الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
في المعنى الإجمالي للقاعدة
إن كل من انتقل إليه المغصوب من الغاصب - بغصب أو بيع أو وديعة أو غيرها من العقود، دون أن تستند إلى ولاية شرعية كيد الحاكم والقاضي، أو إذن من المالك كيد وكيل المالك وكفيل الغاصب في رد المغصوب، وسواء علم من انتقل إليه بأنه غصب أم لم يعلم - فإن يده يد ضمان.
والمراد بيد الضمان هنا هو أن مالك العين المغصوبة يملك تضمين من انتقل إليه المغصوب؛ لأنه بالخيار إن شاء ضمن الغاصب، وإن شاء ضمَّن من انتقل إليه المغصوب، ولكن لا يلزم أن يستقر الضمان على من انتقل إليه المغصوب، فقد يكون لها الحق في الرجوع بالضمان على الغاصب، وقد لا يحق لها
(1)
.
المطلب الرابع
في أقوال الفقهاء وأدلتهم في القاعدة
اختلف الفقهاء في صحة هذه القاعدة - كل يد ترتبت على يد الغاصب فهي يد ضمان - على قولين:
القول الأول: إن هذه القاعدة صحيحة، فكل يد ترتبت على يد الغاصب فيصح للمالك أن يضمنها، سواء علمت اليد بالغصب أم لم تعلم. ولا يلزم أن يستقر الضمان عليها، فإن الأصل أن قرار الضمان على الغاصب إلا في بعض الحالات يكون على اليد القابضة.
(1)
انظر: الاعتناء (2/ 643 - 644)، مغني المحتاج (2/ 279)، كشاف القناع (4/ 99)، الضمان في الفقه الإسلامي (1/ 142).
هذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية
(1)
والمالكية
(2)
والشافعية
(3)
، وهو المذهب المشهور عند الحنابلة
(4)
.
وإليك تفصيل مذاهبهم على النحو الآتي:
أولاً: المذهب الحنفي:
إذا قبض شخص المغصوب من غاصبه - ببيع أو إجارة أو هبة أو صدقة أو رهن أو وديعة أو إعارة أو غصب - فللمغصوب حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون باقياً بحاله. فهنا يخير المغصوب منه بين إمضاء العقد وأخذ بدل المغصوب أو فسخ العقد وأخذ عين المغصوب.
الحالة الثانية: أن يتلف المغصوب بيد القابض. فهنا يخير المالك بين تضمين الغاصب أو تضمين من قبضه من الغاصب
(5)
.
(1)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (4/ 180 - 181)، بدائع الصنائع (7/ 143 - 145)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 242)، الفوائد الزينية (ص 44)، الدر المختار و حاشية رد المحتار (6/ 179 - 180، 197 - 198)، شرح المجلة (ص 506 - 507)، درر الحكام (2/ 592 - 594).
(2)
انظر: الكافي لابن عبد البر (ص 433 - 434)، جامع الأمهات (ص 413)، الشرح وحاشية الدسوقي (3/ 444، 452، 456 - 458)، منح الجليل (7/ 85 - 86، 117 - 118، 134 - 138).
(3)
انظر: المهذب مع المجموع (14/ 381 - 382، 389 - 390)،التهذيب للبغوي (4/ 315 - 318)، روضة الطالبين (5/ 9)، الغاية القصوى (1/ 572)، الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 322 - 323)، الأشباه والنظائر لابن الملقن (2/ 432)،الاعتناء (2/ 643 - 644)، مغني المحتاج (2/ 279).
(4)
انظر: المغني (6/ 453، 7/ 397 - 399)، تقرير القواعد (2/ 334 - 354)، الإنصاف مع المقنع (15/ 221 - 224، 228 - 229، 232 - 241)، كشاف القناع (4/ 99)، الروض المربع مع حاشيته (5/ 402 - 403)، هداية الراغب (ص 391 - 392).
(5)
واستثنوا الوقف. فإن المغصوب إذا غصب وقيمته أكثر، وكان الثاني أملأ من الأول. فإن المتولي إنما يضمن الثاني. انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 242)، الفوائد الزينية (ص 44).
أما قرار الضمان فيكون على الغاصب، أي: أنه إذا ضمَّن المالك القابض فإن القابض يرجع بالضمان على الغاصب، وإذا ضمَّن المالك الغاصب لم يكن للغاصب الرجوع على القابض.
هذا هو الأصل، ويستثنى منه حالات يكون فيها قرار الضمان على القابض، وهذه الحالات كما يلي:
1 -
أن يكون القابض عالما بالغصب.
2 -
أن يتلف المغصوب بتعدّ القابض أو تقصيره.
3 -
أن يكون القابض موهوبا له المغصوب، أو متصدقا عليه به، أو مستعيرا له؛ وذلك لأنه قبض المغصوب لمصلحة نفسه ومنفعتها.
4 -
أن يكون القابض غاصبا من الغاصب، فإن قرار الضمان عليه؛ لأنه ضمن بفعل نفسه، وهو تفويت يد الملك حيث هلك المغصوب عنده
(1)
.
ثانياً: المذهب المالكي:
إن كل يد ترتبت على يد الغاصب فهي يد ضمان.
فإذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري من الغاصب. وكان عالما بالغصب. فإن المالك بالخيار: إن شاء ضمن الغاصب وإن شاء ضمن المشتري، سواء تلفت العين المغصوبة بجناية عمداً أم خطأ أم بسماوي.
(1)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (4/ 180 - 181)، بدائع الصنائع (7/ 143 - 145)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 242)، الفوائد الزينية (ص 44)، الدر المختار وحاشية رد المحتار (6/ 179 - 180، 197 - 198)، شرح المجلة (ص 506 - 507)، درر الحكام (2/ 592 - 594).
وأما إذا كان المشتري من الغاصب جاهلا بالغصب فله ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يتلف المشتري المغصوب عمدا. فالمالك بالخيار: إن شاء ضمن الغاصب، وإن شاء ضمن المشتري.
الحالة الثانية: أن يتلف المغصوب عند المشتري بآفة سماوية، فليس للمالك هنا تضمين المشتري، وإنما يرجع بالضمان على الغاصب.
الحالة الثالثة: أن يتلف المشتري المغصوب خطأ. ففيه قولان:
القول الأول: إنه كالعمد. فالمالك بالخيار: إن شاء ضمن الغاصب، وإن شاء ضمن المشتري.
القول الثاني: إنه كالذي تلف بآفة سماوية. فإن المالك ليس له مطالبة المشتري بالضمان، وإنما يرجع على الغاصب.
وأما استقرار الضمان فيكون على الغاصب إلا إذا علم المشتري بالغصب، فيكون على المشتري
(1)
(2)
.
هذا حكم المشتري من الغاصب.
ومثله الهبة والرهن والوديعة وسائر العقود
(3)
.
ثالثاً: المذهب الشافعي:
إن كل يد ترتبت على يد الغاصب فهي يد ضمان. فإن كانت العين المغصوبة باقية فإن المالك يطالب من عنده العين بالعين، ويطالب الغاصب بقيمة
(1)
وقد أخذت هذا الاستثناء من مسألة: إذا قدّم الغاصب الطعام المغصوب لمالكه -وهو عالم به - فإنه لا يرجع على الغاصب. انظر: حاشية الدسوقي (3/ 452)،منح الجليل (7/ 117 - 118).
(2)
انظر: الكافي لابن عبدالبر (ص 433 - 434)، جامع الأمهات (ص 413)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (3/ 444، 452، 456 - 458)، منح الجليل (7/ 85 - 86، 117 - 118، 134 - 138).
(3)
انظر: حاشية الدسوقي (3/ 457)، منح الجليل (7/ 135).
الحيلولة، وإن كانت العين المغصوبة تالفة فيتخير المالك بين مطالبة الغاصب ومن ترتبت يده على يده، سواء علم المغصوب أم لا؛ لأنه أثبت يده على مال غيره بغير إذنه، والجهل ليس مسقطا للضمان، بل للإثم.
وأما قرار الضمان فيكون على الغاصب إلا في الحالات التالية:
1 -
أن يعلم من ترتبت يده على يد الغاصب بالغصب فيكون قرار الضمان عليه.
2 -
أن يجهل من ترتبت يده على يد الغاصب بالغصب، وكانت يده في أصلها يد ضمان، كالعارية والبيع والقرض.
3 -
اختلفوا فيما إذا جهل من ترتبت يده على يد الغاصب بالغصب، وكانت يده في أصلها يد أمانة - كالوديعة والقراض - على ثلاثة أوجه: المذهب أن القرار علىلغاصب، والوجه الثاني: أن القرار على المودع، والوجه الثالث: لا يطالب المودع أصلا.
4 -
إذا وهب الغاصب المغصوب لشخص فهل القرار على الغاصب؛ لأنها ليست يد ضمان، أم على المتهب؛ لأنه أخذه للتملك؟ فيه قولان: أظهرهما أنه على المتهب
(1)
.
رابعاً: المذهب الحنبلي:
إن الأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان. فمتى انتقلت العين المغصوبة عن يد الغاصب إلى غير المالك لها فللمالك أن يتخير بين مطالبة الغاصب أو من صار إليه الغصب؛ لأن من انتقل إليه الغصب إن كان عالما
(1)
انظر: المهذب مع المجموع (14/ 381 - 382، 389 - 390)، التهذيب للبغوي (4/ 315 - 318)، روضة الطالبين (5/ 9)، الغاية القصوى (1/ 572)، الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 322 - 323)، الاعتناء (2/ 643 - 644)، مغني المحتاج (2/ 279).
صار غاصبا، وإن كان جاهلا فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(على اليد ما أخذت حتى تؤديه)، ولأن العين المغصوبة صارت في يده بغير حق فملك المالك تضمينه كما يملك تضمين الغاصب.
لكن قرار الضمان يكون على الغاصب إلا في الحالتين التاليتين، فإنه يكون على من انتقل إليه الغصب، والحالتان هما:
1 -
أن يكون من انتقل إليه الغصب عالما به
(1)
.
2 -
أن يدخل من انتقل إليه الغصب على أن الضمان عليه
(2)
.
القول الثاني: إنه إذا تلف المغصوب عند من انتقل إليه من الغاصب
…
- وكان جاهلا بالغصب - فليس للمالك مطالبته بالضمان؛ لأنه معذور بجهله بالغصب.
وهذا قول لبعض أهل العلم منهم أحمد في رواية عنه - ليست هي المشهورة
(3)
-
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في جواب له كما في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (30/ 319) -: «بل للمشتري أن يرجع على الغاصب بالثمن الذي قبضه منه، سواء كان عالما بالغصب أو لم يكن عالما، فإن الثمن قبضه بغير حق ولو كان برضاه
…
». وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 389).
(2)
انظر: المغني (6/ 453، 7/ 397 - 399)، تقرير القواعد (2/ 334 - 354)، الإنصاف مع المقنع (15/ 221 - 224، 228 - 229، 232 - 241)،كشاف القناع (4/ 99)، الروض المربع مع حاشيته (5/ 402 - 403)، هداية الراغب (ص 391 - 392).
(3)
انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 325 - 326)، الاختيارات الفقهية (ص 163)، تقرير القواعد (2/ 334، 335، 337 - 338، 339، 343، 347، 348، 349، 351، 353)، الإنصاف مع المقنع (15/ 223)، تحفة أهل الطلب (ص 108).