الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «ما أدركت الصفقة
(1)
حيّاً مجموعا
(2)
فهو من مال المبتاع»
(3)
.
وجه الدلالة: أن الأثر دلّ على أن المبيع الحي المجموع المتعين يكون ضمانه من مال المشتري، ومفهومه أن غير المجموع المتعيّن يكون ضمانه من مال البائع.
6 -
ولأنه مبيع متعين لا يتعلق به حق توفية، خراجه للمشتري، فكان تلفه منه، أصله إذا قبض
(4)
، ولا يلزم عليه ما فيه حق توفية كالمكيل والموزون؛ لأنه غير متعين
(5)
.
7 -
لأن المبيع الذي يتعلق به حق توفية مضمون على المشتري بعد القبض، فكان من ضمانه قبل القبض كالميراث
(6)
.
القول المختار:
بعد التمعن في الأقوال والأدلة في المسألة يظهر لي أن أقرب القولين إلى الصواب القول الثاني، وهو قول المالكية والمذهب عند الحنابلة؛ وذلك للأسباب التالية:
(1)
الصفقة: تطلق على العهد والميثاق والعقد، ولعل المراد به هنا عقد البيع.
انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 38)، تهذيب الأسماء واللغات (3/ 1/178)، القاموس الفقهي (ص 213).
(2)
المراد بالمجموع: أي لم يتغير عن حالته. انظر: فتح الباري (4/ 413).
(3)
ذكره البخاري تعليقا في صحيحه: كتاب البيوع، باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض (2/ 99)، ووصله الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 16)، والدارقطني في سننه (3/ 53 - 54)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 242)، وقال: هذا موقوف صحيح الإسناد.
(4)
الإشراف (2/ 547). وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 405).
(5)
انظر: المقنع للبنا (2/ 680).
(6)
انظر: المغني (6/ 186)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 405).
أولاً: إنه لم يأت دليل يدل على أنه لا بدّ من القبض في دخول المبيع في ملك المشتري وضمانه، ولم ترد الأدلة إلا في نهي البائع عن أن يبيع ما لم يكن في قبضه وما ليس عنده
(1)
.
ثانياً: يمكن الإجابة عن أدلة أصحاب القول الأول - الحنفية والشافعية ورواية عند الحنابلة - بما يلي:
(أ) أما الأدلة الستة الأولى فإنها لا تدل على أن هناك تلازما بين التصرف في المبيع والضمان، وإنما تدل على أنه لا يجوز للمشتري أن يبيع ما اشتراه حتى يقبضه؛ لذا «فإن جواز التصرف فيه ليس ملازما للضمان ولا مبنيا عليه، بل قد يجوز التصرف فيه حيث يكون من ضمان البائع»
(2)
، ومن أمثلته:
* إن الثمار إذا تلفت قبل تمكن المشتري من جذاذها كانت من ضمان البائع، مع أنه يجوز للمشتري التصرف فيها بالبيع وغيره. وقد ثبت بالسنة أن الثمار من ضمان البائع، كما جاء عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق)
(3)
(4)
.
* «إن منافع الإجارة مضمونة على المؤجر قبل الاستيفاء، بمعنى أنها إن تلفت بآفة سماوية - كموت الدابة - وتعطلت المنافع كانت من ضمان المؤجر؛
(1)
انظر: السيل الجرار (3/ 121).
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 507).
(3)
تقدم تخريجه صفحة 264.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 398 - 399) بتصرف يسير. وانظر: (29/ 508).
لأنها تلفت قبل التمكن من استيفائها، مع أنه يجوز للمستأجر التصرف فيها حتى بالبيع»
(1)
.
كما أنه قد يمنع المشتري من التصرف في المبيع حيث يكون الضمان عليه، ومثاله: أن من اشترى صبرة طعام لم يبعها حتى ينقلها، مع أنها من ضمان المشتري
(2)
.
وبهذا اتضح أنه قد يجوز التصرف حيث يكون الضمان على البائع، كما في الثمار ومنافع الإجارة، كما أنه قد يمنع التصرف حيث يكون الضمان على المشتري كالصبرة من الطعام، فثبت بهذا عدم التلازم بين التصرف والضمان
(3)
.
(ب) أما الدليل السابع فقد ردّ عليه العالم محمد الشوكاني بقوله: «قد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس ما يدل على تقييد هذا الوضع بما إذا وقع قبل الصلاح» ، ولفظه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي، قالوا: وما تزهي؟ قال: (تحمرّ)، وقال: (إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك؟)»
(4)
، فهذا الوضع قد ترتب على بيع منهي عنه، وما كان منهيا عنه فهو غير صحيح، والكلام هنا في بيع صحيح وجب بالتفرق، وهذا فارق واضح لا يصح معه القياس.
(1)
المرجع السابق (29/ 399)، وانظر:(29/ 508).
(2)
انظر: المرجع السابق (29/ 400، 508).
(3)
انظر: المرجع السابق (29/ 400 - 402، 30/ 238، 276).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب البيوع، باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابتها عاهة فهو من البائع (2/ 112) برقم (2195)، ومسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح (3/ 1190) برقم (1555).
ويؤيد هذا ما ثبت في صحيح مسلم
(1)
وغيره من حديث أبي سعيد قال: أصيب رجل في ثمار ابتاعها، فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(تصدّقوا عليه)؛ فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال:(خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك)
(2)
، ولم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم على البائع منه للثمار أن يردّ الثمن الذي قبضه منه.
ولو سلمنا تنَزّلا لكان وضع الجوائح مختصا بما تلف بالآفات السماوية كما تقدم في حديث أنس بلفظ: (إذا منع الله الثمرة)، وأما إذا تلف المبيع بجناية فإن كانت من المشتري فقد جنى على ماله وأتلفه، وإن كان الجاني غيره كان ضمانه عليه بسبب الجناية، سواء كان الجاني هو البائع أو غيره
(3)
.
(جـ) وأما الدليل الثامن: فيجاب عنه: بأن هناك فرقاً بين المكيل والموزون والمعدود والمذروع وما ليس كذلك. فإن المكيل ونحوه يحتاج إلى توفية؛ لأنه لم يتعين بعد ولم يتحدد؛ فكيف يضمن المشتري شيئاً غير محدّد له؟ بخلاف غير المكيل ونحوه، فإنه لا يتطلب إلى توفية؛ لأنه محدّد ومعين، وبهذا فإن المشتري يعرف ماذا يضمن
(4)
.
(1)
هو العلامة المحدث مسلم بن الحجاج بن ورد، أبو الحسين، القشيري النيسابوري، ولد سنة 204 هـ، سمع من يحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والقعنبي وغيرهم، وروى عنه الترمذي وأبو عوانة الإسفرايني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وغيرهم، وصفه الذهبي بالإمام الكبير والحافظ المجود والحجة الصادق، من مؤلفاته: الجامع الصحيح، كتاب الكنى والأسماء وغيرهما، توفي سنة 261 هـ.
انظر: وفيات الأعيان (5/ 194 - 196)، تهذيب الكمال (27/ 499)، سير أعلام النبلاء (12/ 577).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين (3/ 1191) برقم (1556).
(3)
السيل الجرار (3/ 122).
(4)
انظر: المقنع لابن البنا (2/ 680).