الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
عدم وجود خلاف في ذلك بين أهل العلم، قال أبو الوليد ابن رشد:«والواجب على الغاصب إن كان المال قائما عنده بعينه لم تدخله زيادة ولا نقصان أن يردّه بعينه. وهذا لا اختلاف فيه»
(1)
.
وقال أبو محمد ابن قدامة: «فمن غصب شيئاً لزمه ردّه ما كان باقيا بغير خلاف نعلمه»
(2)
.
وقال أبو محمد ابن حزم: «اتفقوا أن من غصب شيئاً أي شيء كان من غير ولده، فوجد بعينه لم يتغير من صفاته شيء ولا تغيرت سوقه، ووجد في يد غاصبه لا في يد غيره، أنه يردّ كما هو»
(3)
.
الفرع الثاني: في كيفية ضمان المال المثلي:
اتفق الفقهاء على أن المال المتلف إذا كان من ذوي الأمثال، فإنه يجب ضمانه بمثله
(4)
.
(1)
بداية المجتهد (2/ 387).
(2)
المغني (7/ 361).
(3)
مراتب الإجماع (ص 59).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 150)، الهداية مع فتح القدير (8/ 246)، الاختيار (3/ 74)، المعونة (2/ 1212، 1214)، بداية المجتهد (2/ 387)، الفروق (1/ 214)، قوانين الأحكام الشرعية (ص 341، 344)، إيضاح المسالك (ص 116)، شرح المنهج المنتخب (ص 499)، قواعد الأحكام (1/ 266، 2/ 325)، روضة الطالبين (5/ 18)، الأشباه والنظائر
…
لابن السبكي (1/ 303)، الاعتناء (2/ 639، 643)، مغني المحتاج (2/ 282)، المغني (7/ 361، 362 - 363)، إعلام الموقعين (1/ 322 - 328)، الإنصاف مع المقنع (15/ 254 - 255)، القواعد الكلية والضوابط الفقهية لابن عبد الهادي (ص 101)، المحلى (6/ 429، 430، 437).
قال أبو بكر ابن المنذر: «وأما الذي على متلفه مثل ما أتلف فمثل الحنطة والشعير والتمر والسمن والزبيب والزيت وما أشبه ذلك
…
ولا نعلم أحدا خالف ذلك»
(1)
.
وقال أيضا: «وأجمعوا على أن المتلف للسلع يجب عليه مثل ما أتلف، إذا كان لها مثل»
(2)
.
وقال أبو محمد ابن حزم: «واتفقوا أن من غصب شيئاً مما يكال أو يوزن فاستهلكه، ثم لقيه المغصوب منه في البلد الذي كان فيه الغصب، أنه يقضى عليه بمثله»
(3)
.
ونقل أبو محمد ابن قدامة عن ابن عبد البر أنه قال: «كل مطعوم من مأكول أو مشروب فمجمع على أنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته»
(4)
.
وقال أبو الوليد ابن رشد: «اتفقوا على أنه إذا كان مكيلا أو موزونا أن على الغاصب المثل، أعني مثل ما استهلك صفة ووزناً»
(5)
.
وقال أبو محمد ابن قدامة: «وما تتماثل أجزاؤه وتتقارب صفاته - كالدراهم والدنانير والحبوب والأدهان - ضمن بمثله بغير خلاف»
(6)
.
ومستند هذا الاتفاق أدلة من الكتاب والسنة، ويعضده بعض التعليلات.
(1)
الإشراف لابن المنذر (2/ 517). وانظر: الإقناع لابن المنذر (2/ 710 - 711).
(2)
الإشراف لابن المنذر (2/ 355) ألف بواسطة الإجماع لابن المنذر (ص 158).
(3)
مراتب الإجماع (ص 59).
(4)
المغني (7/ 362).
(5)
بداية المجتهد (2/ 387).
(6)
المغني (7/ 362).
1 -
قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
(1)
.
2 -
وقال سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
(2)
.
3 -
وقال جل وعزّ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
(3)
.
وجه الدلالة من الآيات السابقة: أن الله عز وجل أوجب المثل في ضمان العدوان والمعاقبة والمجازاة، فلا يعدل عنه لغيره ما دام ردّ المثل ممكناً.
4 -
قال تعالى: {مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}
(4)
.
وجه الدلالة: أن الله عز وجل أوجب على من أتلف صيداً في الحرم أن يذبح مثلها ويفرّقها على مساكين الحرم.
5 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال:(كلوا)، وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة. وفي لفظ أنه قال:(طعام بطعام، وإناء بإناء)
(5)
.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب على التي كسرت الإناء إناءً مثله، فدلّ ذلك على أن من أتلف شيئاً وجب عليه مثله.
(1)
سورة البقرة، الآية [194].
(2)
سورة النحل، الآية [126].
(3)
سورة الشورى، الآية [40].
(4)
سورة المائدة، الآية [95].
(5)
تقدم تخريجه صفحة 71.
6 -
إن المثل أقرب إلى المضمون من القيمة؛ لأن المثل يشبهه في الصورة والمشاهدة والمعنى، بخلاف القيمة، فإنها تشبهه في المعنى، وقد أمكن الإتيان بالمثل، فكان أعدل وأتمّ وأولى من القيمة، كما يقدم النص على القياس، لكن النص طريقه الإدراك بالسماع، والقياس طريقه الظن والاجتهاد
(1)
.
7 -
ولأن ضمان الإتلاف من باب ضمان جبر الفائت، ومعنى الجبر بالمثل أكمل منه من القيمة، فلا يعدل عن المثل إلى القيمة إلا عند التعذر
(2)
.
ورغم حكاية الاتفاق في هذه المسألة من قبل بعض العلماء - كما سبق -، ونفي الخلاف فيها من قبل البعض الآخر - كما سبق -، ووجود هذه الأدلة الواضحة، إلا أني وقفت على قول آخر في المسألة، وهو: أن من أتلف مثلياً وجبت عليه القيمة دون المثل، وهو رواية عن الإمام أحمد
(3)
، ونسبه أبو بكر السرخسي إلى نفاة القياس
(4)
، كما نسبه غيره إلى بعض الفقهاء
(5)
.
وذكر أبو بكر السرخسي لهم تعليلا، وهو:«أن حقّ المغصوب منه في العين والمالية، وقد تعذر إيصال العين إليه، فيجب إيصال المال إليه، ووجوب الضمان على الغاصب باعتبار صفة المالية، ومالية الشيء عبارة عن قيمته»
(6)
.
ويغني في الردّ عليه ما سبق ذكره من النصوص الشرعية والأدلة العقلية.
(1)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 150)، الاختيار (3/ 74)، المغني (7/ 361).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 150).
(3)
انظر: الإنصاف (15/ 254 - 255).
(4)
انظر: المبسوط (11/ 50)، المحلى (6/ 437).
(5)
انظر: المحلى (6/ 437).
(6)
المبسوط (11/ 50).