الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6371
- (رأيتُ ربي - وفي لفظٍ: رأى ربَّه تعالى - في المنام في
أحسنِ صورةٍ، شاباً موقَّراً، رِجلاه في خُفٍّ، عليه نعلانِ من ذهبٍ،
على وَجْهِهِ فراشٌ من ذهبٍ) .
موضوع.
أخرجه الخطيب في "التاريخ"(13 / 311) من طريق نعيم بن حماد:
حدثنا ابن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن
عثمان عن عمارة بن عامر عن أم الطفيل - امرأة أُبَيّ - أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يذكر أنه رأى ربه
…
الحديث.
قلت: وهذا موضوع: المتهم به مروان بن عثمان: روى الخطيب عقب هذا
الحديث بإسناده عن النسائي أنه قال:
"ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله؟ ! ". وقال أبو حاتم فيه:
"ضعيف".
وأقول: وأنا أستغرب من الخطيب كيف سكت عن هذه العلة، موهماً أن نعيم
ابن حماد هو العلة؟! فإنه قبل أن يسوق الحديث روى بسنده عن بكر بن سهل:
حدثنا عبد الخالق بن منصور قال:
"ورأيت يحيى بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد فِي حَدِيثِ أم الطفيل
حديث الرؤية، ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذ الحديث".
فأقول: لا ضير على نعيم بن حماد منروايته لهذا الحديث، مادام أن العلة
ممن فوقه، وما الفرق بينه وبين شيخه ابن وهب، وشيخ هذا عمرو بن الحارث في
روايتهما لهذا الحديث وكل منهما ثقة فقيه حافظ؟! هذا لو تفرد نعيم به، فكيف وقد
توبع؟! فقال ابن أبي عاصم في "السنة"(1/205/471) : ثنا إسماعيل بن عبد الله:
ثنا نعيم بن حماد ويحيى بن سليمان قالا: حدثنا عبد الله بن وهب
…
به.
وقال أيضاً في كتابه "الآحاد والمثاني"(6/158/3395) حدثنا عمر بم
الخطاب: ثنا نعيم بن حماد: ثنا عبد الله بن وهب
…
به.
وأخرجه أيضاً الطبراني في "المعجم الكبير"(25/143/346) من طريق يحيى بن
بكير ويحيى بن سليمان الجعفي أيضاً وأحمد بن صالح قالوا: ثنا ابن وهب
…
به.
فإذا تبين أن هؤلاء قد تابعوا حماداً في هذا الحديث، فلا وجه لإنكار ابن معين
عليه روايته إياه، هذا إن ثبت ذلك عنه.
فإن بكر بن سهل: ضعفه النسائي وغيره.
وشيخه عبد الخالق بن منصور: لم أجد له ترجمة فيما لدي من المصادر.
فأستبعد ثبوت ذاك الإنكار عن ابن معين، لأن الأئمة ما زالوا يروون مثل
هذه المنكرات والموضوعات بالأسانيد التي تصل إليهم، بل ويروون عن الضعفاء
مباشرة، ولا ينكر ذلك عليهم.
والحديث قال الحافظ في ترجمة أم الطفيل من "الإصابة":
"أخرجه الدارقطني
…
ومروان متروك، قال ابن معين: ومن مروان حتى
يصدق ".
كذا وقع فيه: (ابن معين) .. وهو خطأ ذهني أو قلمي، والصواب:(النسائي)
- كما تقدم نقله عن الخطيب -، وعلى الصواب وقع في ترجمة مروان من "التهذيب".
وللحديث علة ثانية، وهي:جهالة شيخ مروان: عمارة بن عامر، فإنه - فيما
يبدو - لا يعرف إلا بهذه الرواية، فقد ساقها البخاري في "التاريخ"(3/2/500)
من طريق يحيى بن سليمان المتقدمة عن ابن وهب، وأعله بالانقطاع تمشياً منه مع
مذهبه في عدم الاكتفاء بالمعاصرة، فقال عقبه:
"لا يعرف سماع عمارة من أم الطفيل".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وكذلك فعل ابن أبي حاتم. ولذلك قال
الذهبي في "المغني":
"لايعرف".
وأما ابن حبان فذكره - على قاعدته المعروفة -في (ثقات التابعين)(5/245) !
فقال:
"يروي عن أم الطفيل - امرأة أُبي بن كعب - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت
ربي
…
".. حديثا منكراً، لم يسمع عمارة من أم الطفيل، وإنما ذكرته لكي لا
يغتر الناظر فيه فيحتج به ".
قلت: وهذا القول من غرائب ابن حبان أيضاً، فإنه مع تساهله في توثيقه
إياه، ولا يعرف إلا برواية مروان بن عثمان عنه فإنه مع ذلك أورده في (التابعين) ،
مع جزمه بأنه لم يسمع من أم الطفيل، فكيف عرف أو حكم بذلك، وهو لا يعرف
إلا بهذه الرواية المنقطعة؟!
وأعجب من هذا أنه أورد الراوي عنه مروان المذكور في (التابعين) أيضاً لوهم
وقع له منه أو من غيره، ثم توبع عليه، فقال فيهم (5/423) :
"مروان بن عثمان بن عمارة بن عامر يروي عن أم الطفيل - امرأة أبي بن
كعب -، روى عنه سعيد بن أبي هلال ".
فجعل عمارة بن عامر الذي هو شيخ مروان في هذه الرواية، جعله جده،
وبالتالي صار مروان أيضاً تابعياً يروي عن أم الطفيل، ولم ينتبه لهذا الخطأ الحافظ
المزي، فتبعه عليه، فجعل في ترجمة مروان من شيوخه أم الطفيل! وتنبه لذلك
الحافظ ابن حجر، فقال في ترجمته من "تهذيبه":
"قلت: ذكر المؤلف أنه روى عن أم الطفيل، وفيه نظر، فإن روايته إنما هي عن
عمارة بن عمرو بن حزم (!) عن أم الطفيل، امرأة أبي في الرؤية، وهو متن منكر "
قلت: وهذا وهم آخر من الحافظ رحمه الله، وهو قوله: "عمارة بن عمرو بن
حزم".. والصواب "عمارة بن عامر" - كما في المصادر المتقدمة وغيرها -. وهذا
غير ذاك، وقد فرق بينهما البخاري وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم. فتنبه!
ثم إن الحافظ لم يتنبه أيضاً - وبالتالي لم ينبه على - أن المزي في ذاك الوهم
تابع لابن حبان - كما ذكرنا -.
وجملة القول: أن إسناد هذا الحديث ضعيف جداً، والمتن بهذا اللفظ موضوع،
وقد أحسن ابن الجوزي في إيراده إياه في "الموضوعات"(1/125 - 126) من طريق
الخطيب، ونقل قول ابن معين المتقدم في نعيم، دون أن يذكر المتابعين له! كما
نقل قول النسائي المتقدم في مروان، ثم قال:
"قال مهنا: سألت أحمد عن هذا الحديث؟ فحوّل وجهه عني وقال: هذا
حديث منكر، هذا رجل مجهول - عنى مروان -. قال: ولا يعرف أيضاً عمارة ".
وفي الباب أحاديث أخرى بنحوه أوردها ابن الجوزي وغيره، لكن قد صح عنه
صلى الله عليه وسلم رؤيته ربه في المنام في أحسن صورة، والاختصام في الملأ الأعلى، وقد اختلط هذا
الصحيح بحدث الترجمة على ابن الجوزي وغيره، واستغل ذلك بعض المبتدعة