‌الفرع الثاني: في تقييد القاعدة: - القواعد والضوابط الفقهية في الضمان المالي

الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)

(1)

.

وجه الدلالة من هذه الآيات والأحاديث: دلّت هذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية الشريفة على رفع الإثم عن المخطئ والناسي والمكره

(2)

.

والجاهل يأخذ حكم المخطئ والناسي والمكره؛ لوجود العذر في كل

(3)

. والله تعالى أعلم.

‌

‌الفرع الثاني: في تقييد القاعدة:

ذكرت في الفرع الأول اتفاق العلماء على صحة القاعدة، وهو أن من أتلف شيئاً وهو عالم به وجب عليه الضمان وحلَّ عليه الإثم، أما إذا كان جاهلا به فإن الضمان يجب عليه وينتفي عنه الإثم.

غير أن بعض العلماء قيَّد هذه القاعدة - (لا فرق في ضمان المتلف بين العلم والجهل) - بحقوق الآدميين، أما حقوق الله فإن ثمة فرقاً بين العلم والجهل في ضمان المتلفات، فمن كان عالما وجب عليه الضمان وحلَّ عليه الإثم، ومن كان جاهلا سقط عنه الضمان والإثم.

وممن ذهب إلى هذا التقييد العلامة عبد الرحمن السعدي حيث يقول: «وليس فيه - أي إتلاف المحرم للصيد - إتلاف مال آدمي حتى يستوي عمده وسهوه، وإنما الحق كله لله، وحقه تعالى بني على المسامحة والمساهلة»

(1)

.

وقال أيضا: «والفرق بينه وبين أموال الآدميين: أن الحق في قتل الصيد للمحرم لله، والإثم مترتب على القصد، فكذلك الجزاء»

(2)

.

وقال أيضا: «وليس في ذلك إتلاف حق آدمي حتى يقال فيه: والإتلاف يستوي فيه المتعمد وغيره، وإنما ذلك في أموال الآدميين ونفوسهم، وأما في حقوق الله فإنه يترتب على الإثم. والله أعلم»

(3)

.

وتبعه في ذلك تلميذه العلامة محمد العثيمين، حيث يقول في منظومته في القواعد الفقهية وأصوله:

والإثم والضمان يسقطان

…

بالجهل والإكراه والنسيان

إن كان ذا في حق مولانا ولا

…

تسقط ضمانا في حقوق للملا

(4)

وقال أيضا: «إن الإتلاف الذي يستوي فيه العمد وغيره هو ما كان في حق الآدمي»

(5)

.

ومن أجل الكشف عن مدى صحة هذا التقييد، رأيت أن أبحث مسألة من فروع هذه القاعدة المتعلقة بحقوق الله جلّ وعلا؛ لنتعرف على أقوال الفقهاء في