الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القارئ عن اهتمامهم به أولاً، وعن رأيهم في وجوده في الإسناد وإعلاله إياه ثانياً.كل
ذلك لم يفعلوه، وتعاملوا مع الحديث كأن لا وجود له؛ فقووا إسناده! والله المستعان.
إن أخشى ما أخشاه أن يكونوا أخذوا بسوط شهرة القصة في كتب السيرة
والتاريخ والتراجم؛ فحال ذلك بينهم وبين الإفصاح عن العلة الظاهرة الجلية - كما
تقدم بيانه - حسب القواعد الحديثية. وليس بخاف على أحد من العارفين بهذا
العلم أنه لا تلازم بين الشهرة والصحة، فكم من أمور اشتهرت في بطون الكتب
وعلى ألسنة الناس هي غير ثابتة في النقد العلمي! والمرجع في ذلك كله إلى
العلم، ولا شيء بعد ذلك.
وقبل أن أمسك القلم عن جريانه ولا بد لي من التنبيه على أنه قد صح آخر
الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: لعدي:
"هل رأيت الحيرة
…
" إلى آخر الحديث.
أخرجه البخاري في "صحيحه"(3595) من طريق أخرى عن عدي نحوه.
6489
- (اللَّهُمَّ! أَبَا عَامِرٍ، اجْعَلْهُ فِي الْأَكْثَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. هَذَا أَوْ
نَحْوَهُ) .
منكر بهذا اللفظ.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(13/187 - 188) : حدَّثَنَا
دَاوُدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ الضَّبِّيُّ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُعَيْمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ الْأَشْعَرِيِّ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ لِأَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ عَلَى خَيْلِ الطَّلَبِ،
(1) أسقطها المعلق على "مسند أبي يعلى"، وهو من سوء تصرفه؛ فإنها ثابتة في نسخة
من "المسند" - كما ذكر هو نفسه -، وهي في "مسند أحمد" أيضاً، والطبراني.
(2)
الأصل: (نفسه) ، والتصحيح من "ابن حبان" و "المسند".
فَلَمَّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ؛ طَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَ [ابْنَ](1) دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَأَسْرَعَ بِهِ فرسُهُ،
فَقَتَلَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَبَا عَامِرٍ. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَشَدَدْتُ عَلَى ابْنِ دُرَيْدٍ فَقَتَلْتُهُ، وَأَخَذْتُ
اللِّوَاءَ، وَانْصَرَفْتُ بِالنَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى اللِّوَاءَ بِيَدِي، قَالَ:
" أَبَا مُوسَى، قُتِلَ أَبُو عَامِرٍ؟ "
قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو لَهُ يَقُولُ:
…
فذكره.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(9/161/7147 - الإحسان) ، وابن عساكر
(18/158) من طريق أبي يعلى.. لم يذكر ابن حبان قوله: "هذا أو نحوه".
وكذلك أخرجه أحمد (4/399) : ثنا علي بن عبد الله: ثنا الوليد بن مسلم:
ثنا يحيى بن عبد العزيز الأردني
…
به.
قلت: والوليد بن مسلم: مدلس تدليس التسوية، ولم يصرح بسماع يحيى بن
عبد العزيز من عبد الله بن نعيم، وغفل عن ذلك المعلق على "أبي يعلى"؛ فقال:
"إسناده حسن". ثم ترجم لعبد الله بن نعيم، وذكر الخلاف فيه. ويبدو لي أنه
وسط حسن الحديث إذا لم يخالف؛ فإن الذهبي قال في "الميزان":
"سئل عنه ابن معين فقال: مظلم. وقال غيره: صالح الحديث ".
ولخص ذلك في "المغني" فقال:
"تُكلم فيه".
وفَسّر بعض الحفاظ قول ابن معين: "مظلم" بأنه ليس بمشهور. ويؤيده قول أبي
حاتم في ترجمة (سليمان بن شهاب) : أن عبد الله: - هذا - مجهول كما في "التهذيب"
(6/57) -، ولم أره في ترجمة سليمان هذا من "الجرح والتعديل". والله أعلم.
وأما يحيى بن عبد العزيز - وهو: الأردني -؛ فهو أحسن حالاً من عبد الله بن
نعيم؛ وإن قال ابن معين:
"ما أعرفه"؛ فقد عرفه أبو حاتم؛ فقال:
"ما بحديثه بأس".
وروى عنه ثلاثة من الثقات أحدهم الوليد بن مسلم هنا، وقد عرفت أنه
دلس ما بين يحيى وعبد الله بن نعيم. وأما قول المعلق على "مسند أبي يعلى"
(13/189) :
"وقد صرح الوليد بالتحديث عند البخاري في "التاريخ".
قلت: يشير بذلك إلى قول البخاري فيه (3/1/215) :
"وروى الوليد بن مسلم: حدثنا يحيى بن عبد العزيز
…
".
قلت: ولم يسق المتن مطلقاً، ولا الإسناد بتمامه. فيؤخذ على المعلق غفلته
عن أمرين أحدهما أهم من الآخر:
أولاً: عزا التصريح المذكور للبخاري، وهو علقه ولم يسنده، فكان الأولى أن
يعزوه لأحمد؛ لأنه أعلى طبقة وقد أسنده - كما رأيت -.
ثانياً: - وهذا هو الأهم - أنه يجهل أن مثل هذا التصريح لا يفيد في الوليد بن
مسلم؛ لأن تدليسه كان من النوع الذي يعرف عند العلماء بـ (تدليس التسوية) ،
وهو أن يسقط ما بين شيخه ومن روى الشيخ عنه، ولذلك قلت آنفاً:
"ولم يصرح بسماع يحيى
…
من عبد الله
…
".
ويبدو لي من اطلاعي على تخريجات المذكور في بعض مطبوعاته، أنه لا
يدري الفرق بين هذا التدليس،والتدليس الآخر المعروف بـ (تدليس الشيوخ) أو
أنه يدري، ولكن لا يدري حقيقة تدليس الوليد بن مسلم، والأمثلة من تخريجاته
كثيرة لا حاجة لضرب الامثلة، فها هو المثال بين يديك، ولعله قد مضى له أمثلة
أخرى.
لكني قد وجدت للوليد متابعاً قوياً؛ فقال هشام بن عمار: ثنا يحيى بن
حمزة: ثنا يحيى بن عبد العزيز
…
به.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(2/121/6881) وقال:
"لا يروى عن الضحاك عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد؛ تفردبه يحيى بن
حمزة ".
كذا قال! وفاتته رواية الوليد بن مسلم. {وفوق كل ذي علم عليم} .
وحسّن الحافظ في "الفتح"(8/42 - 43) إسناد الطبراني هذا، وقرن معه
(ابن عائذ) . وهو في اقتصاره على التحسين يشير إلى الكلام الذي في راويه
(عبد الله بن نعيم) المتقدم. وهو اللائق به - كما سبقت الإشارة إلى ذلك -.
فقد يقال: إذا كان الأمر كذلك؛ فما وجه إيرادك لحديثه هنا دون "الصحيحة"؟
والجواب: لقد استرعى انتباهي أمران، أحدهما في هذه الطريق، والآخر في
طريق أخرى أصح من هذه.
أما الأول: فهو قوله في آخر الحديث: "هذا أو نحوه"،فانتبهتُ إلى أن الراوي
شك في ضبطه لفظ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، واقترن معه الكلام الذي قيل فيه.
وأما الآخر: فهو أن القصة جاءت بإسناد صحيح جداً عن أبي بردة عن أبي
موسى بأتم من هذه، وفيها:
فَدَعَا صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ:
"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ " - وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ - ثم قال:
"اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ
…
".
أخرجه البخاري (4323) ، ومسلم (7/170 - 171) ، والنسائي في "السنن
الكبرى" (5/240 - 241) ، والبيهقي في "الدلائل" (5/152 - 153) ، وأبو يعلى
(13/299 - 301) ، وعنه ابن حبان (9/163 - 164 - الإحسان) كلهم من طريق
أبي أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة
…
به.
قلت: ففي هذا الحديث الصحيح أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عامر رضي الله
عنه كان بلفظ:
"فوق كثير
…
".
فهذا مما يؤكد أن راوي حديث الترجمة - وهو عبد الله بن نعيم - على الغالب
لم يضبط لفظ الحديث؛ كما أشار إلى ذلك في آخره: "هذا أو نحوه"، ولعله أراد
أن يقول: "فوق" مكان "في" و "كثير" فقال: "الأكثرين"، فلم تساعده الحافظة؛
فخالف الثقة؛ فكان لذلك حديثه منكراً، ولا يخفى الفرق الشاسع بين اللفظين
عند ذوي الألباب.
وإن مما يؤكد نكارته أن الدعاء لصحابي ما، بأن يجعله في الأكثرين يوم القيامة
ليس منقبة له، فتأمل تجده ظاهراً جداً.
إذا عرفت هذا؛ فالعجب من أناس يتولّون تخريج الأحاديث، وتمييز صحيحها
من ضعيفها، ولا فقه عندهم في متونها يساعدهم على معرفة الشاذ والمنكر من
الحديث. فانظر مثلاً إلى المعلق على هذا الحديث في "الإحسان"(16/164)
يقول - ولا أدري أهو شعيب نفسه أو أحد أعوانه -:
"حديث صحيح"!