الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني: تعريف (القاعدة الفقهية) باعتبارها علماً ولقبا:
إن المتأمل في تعاريف الفقهاء للقاعدة يلاحظ أنهم سلكوا في ذلك مسلكين:
المسلك الأول: وهم الذين عرفوا القاعدة بمعناها العام، من غير أن يقيدوها بالفقه، ومن ذلك تعريف عبد الوهاب السبكي حيث قال في تعريفها:
«فالقاعدة: الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها»
(1)
.
المسلك الثاني: وهم الذين ميزوا القاعدة الفقهية عن المفهوم العام للقاعدة:
وقد انقسم أصحاب هذا المسلك - من قدامى ومحدثين - إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: وهم الذين يرون أن القاعدة الفقهية كلية:
وهذه بعض تعاريفهم:
1 -
قال أبوعبد الله المقري
(2)
: «ونعني بالقاعدة: كل كليّ، هو أخص من
(1)
الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 11). وانظر: مختصر من قواعد العلائي وكلام الإسنوي (1/ 64)، كشاف القناع (1/ 16)، شرح المنهج المنتخب (ص 100)، درر الحكام (1/ 19).
(2)
هو: محمد بن محمد بن أحمد، أبو عبد الله القرشي المقري التلمساني المالكي، كان من مجتهدي المذهب، وفي زمانه من أعلم أهل المغرب، وقد تتلمذ على عدد وافر من علماء عصره منهم: أبو زيد عبد الرحمن بن محمد وأخوه أبو موسى ومحمد بن سليمان السَّكِّلي وغيرهم، كما تتلمذ عليه غير واحد منهم: محمد بن عبد الله بن الخطيب لسان الدين المشهور بذي الوزارتين وعبد الرحمن بن محمد بن خلدون المؤرخ وإبراهيم بن موسى الشاطبي صاحب الموافقات وغيرهم، ومن مؤلفاته:"القواعد" و"عمل من طب لمن حب" و"أحاديث الأحكام" وغيرها، توفي سنة 758 هـ.
انظر: الديباج المذهب (ص 382)، الإحاطة في أخبار غرناطة (2/ 191)، معجم المؤلفين (2/ 300).
الأصول وسائر المعاني العقلية العامة، وأعمّ من العقود وجملة الضوابط الفقهية الخاصة»
(1)
.
2 -
قال مصطفى الزرقا
(2)
(3)
.
3 -
قال عبد الرحمن الشعلان في تعريفها: «هي حكم كلي فقهي ينطبق على جزئيات كثيرة من أكثر من باب»
(4)
.
4 -
قال يعقوب الباحسين في تعريفها: «قضية كلية شرعية عملية، جزئياتها قضايا كلية شرعية عملية. أو: قضية فقهية كلية، جزئياتها قضايا فقهية كلية»
(5)
.
(1)
القواعد للمقري (1/ 212).
(2)
هو الفقيه الأصولي الشيخ مصطفى بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن السيد عثمان بن الحاج محمد بن عبد القادر الزرقا، ولد في حلب سنة 1322 هـ، درس على والده والشيخ محمد راغب الطباخ وغيرهما، ومن تلاميذه: عبد الفتاح أبو غدة ومحمد فوزي فيض الله وآخرون، وله مؤلفات منها:"المدخل الفقهي العام" و"المدخل إلى نظرية الالتزام العامة" و"أحكام الأوقاف" وغيرها، توفي في 19/ربيع الأول/1420 هـ.
انظر: علماء ومفكرون عرفتهم (2/ 343 - 370)، مقدمة كتابه "فتاوى مصطفى الزرقا"(ص 21 - 36).
(3)
المدخل الفقهي للزرقا (2/ 947).
(4)
مقدمة تحقيقه لكتاب القواعد للحصني (1/ 23).
(5)
القواعد الفقهية للباحسين (ص 54).
القسم الثاني: وهم الذين يرون أن القاعدة الفقهية أغلبية (أكثرية).
وهذه بعض تعاريفهم:
1 -
قال أحمد الحموي
(1)
في تعريف القاعدة عند الفقهاء: «حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منها»
(2)
.
2 -
قال أحمد بن حميد في تعريفها: «حكم أغلبي يتعرف منه حكم الجزئيات الفقهية مباشرة»
(3)
.
القسم الثالث: وهم الذين يرون أن القاعدة الفقهية أعم من كونها كلية أو أغلبية:
وممن ذهب إلى هذا الرأي:
1 -
محمد الخادمي
(4)
، حيث يقول:«خاتمة: في قواعد كلية أو أكثرية مهمة نافعة»
(5)
، ثم ذكر مجموعة من القواعد الفقهية.
(1)
هو الفقيه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي، أحد علماء الحنفية، حموي الأصل، مصري، درس بالمدرسة السليمانية بالقاهرة، وتولى إفتاء الحنفية، وصنف كتبا كثيرة منها:"غمز عيون البصائر" في شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم، و"سمط الفوائد وعقال المسائل الشوارد"، توفي سنة 1098 هـ.
هدية العارفين (5/ 164 - 165)، الأعلام للزركلي (1/ 239).
(2)
غمز عيون البصائر (1/ 51).
(3)
مقدمة تحقيقه لكتاب القواعد للمقري (1/ 107).
(4)
هو الفقيه أبو سعيد محمد بن مصطفى بن عثمان الحسيني الخادمي النقشبندي الحنفي، ولد في خادم من أعمال ولاية قونية بالأناضول، له مؤلفات:"البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية" و"حاشية على الدرر والغرر لملا خسرو" و"مجامع الحقائق"، توفي سنة 1176 هـ.
انظر: هدية العارفين (6/ 333 - 334)، معجم المؤلفين (3/ 721).
(5)
مجامع الحقائق مع منافع الدقائق (ص 305).
2 -
مصطفى المرادي الرومي
(1)
، حيث يقول في تعريف القاعدة: «وأما في الاصطلاح: فحكم كلي ينطبق على جميع جزئياته ليتعرف به أحكام الجزئيات والتي تندرج تحتها من الحكم
…
قيل: هذا عند غير الفقهاء، وأما عندهم: فحكم أكثري ينطبق على أكثر جزئياته، لكن المختار كون القواعد أعم من أن تكون كلية أو أكثرية كما أشار إليه المصنف»
(2)
.
3 -
علي الندوي، حيث يقول:«إذاً فإن القاعدة أعم من أن تكون كلية أو أكثرية»
(3)
.
وقال أيضا: «يمكن أن نعرف القاعدة الفقهية بأحد التعريفين:
أحدها: بأنها حكم شرعي في قضية أغلبية يتعرف منها أحكام ما دخل تحتها.
والثاني: أصل فقهي كلي يتضمن أحكاما تشريعية عامة من أبواب متعددة في القضايا التي تدخل تحت موضوعه»
(4)
.
هذا ما تيسر ذكره من هذه التعاريف - في الأقسام الثلاثة -، ولا يظهر لي مانع من وصف القاعدة الفقهية بكلا الوصفين - أعني الكلية والأغلبية -. فإن
(1)
هو الفقيه مصطفى بن محمد الكوزلحصاري المرادي الرومي الحنفي النقشبندي، الملقب بخلوصي، له مؤلفات كثيرة منها:"منافع الدقائق في شرح مجامع الحقائق للخادمي" و"حقيق الحقائق في شرح رسالة البركوي في العقائد والأخلاق" و"حاشية على الشرح الصغير لإبراهيم الحلبي" في الفقه، توفي سنة 1215 هـ.
انظر: هدية العارفين (6/ 454)، معجم المؤلفين (3/ 884).
(2)
منافع الدقائق (ص 305).
(3)
القواعد الفقهية للندوي (ص 45).
(4)
القواعد الفقهية للندوي (ص 43، 45).
مَن وصفها بالكلية نظر إلى أن الأصل في القاعدة الكلية، كما نظر إلى معناها اللغوي. ومن وصفها بالأغلبية فنظرا إلى الفروع الفقهية التي خرجت عن القاعدة وشذت عنها، فأصبحت مستثناة منها
(1)
، وهذا لا ينافي وصفها بالكلية؛ «لأن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي؛ إذ المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت»
(2)
.
وبناء على ذلك فإن هذه التعاريف - في الأقسام الثلاثة - كلها متقاربة تؤدي إلى معنى واحد، وإن اختلفت عباراتها.
لكنها - أي هذه التعاريف - رغم ذلك لم تسلم من انتقادات واعتراضات لدى الباحثين المحدثين
(3)
.
وأخشى أن يكون هذا من قبيل التكلف في الحدود والتعاريف الذي حذر منه العلماء، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:« .. وصاروا يعظمون أمر الحدود ويزعمون أنهم هم المحققون لذلك، وأن ما ذكره غيرهم من الحدود إنما هي لفظية، لا تفيد تعريف الماهية والحقيقة بخلاف حدودهم، ويسلكون الطرق الصعبة الطويلة والعبارات المتكلفة الهائلة، وليس لذلك فائدة إلا تضييع الزمان وإتعاب الأذهان وكثرة الهذيان .. ، وشغل النفوس بما لا ينفعها، بل قد يصدها عما لا بد منه»
(4)
.
(1)
المرجع السابق (ص 43).
(2)
الموافقات (2/ 84).
(3)
انظر على سبيل المثال: القواعد الفقهية للندوي (ص 41 - 45)، القواعد الفقهية للباحسين (ص 39 - 54)، نظرية التقعيد الفقهي (ص 39 - 49).
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (9/ 90).
(1)
.
وقال: «وكذلك الحدود التي يتكلفها بعض الفقهاء للطهارة والنجاسة، وغير ذلك من معاني الأسماء المتداولة بينهم، وكذلك الحدود التي يتكلفها الناظرون في أصول الفقه لمثل الخبر والقياس والعلم وغير ذلك
…
وإلى الساعة لم يسلم لهم حدّ»
(2)
.
هذا وإن كان لا بد لي من اختيار تعريف للقاعدة الفقهية، فإني أختار أن يكون تعريف القاعدة الفقهية هو:«قضية كلية فقهية تنطبق على فروع كثيرة من عدة أبواب» .
شرح التعريف:
قضية: وهي قول يحتمل الصدق والكذب لذاته
(3)
.
كلية: أي القضية المحكوم على جميع أفراد موضوعها
(4)
.
فقهية: نسبة إلى علم الفقه، وهو قيد يخرج جميع القواعد من الفنون الأخرى - غير الفقه - كالقاعدة النحوية والقاعدة الأصولية والقاعدة الحسابية.
تنطبق: أي تُجْرى وتُعْمل على فروع.
(1)
المرجع السابق (9/ 45 - 46).
(2)
المرجع السابق (9/ 46).
(3)
انظر: بيان المختصر (1/ 87)، التعريفات (ص 176).
(4)
انظر: حاشية العطار على شرح جمع الجوامع (1/ 31)، بيان المختصر (1/ 89).