الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى: إذا صال صائل على إنسان فقتله المصول عليه فهل يضمن المصول عليه الصائل
؟:
اتفق الفقهاء على أن المكلف الحر أو العبد إذا صال على إنسان فقتله المصول عليه فإنه لا يضمنه
(1)
.
واختلفوا فيما إذا كان الصائل غير مكلف - كالصبي والمجنون والدابة - على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يضمنه، وهو قول المالكية
(2)
والشافعية
(3)
والصحيح من مذهب الحنابلة؛ عليه أصحابهم
(4)
، وهو قول الظاهرية
(5)
.
القول الثاني: أنه يجب عليه ضمان الصبي والمجنون بالدية، والدابة بالقيمة،
(1)
إلا أن الحنفية استثنوا ما إذا شهر عليه الصائل عصا -لا سلاحا- في مصر نهارا؛ فإذا قتله المشهور عليه فإنه يقتل به. انظر: إيثار الإنصاف (ص 803)، بدائع الصنائع (7/ 92)، حاشية رد المحتار (6/ 546)، المعونة (3/ 1369)، الفروق للقرافي (4/ 185)، منح الجليل (9/ 368)، كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1105)، فتح الباري (12/ 232) الإقناع (2/ 602)، المحلى (6/ 442 - 443).
(2)
واشترط المالكية أن يقيم المصول عليه بينة على أنه صال عليه؛ فإن لم يقم بينة فإنه يضمن.
انظر: الإشراف (2/ 837)، المعونة (3/ 1369)، تبصرة الحكام (2/ 250)، منح الجليل (9/ 368).
(3)
انظر: كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1105)، العزيز (11/ 312)، روضة الطالبين (10/ 186)، مغني المحتاج (4/ 194).
(4)
انظر: المغني (12/ 530)، الإنصاف (15/ 343 - 344، 27/ 37) الإقناع (2/ 602).
(5)
انظر: المحلى (6/ 442 - 443).
وهو مذهب الحنفية سوى أبي يوسف
(1)
(2)
، وقول للحنابلة مخرّج على وجوب ضمان الصيد الصائل على المحرِم
(3)
.
القول الثالث: أنه يجب على المصول عليه أن يدفع قيمة الحيوان فقط، ولا يدفع دية الصبي والمجنون، وهو قول أبي يوسف من الحنفية
(4)
.
أدلة القول الأول:
استدلّ أصحاب القول الأول بأدلة من المنقول والمعقول، وهي كالتالي:
1 -
قال تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}
(5)
.
وجه الدلالة: أن من دافع عن نفسه أو ماله أو عرضه فهو محسن في ذلك،
(1)
هو الفقيه القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، أبو يوسف الأنصاري الكوفي، صاحب أبي حنيفة، ولد سنة 113 هـ، حدث عن هشام بن عروة وعطاء بن السائب والأعمش، ولزم أبا حنيفة وتفقه عليه وغلب عليه الرأي، وحدث عنه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وأسد بن الفرات وغيرهم، كان هو المقدم من أصحاب أبي حنيفة وأول من وضع الكتب على المذهب وأملى المسائل ونشرها، وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض، وله مؤلفات منها: الأمالي والنوادر، وكتاب الخراج وغيرهما، توفي سنة 182 هـ.
انظر: وفيات الأعيان (6/ 387 - 390)، سير أعلام النبلاء (8/ 535)، الفوائد البهية في تراجم الحنفية (ص 225).
(2)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (5/ 210)، رؤوس المسائل (ص 506)، الهداية مع البناية (12/ 134)، حاشية رد المحتار (6/ 545 - 546).
(3)
انظر: الإنصاف (15/ 343 - 344، 27/ 37).
(4)
انظر: الهداية مع البناية (12/ 134)، البحر الرائق (8/ 344).
(5)
سورة التوبة، الآية [91].
فوجب أن لا يكون عليه سبيل في غرم
(1)
.
2 -
قال تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}
(2)
.
وجه الدلالة: أن المصول عليه مظلوم، فإذا انتصر لنفسه أو ماله أو عرضه بقتل الصائل فليس عليه سبيل من غرم دية الصائل أو قيمته.
نوقش: بأن غير المكلف لا ينسب إليه ظلم.
وأجيب: بأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه؛ فصار الدافع مظلوما وإن لم ينسب إلى المدفوع - برفع القلم عنه - ظلم
(3)
.
3 -
عن عبدالله بن الزبير
(4)
رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهر سيفه ثم وضعه فهو هدر)
(5)
.
(1)
انظر: الإشراف (2/ 837)، كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1107)، المحلى (6/ 444).
(2)
سورة الشورى، الآية [41].
(3)
انظر: كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1108).
(4)
هو الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو بكر وأبو خبيب القرشي الأسدي المكي ثم المدني، كان أول مولود للمهاجرين بالمدينة، ولد سنة اثنتين، وقيل غير ذلك، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه وجده لأمه أبي بكر الصديق وغيرهم، وحدث عنه أخوه عروة بن الزبير وعبيدة السلماني وغيرهما، كان فارسا شجاعا، له مواقف مشهودة، بويع بالخلافة عند موت يزيد بن معاوية سنة أربع وستين، لكن لم يستوثق له الأمر، قتل بمكة في جمادى الآخرة سنة 73 هـ.
انظر: أسد الغابة (3/ 242)، سير أعلام النبلاء (3/ 363).
(5)
أخرجه النسائي في سننه: كتاب تحريم الدم - باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس (7/ 133 - 134) برقم (4108)، والطبراني في الأوسط (8/ 76)، والحاكم في المستدرك (2/ 171)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 21)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 456): وهو كما قالا.
وجه الدلالة: معنى الحديث أن من سلّ سيفه ثم وضعه في الناس يضربهم به فدمه هدر، فلا دية ولا قصاص بقتله.
والحديث وإن كان صريحا في الآدمي إلا أنه يشمل الحيوان من باب أولى؛ لأن حرمة الآدمي أعظم من حرمة الحيوان
(1)
.
4 -
عن سعيد بن زيد
(2)
رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)
(3)
.
5 -
عن عبدالله بن عمرو
(4)
رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(1)
انظر: المعونة (3/ 1369).
(2)
هو الصحابي الجليل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، أبو الأعور القرشي العدوي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين البدريين، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، شهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، له أحاديث يسيرة، روى عنه ابن عمر وأبو الطفيل وعروة بن الزبير وغيرهم، توفي رضي الله عنه سنة 51، وقيل غير ذلك، ودفن بالمدينة.
انظر: الاستيعاب (4/ 186)، حلية الأولياء (1/ 95)، سير أعلام النبلاء (1/ 124).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (1/ 190) وأبو داود في سننه: كتاب السنة، باب في قتال اللصوص (5/ 128 - 129) برقم (4772)، والترمذي في سننه: كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد (4/ 22) برقم (1421)، والنسائي في سننه: كتاب التحريم، باب من قاتل دون دينه (7/ 132 - 133) برقم (4106)، وابن ماجه في سننه: كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد (3/ 238 - 239) برقم (2580)، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/ 164).
(4)
هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي، كنيته: أبومحمد عند الأكثر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وعن أبي الدرداء ومعاذ وغيرهم، حدث عنه من الصحابة: أبو أمامة والمسور والسائب بن يزيد وغيرهم، توفي سنة 65 هـ وقيل غير ذلك.
انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 80)، الإصابة (4/ 111 - 112).
(من قتل دون ماله فهو شهيد)
(1)
.
6 -
عن أبي هريرة
(2)
رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال:(فلا تعطه مالك)، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد)، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار)
(3)
.
وجه الدلالة: إن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن في هذه الأحاديث جواز قتل الصائل، وأنه إن قتل ففي النار، وأن المصول عليه إن قتل فهو شهيد، وهذا يعني أن دم الصائل هدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح دمه.
7 -
عن يعلى بن أمية
(4)
رضي الله عنه قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، فكان
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المظالم والغصب، باب من قاتل دون ماله (2/ 202) برقم (2480)، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره لغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه (1/ 125 - 126) برقم (141).
(2)
هو الصحابي الجليل أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني، هو أكثر الصحابة رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مقدمه وإسلامه في أول سنة سبع عام خيبر، حدث عنه خلق كثير منهم: أنس بن مالك وسعيد بن المسيب والأعرج، توفي سنة (60 هـ)، وقيل غير ذلك.
انظر: الطبقات الكبرى (2/ 276 - 278)، معجم الصحابة (2/ 194 - 195)، سير أعلام النبلاء (2/ 578 - 632).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه (1/ 124) برقم (140).
(4)
هو الصحابي الجليل يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث التميمي الحنظلي، قيل: كنيته أبو خلف، وقيل: أبو خالد، وقيل: أبو صفوان، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعتبة بن أبي سفيان، وروى عنه: عطاء ومجاهد وغيرهما، استعمله أبو بكر وعمر وعثمان، قيل: مات سنة 47 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر: تهذيب الكمال (32/ 378)، سير أعلام النبلاء (3/ 100)، الإصابة (6/ 353).
من أوثق أعمالي في نفسي، فكان لي أجير، فقاتل إنسانا فعض أحدهما إصبع صاحبه، فانتزع إصبعه فأندر ثنيته فسقطت، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته، وقال:(أفيدع إصبعه في فيك تقضمها؟) - قال أحسبه قال:- (كما يقضم الفحل)
(1)
.
8 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرءا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)
(2)
.
وجه الدلالة: إن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر عين وثنية الصائلين، والحديثان - وإن جاءا في حق الآدمي - فإنهما لا يدلان على تخصيص الحكم بالآدمي، بل إنه يشمل الحيوان الصائل.
9 -
إنه إتلاف بدفع مباح فوجب أن يسقط فيه الضمان قياسا على قتل البالغ العاقل المكلف
(3)
.
نوقش: بأن المعنى في المكلف أنه قد أباح قتل نفسه بالطلب، ولا يصح من غير المكلف إباحة نفسه بالطلب؛ لأنه لا حكم لقصده
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإجارة، باب الأجير في الغزو (2/ 131) برقم (2265)، وكتاب الجهاد والسير، باب الأجير (2/ 351 - 352) برقم (2973)، وفي كتاب الديات، باب إذا عضّ رجلا فوقعت ثناياه (4/ 271) برقم (6892)، ومسلم في صحيحه: كتاب القسامة، باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه (3/ 1300) برقم (1673).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية له (4/ 274) برقم (6902)، ومسلم في صحيحه: كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره (3/ 1699) برقم (2158).
(3)
انظر: روؤس المسائل (ص 506)، الإشراف (2/ 837)، كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1108)، المغني (12/ 530).
(4)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (5/ 211)، كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1108).
وأجيب: بأن افتراقهما من هذا الوجه لما لم يمنع من استوائهما في إباحة القتل لم يمنع من استوائهما في سقوط الضمان
(1)
.
10 -
إن البهيمة المملوكة الصائلة إذا قتلها المصول عليه فإنها لا تضمن قياسا على قتل الصيد إذا صال على محرم، فإنه لا يضمن الجزاء.
نوقش: بأن قتل الصيد في الإحرام مضمون في حق الله تعالى، فكان أخف حكما من المضمون في حقوق الآدميين.
وأجيب: بأنه لما لم يمنع هذا من استوائهما في وجوب الضمان إذا اضطر إلى إتلافهما لشدة جوعه، لم يمنع من استوائهما في سقوط الضمان إذا قتلهما للدفع عن نفسه
(2)
.
11 -
إن حرمة الآدمي أغلظ من حرمة البهيمة؛ لضمان نفسه بالكفارة والدية، وانفراد ضمان البهيمة بالقيمة. فلما سقط بالدفع ضمان الأغلظ كان أولى أن يسقط به ضمان الأخف
(3)
.
12 -
إنه قتل مباح بسبب كان من المقتول، فوجب أن يكون هدرا كالقتل بالردة والزنا
(4)
.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني بأدلة من المنقول والمعقول، وهي كما يلي:
(1)
انظر: كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1108).
(2)
انظر: كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1109).
(3)
انظر: المعونة (3/ 1369)، كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1109).
(4)
انظر: كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1109).
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العجماء
(1)
جرحها جبار
(2)
)
(3)
.
وجه الدلالة: دلّ الحديث أن البهيمة لو أتلفت شيئاً وليس معها صاحبها كان هدرا؛ لأن البهيمة لا قصد لها، فإذا بطل قصدها سقط حكم الصول فيها، فصار كالقاتل لها بغير صول، فوجب عليه الضمان
(4)
.
نوقش هذا الاستدلال من وجهين
(5)
:
(أ) إنه ينتقض بصول الصيد على المحرم؛ لأنه يسقط به الجزاء، ولا يسقط عنه لو لم يَصُل.
(ب) إنه لما حلّ قتله بصول ولم يحل إذا لم يصل دلّ على سقوط الضمان بصوله ووجوبه إذا لم يصل.
(1)
العجماء: البهيمة، سميت به لأنها لا تتكلم، وكل ما لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم. انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 187)، القاموس المحيط (ص 1466).
(2)
جبار: هدر وباطل، والجبار من الدم: الهدر الذي لا يضمن، ويطلق على
…
البريء، فيقال: أنا منه جبار. انظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 263)، لسان العرب (4/ 113 - 117).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الديات، باب المعدن جبار والبئر جبار (4/ 276) برقم (6912)، ومسلم في صحيحه: كتاب الحدود، باب جرح العجماء جبار والمعدن والبئر جبار (3/ 1334) برقم (1710).
(4)
انظر: رؤوس المسائل (ص 506)، إيثار الإنصاف (ص 803 - 804)، كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1107).
(5)
انظر: كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1110).
2 -
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»
(1)
.
وجه الدلالة: إن هذا الحيوان الصائل الذي قُتِل مالٌ مستهلَك على صاحبه بغير طيب نفس منه، فاقتضى أن يكون مضمونا على مستهلِكه
(2)
.
نوقش هذا الاستدلال من وجهين:
(أ) إن هذا المال وإن استهلك على صاحبه بغير طيب نفس منه إلا أنه مأذون به شرعا، وفي الإذن بالقتال والضمان منافاة
(3)
.
(ب) إننا نقلب هذا الدليل عليكم فنقول: تضمين المصول عليه دية الصائل أو قيمته هو مال لم تطب نفس المصول عليه به، فاقتضى أن لا يؤخذ منه
(4)
.
3 -
إنه أتلف مال غيره بغير إذنه لإحياء نفسه، فكان عليه ضمانه كالمضطر إلى طعام غيره إذا أكله
(5)
.
نوقش: بأنه فارق المضطر. فإن الطعام لم يلجئه إلى إتلافه ولم يصدر منه
…
ما يزيل عصمته، ولهذا لو قتل المحرم صيدا لصياله لم يضمنه، ولو قتله
(1)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 72)، وأبو يعلى في مسنده (3/ 140)، والدارقطني في سننه (3/ 26)، والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الغصب، باب من غصب لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارا (6/ 100)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 172):«وأبو حرة وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين» ، واعتمد ابن حجر في التقريب (1/ 250) الأول؛ فقال: ثقة، وقواه الألباني بشواهده كما في الإرواء (5/ 279).
(2)
انظر: إيثار الإنصاف (ص 803)، كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1106 - 1107).
(3)
انظر: مغني المحتاج (4/ 195).
(4)
انظر: كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1108).
(5)
انظر: المرجع السابق (2/ 1107)، المغني (12/ 530).
لاضطراره إليه ضمنه، ولو قتل المكلف لصياله لم يضمنه، ولو قتله ليأكله في المخمصمة وجب القصاص، وغير المكلف كالمكلف في هذا
(1)
.
4 -
إن غير المكلف لا يملك إباحة نفسه؛ ولذلك لو ارتدّ لم يقتل.
نوقش: بأن المكلف كذلك لا يملك إباحة دمه، ولو قال:(أبحت دمي) لم يبح، ولكنه إذا صال فقد أبيح دمه بفعله، فيجب أن يسقط ضمانه كالمكلف
(2)
.
5 -
إن المصول عليه أتلف مال غيره بغير إذن مالكه، فيكون مضمونا عليه كما لو أتلفه قبل الصول
(3)
.
نوقش: بأن هناك فرقا كبيرا بين الحيوان قبل صوله وبعده: فالحيوان قبل الصول معصوم الدم بخلاف الحيوان بعد الصول، فإنه مباح الدم. فلما اختلفا في إباحة الدم اختلفا أيضا في سقوط الضمان.
دليل القول الثالث:
إن فعل الدابة غير معتبر أصلا حتى لو تحقق الفعل فإنه لا يوجب الضمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العجماء جرحها جبار)
(4)
، أما فعل الصبي والمجنون فإنه معتبر في الجملة بحيث لو حققا الفعل فإنه يجب عليهما الضمان.
وكذلك عصمة الصبي والمجنون لحقّ أنفسهما لا لحق الغير، وعصمة الدابة لحقّ مالكها، فكان فعل الصبي والمجنون مسقطا للعصمة لأن المصول عليه في
(1)
انظر: كتاب الحدود من الحاوي (2/ 1109 - 1110)، المغني (12/ 530 - 531).
(2)
انظر: المغني (12/ 530 - 531).
(3)
انظر: رؤوس المسائل (ص 506).
(4)
سبق تخريجه صفحة 114.