الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما اختلفوا في آحاد العقود الصحيحة هل تفيد الأمانة أم الضمان؟
واختلافهم هذا أدّى إلى الخلاف في العقود الفاسدة؛ لأن هذه مبنية على تلك.
واستدلوا على صحة هذه القاعدة بما يلي:
1 -
أما الشطر الأول: وهو أن كل عقد اقتضى صحيحه الضمان فكذلك فاسده؛ فلأن الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى. وأما الشطر الثاني: وهو أن كل عقد لا يقتضي صحيحه الضمان فكذا فاسده؛ فلأن إثبات اليد عليه بإذن المالك، ولم يلتزم بالعقد ضمانا
(1)
.
2 -
«ولأن الفاسد لا يمكن أن يجعل أصلا في معرفة حكمه، فإن الشرع لا يرد بالفاسد»
(2)
؛ لذا أعطي الفاسد حكم الصحيح في الضمان وعدمه.
المطلب الخامس
في مسائل متعلقة بالقاعدة
المسألة الأولى: في أن استواء العقد الصحيح مع الفاسد في أصل الضمان، لا في الضامن ولا المقدار ولا الكيفية:
ذكر بعض العلماء: أن استواء العقد الصحيح مع الفاسد يكون في أصل الضمان، أما الضامن والمقدار والكيفية فإنها قد لا تستوي في جميع الأحوال.
(1)
انظر: روضة الطالبين (4/ 96)، المنثور (3/ 9)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 283)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 407).
(2)
المبسوط (11/ 75).
* أما الضامن: فلأن الولي إذا استأجر على عمل للصبي إجارة فاسدة فإن الأجرة تكون على الولي وليس في مال الصبي، بخلاف الإجارة الصحيحة، فإنها تكون في مال الصبي
(1)
.
* وأما المقدار: فيقول جلال الدين السيوطي: «فلأن صحيح البيع مضمون بالثمن، وفاسده بالقيمة أو المثل، وصحيح القرض مضمون بالمثل مطلقا، وفاسده بالمثل أو القيمة. وصحيح المساقاة والقراض والإجارة والمسابقة والجعالة مضمون بالمسمى، وفاسدها بأجرة المثل، والوطء في النكاح الصحيح مضمون بالمسمى، وفي الفاسد بمهر المثل»
(2)
.
والحقيقة أن هذه المسألة - مسألة: هل يُضمن في العقد الفاسد بما سُمِّىَ فيه أو بعوض المثل؟ - فيها خلاف كبير، بل إنّ كل عقدٍ فيه خلاف خاص به. ففي البيع الفاسد خلاف خاص به، وكذلك الإجارة وبقية العقود، لكن الذي عليه أهل التحقيق من أهل العلم أنه يضمن في العقد الفاسد بالمسمى لا عوض المثل؛ «وذلك لأن العين لو أمكن ردها أو رد مثلها لكان ذلك هو الواجب؛ لأن العقد لما انتفى وجب إعادة كل حق إلى مستحقه، والمثل يقوم مقام العين. أما إذا كان الحق قد فات مثل الوطء في النكاح الفاسد، والعمل في المؤاجرات والمضاربات، والغبن في المبيع: فالقيمة ليست مثلا له، وإنما تجب - أي القيمة -
(1)
انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 284) مغني المحتاج (1/ 137).
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 284). وانظر: بدائع الصنائع (5/ 304)، الإشراف للقاضي عبدالوهاب (2/ 641)، الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 307) الاعتناء (1/ 510 - 511)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (20/ 509، 29/ 407 - 410، 30/ 58 - 87، 91)، الطرق الحكمية (ص 251)، تقرير القواعد (1/ 336 - 346).
في بعض المواضع كالمتلف والمغصوب الذي تعذّر مثله؛ للضرورة؛ إذ ليس هناك شيء يوجد أقرب إلى الحق من القيمة، فكان ذلك هو العدل الممكن، كما قلنا مثل ذلك في القصاص ودية وأرش الجراح، واعتبرنا القيمة بتقويم الناس؛ إذ ليس هناك متعاقدان تراضيا بشيء، وأما هنا فقد تراضيا بأن يكون المسمى بدلا عن العين أو المنفعة، والناس يرضون لها ببدل آخر فكان اعتبار تراضيهما أولى من اعتبار رضا الناس.
فإن قيل: هما إنما تراضيا بهذا البدل في ضمن صحة العقد، ووجوب موجباته، وذلك منتف هنا؟
قيل: والناس إنما يجعلون هذا قيمة في ضمن عقد صحيح له موجباته، فلما تعذّر العقد هنا قدرنا وجود عقد يعرف به البدل الواجب فيه، فتقدير عقدهما الذي عقداه أولى من تقدير ما لم يوجد بحال، ولا رضيا به، ولم يعقده غيرهما. فإذا كان لا بدّ من التقدير والتقريب فما كان أشبه بالواقع كان أولى بالتقدير وأقرب إلى الصواب»
(1)
.
* وأما الكيفية: فيوضحها الشيخ محمد العثيمين بقوله: «فالبيع في العقد الفاسد يجب فيه ضمان العين والمنفعة، وأما في العقد الصحيح فيجب فيه ضمان العين فقط؛ لأن المنفعة في العقد الصحيح مملوكة تبعا للعين، أما في العقد الفاسد فليس هناك ملك حتى نقول: إن المنفعة تابعة للملك، وعلى هذا فإذا تلف المبيع في البيع الفاسد فإننا نضمن العين والمنفعة، أي: مدة أجرتها ما
(1)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 409 - 410). وانظر: تقرير القواعد (1/ 338 - 339)(في الحاشية).