الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: ضعف الاستدلال بأدلة الأقوال الأخرى وعدم سلامتها من الاعتراض.
المطلب الخامس
في كيفية ضمان المرتهن للرهن
إذا هلك المال المرهون في يد المرتهن، ووجب الضمان على المرتهن، فإن الفقهاء اختلفوا في كيفية ضمانه:
القول الأول: أن الرهن يضمن بالأقل من قيمته ومن الدين؛ فإذا هلك في يد المرتهن وقيمته مساوية للدين صار المرتهن مستوفيا لدينه، ولم يرجع أحدهما على الآخر، وإن كانت قيمة الرهن أكثر سقط مقدار الدين من قيمة الرهن، وما زاد على الدين فهو أمانة في يد المرتهن لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، وإن كانت قيمة الرهن أقل من الدين سقط من الدين بقدره، ورجع المرتهن بالباقي من الدين على الراهن.
وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
القول الثاني: أن الرهن مضمون بقيمته؛ فإذا هلك في يد المرتهن وقيمته مساوية للدين صار المرتهن مستوفيا لدينه، ولم يرجع أحدهما على الآخر، وإن كانت قيمة الرهن أكثر سقط مقدار الدين من قيمة الرهن، وردّ على الراهن الزيادة عن الدين، وإن كانت قيمة الرهن أقل من الدين سقط من الدين بقدره، ورجع المرتهن بما بقي من الدين على الراهن.
(1)
انظر: رؤوس المسائل (ص 303)، الهداية مع فتح القدير (9/ 75 - 76)، الاختيار (2/ 78).
وهذا قول المالكية
(1)
وزفر
(2)
من الحنفية
(3)
.
القول الثالث: إذا تلف الرهن في يد المرتهن، ولزمه الضمان، فإنه يضمنه بقيمته، ويبقى الدين ثابتا في ذمة الراهن لا يسقط منه شيء.
وهذا مذهب الشافعية
(4)
والحنابلة
(5)
.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1 -
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في الرجل يرتهن الرهن فيضيع، قال:«إن كان أقل مما فيه يرد عليه تمام حقه، وإن كان أكثر فهو أمين»
(6)
.
(1)
انظر: الإشراف (2/ 583)، الكافي لابن عبد البر (ص 413)، المقدمات الممهدات (2/ 367 - 368).
(2)
هو الفقيه العالم أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، ولد سنة 110 هـ، صحب أبا حنيفة وأخذ عنه، وكان ثقة موصوفا بالعبادة، وكان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي، وكان أقيس أصحاب أبي حنيفة، ولي قضاء البصرة، توفي سنة 158.
انظر: الجواهر المضية (2/ 207 - 209)، تاج التراجم (ص 169 - 170)، مفتاح السعادة (2/ 224).
(3)
انظر: الهداية مع فتح القدير (9/ 75).
(4)
انظر: الوجيز (1/ 166)، روضة الطالبين (4/ 96)، الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 306)، مغني المحتاج (2/ 137).
(5)
انظر: الفروع (4/ 228 - 229)، المبدع (4/ 228)، الإنصاف مع المقنع (12/ 439).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 335)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 103)، وابن حزم في المحلى (6/ 375 - 376)، والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الرهن، باب من قال: الرهن مضمون (6/ 43). وقال ابن حزم: «فأما عمر فلم يصح عنه ذلك؛ لأنه من رواية عبيد بن عمير، وعبيد لم يولد إلا بعد موت عمر، أو أدركه صغيراً لم يسمع منه شيئاً» ، وقال البيهقي: هذا ليس بمشهور عن عمر.
وجه الدلالة: أن هذا الأثر واضح الدلالة على المسألة.
نوقش: بأن هذا الأثر ضعيف كما جاء في تخريجه في الحاشية.
2 -
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «إذا كان الرهن أكثر مما رهن به فهلك؛ فهو بما فيه؛ لأنه أمين في الفضل، وإذا كان أقل مما رهن به فهلك ردّ الراهن الفضل»
(1)
.
وجه الدلالة: أن هذا الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه واضح الدلالة على المسألة.
نوقش هذا الأثر: بأنه معارض بما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الرهن: «يترادان الفضل، فإن أصابته جائحة برئ»
(2)
، فصح أن علي بن أبي طالب لم ير تراد الفضل إلا فيما تلف بجناية المرتهن، لا فيما أصابته جائحة، بل رأى البراءة له مما أصابته جائحة
(3)
.
3 -
(4)
.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 334)، وعبد الرزاق في مصنفه (8/ 239).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 239)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 334)، وابن حزم في المحلى (6/ 376).
(3)
المحلى (6/ 376).
(4)
الهداية مع فتح القدير (9/ 75 - 76).