الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني: إن العقار يضمن بمجرد حصول العقد، ولو قبل القبض، وهذا قول المالكية
(1)
والمذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم
(2)
.
أدلة القولين و
القول المختار:
هذه المسألة يذكرها أغلب الفقهاء مع مسألة: ضمان الأموال المحضة المنقولة بالعقد، وقد سبق أن ذكرتها في المسألة الأولى من الفرع الأول
(3)
.
لذا فليرجع إلى أدلة تلك المسألة والقول المختار فيها؛ لأن ما ذكرته هناك ينطبق على مسألتنا هذه؛ وذلك تجنبا للتكرار.
المسألة الثانية: هل يتحقق ضمان اليد في الأموال المحضة غير المنقولة كالعقار
؟:
اتفق الفقهاء على أن الأموال المحضة غير المنقولة - كالعقار - تضمن بالإتلاف
(4)
.
واختلفوا في ضمانها باليد على قولين:
القول الأول: إن الأموال غير المنقولة - كالعقار - لا يتحقق فيها الغصب ولا تضمن به. فإن هلك العقار في يده بآفة سماوية لم يضمنه، أما إن أتلفه بفعله ضمنه بالإتلاف، لا بالغصب.
(1)
انظر: الإشراف (2/ 553)، عقد الجواهر الثمينة (2/ 510 - 511)، إيضاح المسالك (ص 119 - 121).
(2)
انظر: الشرح الكبير مع المقنع (11/ 504)، تقرير القواعد (2/ 324)، تحفة أهل الطلب (ص 106).
(3)
كما في صفحة 258.
(4)
انظر: البناية (10/ 223)، مجمع الضمانات (1/ 306)، المغني (7/ 365).
وهذا قول أبي حنيفة
(1)
، والقول الثاني لأبي يوسف
(2)
، ورواية عن أحمد
(3)
.
القول الثاني: إن الأموال غير المنقولة - كالعقار - يتحقق فيها الغصب وتضمن به بمجرد الاستيلاء.
وهذا قول المالكية
(4)
والشافعية
(5)
والمذهب عند الحنابلة
(6)
، وهو قول محمد ابن الحسن
(7)
والقول الأول لأبي يوسف
(8)
، وقول الظاهرية
(9)
.
دليل القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بأن الغصب إثبات اليد بإزالة يد المالك بفعل في العين المغصوبة، وهذا لا يتصور في العقار؛ لأن يد المالك لا تزول إلا بإخراج
(1)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (4/ 176)، رؤوس المسائل (ص 354)، الهداية مع فتح القدير (8/ 250 - 252)، إيثار الإنصاف (ص 491 - 493)، البناية (10/ 222 - 225)، البحر الرائق (8/ 126)، الدر المختار مع حاشيته (6/ 186)، مجمع الضمانات (1/ 305 - 307، 243).
(2)
انظر: المراجع السابقة
(3)
انظر: المغني (7/ 364 - 365)، تقرير القواعد (2/ 324)، الإنصاف مع المقنع (15/ 114 - 115).
(4)
انظر: الإشراف (2/ 630)، المعونة (2/ 1214)، بداية المجتهد (2/ 387)، الذخيرة (8/ 285)، حاشية الدسوقي (3/ 443)، منح الجليل (7/ 80 - 81).
(5)
انظر: الأم (3/ 249 - 250)، التهذيب للبغوي (4/ 320)، العزيز (5/ 405 - 406)، روضة الطالبين (5/ 7 - 8)، مختصر خلافيات البيهقي (3/ 417)، مغني المحتاج (2/ 275 - 276).
(6)
انظر: المغني (7/ 364 - 365)، تقرير القواعد (2/ 324)، الإنصاف مع المقنع (15/ 114 - 115)، منتهى الإرادات (1/ 363)، تحفة أهل الطلب (ص 106).
(7)
انظر: الهداية مع فتح القدير (8/ 250 - 251)، إيثار الإنصاف (ص 491)، البناية (10/ 223).
(8)
انظر: المراجع السابقة.
(9)
انظر: المحلى (6/ 441 - 442).
المالك عن العقار، وهذا الإخراج فعل في المالك لا في العقار، فانتفى إزالة اليد، كما إذا بَعُد المالك عن المواشي
(1)
.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من المنقول والمعقول، هي كما يلي:
1 -
قال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}
(2)
.
وجه الدلالة: إن غاصب العقار ظالم؛ فعليه كل سبيل؛ لأن الألف واللام للعموم
(3)
.
2 -
عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ شبراً من الأرض ظلما فإنه يطوقه
(4)
يوم القيامة من سبع أرضين). وفي لفظ آخر: (من ظلم من
(1)
انظر: رؤوس المسائل (ص 355)، بدائع الصنائع (7/ 146)، الهداية مع فتح القدير (8/ 252 - 253)، البحر الرائق (8/ 126).
(2)
سورة الشورى، الآية [42].
(3)
انظر: الذخيرة (8/ 285).
(4)
ذكر العلماء في معنى (طوقه) خمسة أوجه:
الأول: أن يكلف الظالم نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر، ويكون كالطوق في عنقه، لا أنه طوق حقيقة.
الثاني: أن يكون معناه كالأول، لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه طوقا، ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك.
الثالث: أن يعاقب الظالم بالخسف إلى سبع أرضين، فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه.
الرابع: أن يكلف الظالم بجعل ما غصبه طوقا، ولا يستطيع ذلك، فيعذب بذلك.
الخامس: أن يكون التطويق تطويق الإثم. فيكون الظلم المذكور لازما له في عنقه لزوم الإثم.
قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكرها: «ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية أو تنقسم على أصحاب هذه الجناية، فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها» .
انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 143 - 144)، فتح الباري (5/ 125).
الأرض شيئاً طوقه من سبع أرضين). وفي لفظ: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين)
(1)
.
3 -
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسفت به يوم القيامة إلى سبع أرضين)
(2)
.
وجه الدلالة من الحديثين السابقين: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الأرض تؤخذ بغير حق، فدل هذا على أنها تغصب؛ لأن الغصب هو أخذ الشيء بغير حقه ظلما
(3)
.
4 -
لأن غصب العقار قد تحقق فيه إثبات اليد، ومن ضرورته زوال يد المالك؛ لاستحالة اجتماع اليدين على محل واحد، فيتحقق الوصفان: إزالة يد المالك وإثبات يد الغاصب، وهو الغصب، فصار كالمنقول وجحود العارية
(4)
.
5 -
لأن كل معنى يضمن به ما ينقل ويحول من الأعيان، فإنه يضمن به ما لا ينقل ولا يحول، كالقبض في البيع
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المظالم والغصب، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض (2/ 193) برقم (2452)، وكتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين (2/ 420) برقم (3198)، ومسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (3/ 1230 - 1231) برقم (1610).
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 119): «لم يروه أحد منهم بلفظ: (من غصب)، نعم في الطبراني من حديث وائل بن حجر: (من غصب رجلا أرضا لقي الله وهو عليه غضبان» .
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المظالم والغصب، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض (2/ 193) برقم (2454).
(3)
انظر: المحلى (6/ 442)، فتح الباري (5/ 126).
(4)
انظر: الهداية مع فتح القدير (8/ 251).
(5)
انظر: الإشراف (2/ 630)، المعونة (2/ 1214)، التهذيب للبغوي (4/ 320)، المغني (7/ 634).