الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الشق الثاني من صياغة السعدي للقاعدة - وهو قوله: «ومن أتلفه دفعا لمضرته فلا ضمان عليه» - فإنه يشمل الإتلاف لمصلحة نفس المُتلِف أو غيره، وهو الذي يتوافق مع ما تقدم ترجيحه في المسألتين السابقتين في المطلب الرابع.
وأما النقد الثاني للشيخ العثيمين فإنه متوجه للمثال الذي ذكره العلامة ابن رجب تفريعا على القاعدة، وهو أنه لو دفع صائلا عن غيره ضمنه.
وهذه المسألة قد تقدمت دراستها وذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم فيها، واتضح لي من خلال دراستها ترجيح القول القائل بعدم وجوب الضمان.
وبهذا يتبين صحة انتقاد الشيخ العثيمين لهذا الفرع الذي يترتب عليه ضعف الشطر الثاني من صياغة ابن رجب للقاعدة.
ولهذا فإني أختار صياغة الشيخ السعدي للقاعدة؛ لأن قوله: «من أتلفه دفعا لمضرته فلا ضمان عليه» يشمل الإتلاف دفعا عن نفسه أو غيره. والله تعالى الموفق للصواب.
المطلب السادس
في شروط دفع الصائل
تبين لنا من خلال دراسة القاعدة أنها تتعلق بمسائل الصيال بصفة أولية؛ لذا كان من المناسب جدا أن أشير إلى ما ذكره الفقهاء من شروط يجب توفرها حتى يعتبر المصول عليه في حالة دفاع، وهي على النحو الآتي:
الشرط الأول: أن يكون الفعل الواقع على المصول عليه اعتداء، فإن لم يكن اعتداء فلا يجوز دفعه كالأب إذا ضرب ولده أو زوجته للتأديب، ومستوفي القصاص حين يقتل القاتل أو يقطع يده قصاصا، فإن هؤلاء لا يعتبر فعلهم اعتداء، وإنما هو استعمال لحق أو أداء لواجب.
ولا يشترط أن يقع الاعتداء فعلاً. فمن حق المصول عليه أن يبادر الصائل بالمنع ما دامت حالته تدل على أنه سيعتدي
(1)
.
الشرط الثاني: أن يكون الاعتداء من الصائل حالا، فإن لم يكن حالا فعمل المصول عليه اعتداء وليس دفاعا؛ لأن الدفاع لا يوجد إلا إذا تحقق الاعتداء في الفعل أو الظن، ومن ثم فإن الاعتداء المؤجل والتهديد بالاعتداء ليسا بمحل للدفاع
(2)
.
الشرط الثالث: أن لا يكون للمصول عليه مفر من مواجهة الصائل، فإن استطاع أن يتخلص منه بالاستعانة بالناس أو الاستغاثة فليس له الدفاع حينئذ
(3)
.
الشرط الرابع: أن يكون الدفاع بالقدر اللازم وبأيسر ما يندفع به، فإذا اندفع الصائل بالضرب فلا يجوز جرحه، وإذا اندفع بجرحه أو شل حركته فلا يجوز قتله
(4)
.
(1)
واشترط البعض أن يكون الاعتداء جريمة. وهذا فيه نظر؛ إذ لو اعتبرناه شرطا لما جاز دفع الصائل غير المكلف كالصبي والمجنون والحيوان، وهذا لم يقل به أحد من الفقهاء، وإنما اختلف الحنفية مع الجمهور في ضمان الصبي والمجنون والحيوان.
انظر: بدائع الصنائع (7/ 92)، الأم (6/ 177)، التشريع الجنائي (1/ 479 - 481)، نظرية الضرورة لابن مبارك (ص 113).
(2)
انظر: الأم (6/ 177)، التشريع الجنائي (1/ 482).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 93)، الذخيرة (12/ 262 - 263) الأم (6/ 177)، المقنع مع الشرح الكبير (27/ 36)، التشريع الجنائي (1/ 482 - 483)، نظرية الضرورة لابن مبارك (ص 113).
(4)
انظر: المراجع السابقة، ومواهب الجليل (6/ 322 - 323)، كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1114 - 1116)، المغني (12/ 531 - 532).