الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمانة، فإن القاعدة لا تعمل، كما لو ورد عقد بيع على عقد وديعة، بأن يبيع مالك العين المودعة - وهي في يد المودع - قبل قبضها، فهذا يجوز، وكذلك يجوز بيع جميع الأمانات قبل قبضها كمال الشركة والقراض والمال في يد الوكيل والمستأجر
(1)
.
المطلب الرابع
في أقوال الفقهاء وأدلتهم في القاعدة
هذه القاعدة شافعية المذهب
(2)
، لم أجد من قال بها من الفقهاء غيرهم
(3)
، وقد ذكروها في معرض التعليل لمنع بيع المبيع قبل قبضه.
وعللوا لهذه القاعدة بأنّ توالي الضمانين يؤدي إلى أن يصير الشخص الواحد مطالِباً ومطالَباً في شيء واحد، وهذا مستحيل
(4)
.
وقد وجّه جماعة من الفقهاء انتقادات على القاعدة، أسوقها كما يأتي:
أولاً: إن المراد بضمان البائع للبيع هو أنه لو تلف المبيع انفسخ البيع وسقط الثمن، فلم لا يجوز أن يصح البيع؟ ثم لو تلف عند البائع ينفسخ البيعان،
(1)
انظر: المجموع (9/ 320)، الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 302).
(2)
انظر: العزيز (4/ 294)، المجموع (9/ 321)، الغاية القصوى (1/ 486)، الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 300)، الأشباه والنظائر لابن الملقن (2/ 192)، مغني المحتاج (2/ 69).
(3)
يفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحنفية والشافعية وأحمد في رواية يقولون بالقاعدة، أما مالك وأحمد في المشهور عنه فإنهم يرونها مأخذا ضعيفا؛ لأنه لا محذور في التوالي. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 509).
(4)
انظر: المجموع (9/ 321)، الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 301)، الأشباه والنظائر لابن الملقن (2/ 192).
ويسقط الثمنان، وتبين أنه هلك على ملك من هلك في يده
(1)
.
ثانياً: قال أبو عبدالله ابن قيم الجوزية في نقد هذه القاعدة ما نصه: «إنه لا محذور في توالي الضمانين، وليس بوصف مستلزم لمفسدة يحرم العقد لأجلها، وأين الشاهد من أصول الشرع لتأثير هذا الوصف؟ وأي حكم علق الشرع فساده على توالي الضمانين؟ وما كان من الأوصاف هكذا فهو طردي لا تأثير له.
وأيضا فالمبيع إذا تلف قبل التمكن من قبضه كان على البائع أداء الثمن الذي قبضه من المشتري، فإذا كان هذا المشتري قد باعه فعليه أداء الثمن الذي قبضه من المشتري الثاني، فالواجب بضمان هذا غير الواجب بضمان الآخر، فلا محذور في ذلك.
وشاهده: المنافع في الإجارة والثمرة قبل القطع؛ فإنه قد ثبت بالسنة الصحيحة
(2)
التي لا معارض لها: وضع الثمن عن المشتري إذا أصابتها جائحة، ومع هذا يجوز التصرف فيها، ولو تلفت لصارت مضمونة عليه بالثمن الذي أخذه، كما هي مضمونة له بالثمن الذي دفعه»
(3)
.
(1)
انظر: العزيز (4/ 294)، الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 300 - 301)، الأشباه والنظائر لابن الملقن (2/ 192)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 509)، تهذيب السنن (5/ 115، 116 - 117).
(2)
كما جاء من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو بعت من أخيك ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحلّ لك أن تأخذ منه شيئاً؛ بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟). رواه مسلم، وقد سبق تخريجه صفحة 221.
(3)
تهذيب السنن (5/ 116 - 117). وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 509).
(1)
.
وبعد هذا، فالذي يظهر - والعلم عند الله تعالى - ضعف هذه القاعدة، ولكن ضعفها لا يعني جواز بيع المبيع قبل قبضه، فهذه مسألة وتلك مسألة أخرى.
وقد جاءت النصوص الكثيرة من السنة النبوية بالمنع من بيع المبيع قبل قبضه، وأكتفي منها بذكر حديثين:
أولهما: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) وفي لفظ: (حتى يكتاله). قال ابن عباس: وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام
(2)
.
والثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ابتعت زيتاً في السوق، فلما استوجبته لنفسي لقيني رجل فأعطاني به ربحا حسنا، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفتّ فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم
(3)
.
(1)
تهذيب السنن (5/ 115). وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 509).
(2)
سبق تخريجه صفحة 261.
(3)
سبق تخريجه صفحة 263.