الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامساً: التعويض:
التعويض لغة: مأخوذ من العوض، وهو البدل والخلف
(1)
.
والتعويض اصطلاحاً: ذكر الفقهاء المعاصرون تعاريف كثيرة لمعنى التعويض من أحسنها أنه: «المال الذي يحكم به على من أوقع ضررا على غيره في نفس أو مال»
(2)
.
وجه الصلة بين الضمان والتعويض:
أولاً: أن التعويض نتيجة للضمان.
ثانياً: أن التعويض لا يجب إلا إذا وقع الضرر، أما الضمان فقد يلتزمه الشخص قبل وقوع الضرر، وبهذا يكون التعويض نتيجة للضمان وأثراً من آثاره.
المطلب الثالث
مشروعية الضمان
ثبتت مشروعية الضمان بمعناه العام بأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء، أذكر منها ما يلي:
أولاً: القرآن الكريم:
1 -
قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
(3)
.
وجه الدلالة: أن الله تعالى أباح لمن اعتُدي عليه في نفس أو مال أن يأخذ حقه من المعتدي بأن يعتدي عليه، ولكن بالمثل.
(1)
انظر: المصباح المنير (ص 166)، القاموس المحيط (ص 836).
(2)
المسئولية المدنية والجنائية لمحمود شلتوت (ص 35)، وانظر: المسئولية التقصيرية لسيد أمين (ص 115)، نظرية الضمان للزحيلي (ص 87).
(3)
سورة البقرة، الآية [194].
قال أبو بكر ابن العربي
(1)
:
«قال علماؤنا: وهذا دليل على أن لك أن تبيح دم من أباح دمك، وتحلّ مال من استحلّ مالك» ، ثم قال:«وأما من أخذ مالك فخذ ماله إذا تمكنت منه، إذا كان من جنس مالك: طعاما بطعام، وذهبا بذهب»
(2)
.
وقال عبدالرحمن السعدي
(3)
عند هذه الآية: «جميع ما أمر الشرع باحترامه فمن تجرأ عليه فإنه يقتص منه
…
ومن أخذ مال غيره المحترم أخذ منه بدله»
(4)
.
2 -
قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
(5)
.
وجه الدلالة: أن الله تعالى أجاز لمن وقعت عليه العقوبة في نفس أو مال بغير وجه حق أن يستوفي بدلها بالمثل.
(1)
هو العلامة المفسر محمد بن عبدالله بن محمد، أبو بكر، المشهور بابن العربي، الأندلسي الإشبيلي المالكي، ولد سنة 468 هـ، سمع من جعفر السرّاج والحسين بن علي الطبري وغيرهما، وتفقه على أبي حامد الغزالي وأبي بكر الشاشي وجماعة، وحدث عنه عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الحافظ، والحسن بن علي القرطبي وغيرهما، وكان فصيحا بليغا، برع في فنون العلم، وصنف وجمع مؤلفات عدة منها:"عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي" و"العواصم من القواصم" و"كتاب تفسير القرآن الكريم"، توفي سنة 543 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 198 - 204)، الديباج المذهب (ص 396 - 378).
(2)
أحكام القرآن (1/ 111).
(3)
هو الفقيه المفسر عبدالرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي، ولد سنة 1307 هـ، درس على الشيخ محمد الشبل وعبد الله بن عائض وغيرهما، ومن طلابه: عبد الله العقيل ومحمد العثيمين وعبد الله البسام، له مؤلفات نفيسة منها:"تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" و"القواعد والأصول الجامعة" و"منهاج السالكين في الفقه"، توفي سنة 1371 هـ.
انظر: معجم المؤلفين (2/ 121 - 122)، علماء نجد خلال ثمانية قرون (3/ 218 - 272).
(4)
تيسير الكريم الرحمن (ص 89).
(5)
سورة النحل، الآية [126].
وقد فسرها طائفة من التابعين
(1)
بقولهم: «إن أخذ منك رجل شيئا فخذ منه مثله» .
وقال ابن جرير الطبري
(2)
في تفسير هذه الآية: «في آية محكمة أمر الله تعالى ذكره عباده أن لا يتجاوزوا فيما وجب لهم قبل غيرهم من حق من مال أو نفس»
(3)
.
وقال أبو عبد الله الشوكاني عند تفسيره هذه الآية - بعد أن نقل كلاما لابن جرير الطبري وصوبه -: «لأن الآية وإن قيل إن لها سببا خاصا - كما سيأتي - فالاعتبار بعموم اللفظ»
(4)
.
3 -
قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
(5)
.
وجه الدلالة: أن الله عز وجل بيَّن أن جزاء من عمل عملا سيئاً في بدن أو مال أن يقتصّ منه مثل ما فعل.
قال عبدالرحمن السعدي في تفسيره هذه الآية: «جزاء السيئة سيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص: فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله»
(6)
.
(1)
منهم ابن سيرين، كما في تفسير الطبري (7/ 665)، الدرر المنثور (4/ 256).
(2)
هو: محمد بن جرير بن يزيد، أبو جعفر الطبري، ولد سنة 224 هـ، سمع بندارا ومحمد بن المثنى ويعقوب الدورقي وغيرهم، وحدث عنه أبو القاسم الطبراني وأبو بكر الشافعي والمعلى بن سعيد وخلق كثير، كان من أفراد الدهر علما وذكاء، وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه، منها:"تهذيب الآثار" و"أخبار الأمم وتاريخهم" و"التفسير" وغيرها، توفي سنة 310 هـ.
انظر: تاريخ بغداد (2/ 162)، وفيات الأعيان (4/ 191 - 192)، سير أعلام النبلاء (14/ 267).
(3)
تفسير الطبري (7/ 665).
(4)
فتح القدير للشوكاني (3/ 291) وما بعدها.
(5)
سورة الشورى، الآية [40].
(6)
تيسير الكريم الرحمن (ص 760).
4 -
قال تعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}
(1)
.
وجه الدلالة: أن أحد عمال الملك تكفل بضمان حمل البعير الذي جعل لمن جاء بصواع الملك، وذلك بقوله:{وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} ، وهذا يدل على جواز الضمان.
وقد فسر عبدالله بن عباس
(2)
رضي الله عنهما وغيره من التابعين كلمة {زَعِيمٌ} بالكفيل
(3)
.
وقال أبو عبد الله القرطبي
(4)
: «والزعيم والكفيل والحميل والضمين والقبيل سواء، والزعيم: الرئيس»
(5)
.
(1)
سورة يوسف، الآية [72].
(2)
هو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أبو العباس، القرشي الهاشمي، حبر الأمة وترجمان القرآن، من صغار الصحابة، ولد قبل الهجرة بثلاث في الشعب، حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعلي وغيرهم، روى عنه عكرمة وطاووس ومجاهد وغيرهم، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين وبمعرفة التأويل، توفي سنة 68 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 331)، الإصابة (4/ 90).
(3)
تفسير الطبري (7/ 256 - 257)، الدر المنثور (4/ 51).
(4)
هو العلامة المفسر محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح، أبو عبد الله، الأنصاري الأندلسي القرطبي، سمع من أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي وأبي علي الحسن بن محمد بن محمد البكري وغيرهما، كان من العلماء العباد، شغل وقته بالعبادة والتصنيف، فترك مصنفات عدة منها:"جامع أحكام القرآن" و"التذكرة بأمور الآخرة" و"شرح أسماء الله الحسنى" وغيرها، توفي سنة 671 هـ.
انظر: الديباج المذهب (ص 406 - 407)، شذرات الذهب (5/ 335)، الأعلام (5/ 322).
(5)
الجامع لأحكام القرآن (9/ 151).