الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الرابع: في بيان خطأ لفظي في بعض صيغ القاعدة:
جاء في بعض صيغ القاعدة اشتراط التعمد في وجوب الضمان على المتلف المتسبب، كما في صيغة ابن نجيم
(1)
ومجلة الأحكام العدلية
(2)
، وهذا خطأ واضح؛ إذ التعمد ليس بشرط في وجوب الضمان على المتلف المتسبب - كما بينت ذلك في الفرع السابق -، وإنما يشترط التعدي لوجوب الضمان على المتلف المتسبب - كما سبق -، وكما جاء في بعض الصيغ الأخرى.
(3)
.
وقد نبه على هذا الخطأ الأستاذ مصطفى الزرقا حيث يقول: «جاء في المجلة (م/93): (المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد)، لكن الفروع الفقهية تفيد أن كلا من المباشرة والتسبب في ضرر الغير موجب للضمان متى وجد فيه التعدي
…
سواء أقصد الفاعل الفعل أو الضرر .. أم لم يقصد، فلو صاح المجنون بدابة أحد حتى جفلت وأضرت بمال أو نفس كان ضامنا في ماله وإن لم يستحق عقوبة، مع أنه في ذلك متسبب تسببا وليس مباشرا، ولا يعتبر له قصد إلى فعل
…
أو ضرر، يتضح من ذلك أن التعبير بلفظ التعمد الوارد في المجلة (م/93) إنما المراد به معنى التعدي لا معنى القصد، وهو تعبير غير سديد .. لأنه موهم»
(4)
.
(1)
انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 243).
(2)
انظر: شرح المجلة (ص 60)، درر الحكام (1/ 94)، شرح القواعد الفقهية (ص 455).
(3)
الفعل الضار (ص 77). وانظر: المراجع السابقة.
(4)
الفعل الضار (ص 76 - 77). وانظر: المدخل الفقهي للزرقاء (2/ 1046 - 1047).
وتبعه على ذلك كل من:
أولاً: الدكتور وهبة الزحيلي حيث يقول: «والأصح أن يقال في هذه القاعدة - كما ذكرنا فيما قبلها -: (إلا بالتعدي)؛ وذلك لأن شرط تضمين المتسبب هو وجود التعدي، سواء أكان بقصد أم لا»
(1)
.
ثانياً: الدكتور محمد سراج حيث يقول: «وعلى الرغم من وضوح اعتبار الخطأ والإهمال والتقصير في وجوب الضمان، فقد أخطأ القائمون على مجلة الأحكام العدلية خطأ جوهريا في فهم الأصول العامة للضمان، حين نصوا على اشتراط التعمد في التسبب لإيجاب الضمان، فقد جاء في المادة (92) من هذه المجلة أن (المباشر ضامن وإن لم يتعمد)، وفي المادة (93) أن (المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد)، ويفيد الحصر بالنفي و (إلا) في المادة الأخيرة أن المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد، وهو خلاف ما يدل عليه واجب العناية بحقوق الغير في الشريعة، كما أنه يناقض الحكم بالضمان في كثير من الفروع الفقهية التي ذكرها علماء المذهب الحنفي أنفسهم، كما في ضمان الحداد والموقد للنار في ملكه مما سبق ذكره قبل قليل.
وهناك احتمالان في تفسير سبب الوقوع في هذا الخطأ:
أولهما: متابعة خطأ كتابي وقع في بعض الكتب السابقة، كأشباه ابن نجيم التي وردت فيه القاعدة نفسها بلفظ:«المباشر ضامن وإن لم يتعمد، والمتسبب لا، إلا إذا كان متعمداً»
(2)
، ومع ذلك فقد تعاقب شراح المجلة على ترديد الخطأ نفسه، دون تقدير منهم لآثاره على مفهوم الضمان وتناقضه مع ما أوردوه هم من فروع.
(1)
نظرية الضمان للزحيلي (ص 198). وانظر: (ص 201).
(2)
الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 243).