الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حالة دفاع، وأما فعل الدابة فغير مسقط للعصمة لأن المصول عليه في حالة ضرورة ملجئة.
نوقش: بأن هذا تفريق بغير دليل.
وقد سبق الرد عليه في الدليل الأول والأخير من أدلة القول الثاني.
القول المختار:
بعد عرض أقوال أهل العلم في هذه المسألة بأدلتها والاعتراضات الواردة عليها، يظهر لي - والعلم عند الله تعالى - اختيار القول الأول، وهو أنه لا يجب على المصول عليه ضمان الصائل غير المكلف؛ وذلك للأسباب التالية:
1 -
قوة أدلة القول الأول، وسلامتها من الاعتراضات.
2 -
ضعف أدلة القولين الآخرين.
المسألة الثانية: إذا صال صائل على إنسان فقتله شخص آخر غير المصول عليه، فهل يضمن هذا الشخص
ذلك الصائل؟:
القول الأول: لا يلزمه الضمان، وهو مذهب المالكية
(1)
والشافعية
(2)
وقول لبعض الحنابلة
(3)
، وهو قول الظاهرية
(4)
.
القول الثاني: يجب عليه الضمان، وهو مذهب الحنابلة
(5)
.
(1)
انظر: الفروق (4/ 183)، منح الجليل (9/ 368).
(2)
انظر: روضة الطالبين (10/ 186)، فتح الباري (12/ 339)، مغني المحتاج (4/ 194 - 196).
(3)
انظر: تقرير القواعد (1/ 209 - 210)، الإنصاف (15/ 343).
(4)
انظر: المحلى (6/ 444).
(5)
انظر: تقرير القواعد (1/ 210)، الإنصاف (15/ 343).
القول الثالث: لا يلزمه الضمان إذا كان الصائل مكلفا، ويجب الضمان إذا كان الصائل غير مكلف، وهو مذهب الحنفية
(1)
.
القول الرابع: إنه إن قتله دفعا عن ولده ونسائه لم يضمن، وإن قتله دفعا عن غير ولده ونسائه ضمن، وهو قول لبعض الحنابلة
(2)
.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بالكتاب والسنة، وذلك كما يأتي:
1 -
قال تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}
(3)
.
وجه الدلالة: أن من قتل الصائل دفاعا عن نفس أخيه أو ماله أو عرضه فقد عمل عملاً مأموراً به، وهو نصرة المظلوم، ومن فعل ما أمر به فهو محسن في ذلك، فوجب أن لا يكون عليه سبيل في غرم
(4)
.
2 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوماً)، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما، قال:(تأخذ فوق يديه)، وفي لفظ قال:(تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره)
(5)
.
(1)
انظر: تبيين الحقائق (6/ 110)، حاشية رد المحتار (6/ 545 - 546).
(2)
انظر: الإقناع (2/ 602).
(3)
سورة التوبة، الآية [91].
(4)
انظر: المحلى (6/ 444).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المظالم والغصب، باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما (2/ 190) برقم (2444)، وفي كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه (4/ 287) برقم (6952).
3 -
عن سهل بن حنيف
(1)
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أذلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة)
(2)
.
4 -
عن أبي سعيد الخدري
(3)
رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
(4)
.
وجه الدلالة: من هذه الأحاديث الثلاثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنصرة المظلوم، ولو أدى ذلك إلى قتل الظالم، كما أمر بإنكار المنكر على المستطيع باليد، وهذا
(1)
هو الصحابي الجليل سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم الأنصاري الأوسي العوفي، قيل: كنيته أبو ثابت، وقيل غير ذلك، شهد بدراً، وثبت يوم أحد، وشهد غيرهما من المشاهد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زيد بن ثابت، وروى عنه: ابناه أبو أمامة وعبد الله وابن أبي ليلى وغيرهم، مات بالكوفة سنة 38 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (2/ 325)، الإصابة (3/ 139).
(2)
أخرجه أحمد في مسنده (3/ 487)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 267):«وفيه ابن لهيعة؛ وهو حسن الحديث وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات» .
(3)
هو الصحابي الجليل سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة، أبو سعيد الخدري الأنصاري الخزرجي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وغيرهم، وحدث عنه ابن عمر وجابر وأنس وآخرون، كان من فقهاء الصحابة ومن المجاهدين، شهد الخندق وبيعة الرضوان، مات سنة 74 هـ وقيل غير ذلك.
انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 168)، والإصابة (3/ 85).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (1/ 69) برقم (49).
يقتضي عدم الضمان على المنكر وعلى من نصر المظلوم؛ وذلك لوجود المنافاة بين الأمر بنصرة المظلوم ودفع الظالم وإنكار المنكر مع وجوب الضمان
(1)
.
دليل القول الثاني:
لم أجد - حسب بحثي - من ذكر لهم دليلا، إلا أنه يمكن أن يستدل لهم بالقياس على المسألة الأولى، وذلك فيما لو كان الصائل غير مكلف كالصبي والمجنون والدابة؛ فقتله المصول عليه فإنه يجب عليه الضمان عند الحنفية سوى أبي يوسف، وهو قول مخرج للحنابلة.
ويمكن مناقشته: بأنه قد تبين ضعف هذا القول وأدلته كما في المسألة الأولى.
دليل القول الثالث:
لم أجد - حسب ما وقفت عليه - دليلا لهم على هذا التفريق.
دليل القول الرابع:
لم أجد - حسب ما وقفت عليه - من ذكر لهم دليلا.
القول المختار:
القول المختار في هذه المسألة - والعلم عند الله تعالى - هو القول الأول، وهو أنه لا يجب عليه الضمان؛ لصحة أدلته وسلامتها من الاعتراضات؛ ولعدم وجود أدلة للأقوال الأخرى.
وبعد الانتهاء من دراسة هاتين المسألتين يتبين لنا أن الشق الأول من القاعدة صحيح بخلاف الشق الثاني منها، فإنه غير صحيح. والله تعالى أعلم.
(1)
انظر: مغني المحتاج (4/ 195)، نهاية المحتاج (8/ 24).