلة، فماذا عسى أن
يفعل أحدنا بمن يعادينا من الضُلال والمضللين؟ علينا أن نمضي قدماً لبيان الحق لا
تأخذنا في ذلك لومة لائم.
ولقد زاد من قيمة هذا التحقيق وضرورة بيانه أنني سمعت شريطاً مسجلاً في
رمضان هذه السنة (1414) لأحد الدكاترة المدرسين في بعض البلاد العربية، ممن
يحسن الوعظ، ولا يحسن العلم بالحديث وفقهه، سمعته في يحتج بهذا الحديث
على جواز التبرك بآثار الصالحين، ويصححه بطريقة تدل على أنه لا معرفة عنده
بهذا العلم الشريف؛ فقال ما نصه بالحرف الواحد مع حذف شيء من كلامه الذي
لا علاقة له بالتصحيح المزعوم مشيراً إلى المحذوف بالنقط (
…
) :
رواه الإمام الطبراني بسند رجاله ثقات كالشمس (!) ، والإمام أبو نعيم،
انظر مجمع الزوائد (ص 214)
…
والحديث صحيح - كما قلت -، كما سيأتينا
كلام الحافظ الهيثمي ".
ثم ساق الحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ نقلاً عن "المجمع" دون أن يصرح بذلك، ثم
علق عليه بكلام خطابي ثم قال:
"رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله موثقون، عبد العزيز بن أبي رواد: ثقة
ينسب إلى الإرجاء".
وهذا هو كلام الهيثمي - الذي سبق أن أشار إليه - ساقه في تضاعيف كلامه
بحيث أن السامعين له لا يمكنهم تمييزه من كلامه، ولا سيما أنه اتبعه بقوله:
"ليس في إسناد الحديث إلا عبد العزيز وهو: ثقة".
أقول وبالله المستعان:
في هذا الكلام كثير من الجهل والكذب والتدليس على الطلبة السامعين
مباشرة لدروسه وعلى السامعين لأشرطته، وهل ذلك سهواً منه أوعمداً، أكِلُ
ذلك إلى الله! فهو حسيب كل ساهٍ أوخاطئ!
أولاً: قوله: "رجاله ثقات كالشمس"! هو في الحقيقة كذب جلي كالشمس
في رابعة النهار، ولا أدل على ذلك من كلام الحفاظ المتقدمين فيه وفي حديثه
هذا، وهم: العقيلي وابن عدي والعسقلاني، فضلاً عن غيرهم ممن لم نذكر،
مثل النسائي الذي قال فيه: "ليس بالقوي"!
والذي يغلب على ظني أنه ارتجل هذا الكلام ارتجالاً دون أن يراجع إسناد
الحديث في "معجم الطبراني"؛ وإلا لما نطق به؛ إذا كان ممن يخشى الله - كما
أرجو -؛ وإنما قاله اعتماداً منه على فهمه لكلام الهيثمي المتقدم، وإلا لم ينطق
بهذه المبالغة الحمقاء - كما تقدم -، ويأني بزيادة بيان.
ثانياً: قوله: "والحديث صحيح كما قلت ".
فأقول: لم يقل هذا فيما تقدم - كما رأيت -، ولكنه لجهله بهذا العلم يشير
إلى قوله المتقدم: "رجاله ثقات كالشمس"! فيتوهم أن قول القائل فِي حَدِيثِ ما:
"رجاله ثقات" يساوي قوله: "إسناده صحيح" أو "الحديث صحيح"! وليس الأمر
كذلك عند كل من شم رائحة الحديث، أو على الأقل كان على علم بتعريف
الحديث الصحيح في علم المصطلح:
"الحديث الصحيح: هو المسند المتصل سنده، بنقل العدل الضابط عن العدل
الضابط إلى منتهاه، ولم يكن شاذاً ولا معللاً ".