الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6447
- (يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ! إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هذا
الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي. قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِئْ لَكُمْ مَا
أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ،
يَتْبَعُ آخِرَهَا أَوَّلُهَا، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى.
يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ! إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ
الْجَنَّةَ، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةِ قَالَ: فقُلْتُ: بِأَبِي أنت
وَأُمِّي! فَخُذْ مَفَاتِيحَ خزائنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ. قَالَ:
لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ! لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ) .
ضعيف.
أخرجه ابن إسحاق في "السيرة"(4/320) ، ومن طريقه البخاري
في (كنى التاريخ)(73 - 74) ، والدارمي (1/36 - 37) ، والدولابي في "الكنى"
(1/57) ، والحاكم (3/55) ، والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/162 - 163) ،
وأحمد (3/389) ، والبزار (1/408/863) - مختصراً -، والطبراني في "المعجم
الكبير" (22/346 - 347) - بتمامه -، كلهم من طريق ابن إسحاق قال: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعَبْلِيُّ عن عُبَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ - مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
ابْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ:
…
فذكره، وزاد:
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ. فَبدأ برَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعه الَّذِي قبَضَهُ
اللَّهُ فِيهِ. وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، إلا أنه عجب بهذا الإسناد،فقد
حدثناه
…
".
ثم ساق إسناده من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني
عبد الله بن ربيعة عن عبيد بن عبد الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص
…
نحوه. وسكت عنه الذهبي، وهو متعقب من وجوه:
الأول: أن تصحيحه إياه على شرط مسلم وهم، لسببين:
أحدهما: أنه وقع عنده شيخ ابن إسحاق: (عبيد الله بن عمر بن حفص) ..
وهو العمري المصغر، وهو وهم منه أو من أحد رواته، لمخالفته لما في "السيرة"،
ولكل المصادر المذكورة، فإنه فيها - كما رأيت -، (عبد الله بن عمر)، أي: المكبر،
وهذا ضعيف، وذاك (الصغير) ثقة. وإن مما يؤكد الوهم عنده من طريق عمر بن
عبد الوهاب الرياحي، وهي عند البيهقي أيضاً (7/163) لكن قال: (عبد الله بن
عمر) فوافق رواية الجماعة.
والآخر: أن عبيد بن جبير، وقع عنده:(عبيد بن حنين) وكذلك وقع في
بعض المصادر المذكورة كالبخاري وغيره، فتوهم الحاكم أنه: (عبيد بن حنين المدني
أبو عبد الله) .. وليس به، فإن هذا مولى آل زيد بن الخطاب، وهو ثقة من رجال
الشيخين، - هذا الذي أظن -، فإن كان غير ذلك، فهو وهم أيضاً، لأنه وثقه
وجعله من رجال مسلم، وهو غير معروف البتة إلا في هذه الرواية، وقد اضطربوا
فيها على وجوه سأذكر بعضها، ومن ذلك اختلافهم في ضبط اسم والد (عبيد)
هذا، فقيل:(جبير) - كما تقدم -، وقيل (حنين) - كما ذكرت قريباً -، وقيل:
(عبد الحكم) - كما مضى آنفاً في رواية يونس بن بكير - عند الحاكم، وفي نقل
الحافظ عنه في "الإصابة": (أبو الحكم)، وقال:
"كذا فيه، والصواب: (عبيد مولى أبي الحكم) - كما تقدم - "(1) .
(1) قلت: ويؤيده رواية البيهقي (7/163) من طريق الرياحي المتقدم، ففيها: (عبيد بن
جبير مولى الحكم بن أبي العاص) .
وبعضهم أطلقه ولن بسم أباه، وإنما نسبه لمولاه أبي الحكم. وكما أشار إلى ذلك
الحافظ من قريب، وهي رواية الدارمي. وقد رجح الحافظ من هذه الأقوال القول
الأول، وذكر أن من قال:(حنين) ، فهو تصحيف، قال:
"وإنما هو: (عبيد بن جبير) .. بجيم وموحدة، ونبَّه على ذلك ابن فتحون".
قلت: فثبت يقيناً خطأ تصحيح الحاكم لهذا الحديث على شرط مسلم.
الوجه الثاني: إذا عرفت مما تقدم أن الراجح في: (عبيد) هذا أنه: (ابن
جبير) ، فما حاله في الرواية؟
الجواب: أنه غير مشهور، إلى درجة أن ابن أبي حاتم لم يذكره في كتابه
مطلقاً، وقد ذكره البخاري (1/1/445) - وتبعه ابن حبان (5/135) - برواية يعليى
ابن عطاء عنه - أعني: عبيد بن جبير - عن أبي مويهبة. وهذا يوصلنا إلى التحدث
عن وجه آخر من وجوه التعقب لتصحيح الحاكم، وهو:
الوجه الثالث: الاضطراب في إسناده، فقد رواه الحاكم بن فضيل: ثنا يعلى
ابن عطاء عن عبيد بن جبير عن أبي مويهبة.
أخرجه أحمد (3/488) ، والطبراني في "المعجم الكبير"(22/347 - 348) .
وهذا إسناد حسن إلى عبيد بن جبير، خير من الإسناد السابق لضعف
عبد الله بن عمر العمري المكبر. وقد أشار إليه البخاري وابن حبان - كما نقلته عنه
آنفاً -، وقد أسقط منه:(عبد الله بن عمرو بن العاص) .
ثم تنبهت لشيء كاد أن يفوتني،وهو أن تحديدي لهوية عبد الله بن عمر - أنه
العمري المكبر - كان نتيجة تأثري برواية الحاكم التي وقع فيها مصغراً: (عبيد الله) ،
فتنبهت لكون: (عبد الله بن عمر) جاء في رواية الدارمي بزيادة في نسبه هكذا:
(عبد الله بن عمر بن علي بن عدي) ، كما جاء في "المسند" و"المعجم" منسوباً
هكذا: (عبد الله بن عمر العَبَلي)، فتيقنت أنه ليس:(عبد الله بن عمر العمري) .
أقول هذا بياناً للحقيقة وتراجعاً عن الخطأ، وإلا، فليس هو بخير من
(العمري) ، بل هو مجهول العين، لا يعرف إلا برواية ابن إسحاق هذه - كما في
كتابي البخاري وابن أبي حاتم و "ثقات ابن حبان"(7/36) . وفي نسبه أقوال
أخرى تجدها في تعليق الشيخ المعلمي رحمه الله على هذه الترجمة في "الجرح
والتعديل " (2/2/108 - 109) .
وثمة نوع آخر من الاضطراب على ابن إسحاق:فقال محمد بن سلمة عنه
عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن عبد الله
ابن عمرو بن العاص
…
به.
اخرجه الدولابي (1/58) ، وأبو نعيم في "الحلية"(2/27) .
ورجاله ثقات، غير أبي مالك هذا: فلم يوثقه أحد حتى ولا ابن حبان، وذكره
البخاري في "الكنى" وكذا ابن أبي حاتم، من رواية ابن إسحاق فقط، ولم يذكرا
فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وابن إسحاق: مدلس وقد عنعن.
وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى، ولكنها لا تساوي فلساً. فقال ابن سعد
(2/204) : أخبرنا محمد بن عمر: حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره.
قلت: وإسحاق هذا ضعيف، ومحمد بن عمر - وهو: الواقدي -: متروك
متهم بالكذب.
ومن تخاليط (الدكتور) البوطي قوله في كتابه "فقه السيرة" (ص 334 - دار
الفكر) في الحاشية:
"رواه ابن إسحاق وابن سعد وأحمد في مسنده، وروى نحوه أبو داود والنسائي
وابن ماجه من حديث عائشة"!
أقول: ليس عند هؤلاء الثلاثة ولا حرف واحد من حديث عائشة، بل هو
حديث تفرد به أبو مويهبة من بين الصحابة، فعزوه لحديث عائشة خطأ فاضح
واضح من أخطاء الدتور الكثيرة، التي كنا قد كشفنا عن كثير منها في نقدي
إياه (1) ، ولكنه يأبى ويستكبر، ولا يرجع إلى الصواب!
وها هو الآن يكتفي بسوقه لحديث أبي مويهبة موهماً القراء صحته بعزوه
- أولاً - إياه في صلب الكتاب لابن إسحاق وابن سعد! وأعاده في التعليق مضيفاً
إليه ذاك العزو الباطل!!
(تنبيه) : من تناقض الهيثمي في تخريج هذا الحديث أنه قال في "الجنائز"
(3/59) :
"رواه أحمد مطولاً، ويأتي إن شاء الله في (الوفاة) في (علامات النبوة) ،
ولفظه عند البزار
…
".
فذكره، وهومختصر - كما سبقت الإشارة إلى ذلك -، وقال عقبه:
"وإسناد أحمد والبزار ضعيف " فأصاب. وفي (الوفاة) قال (9/24) :
"رواه أحمد والطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات".
(1) وهو مطبوع بعنوان "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور
البوطي في كتابه (فقه السيرة) ".