الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: المذهب الحنبلي:
إذا تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه - كزوجي خفّ تلف أحدهما - فعلى الغاصب ردّ الباقي وقيمة التالف وأرش النقص، هذا هو المذهب عند الحنابلة.
وقيل: لا يلزمه أرش النقص، وهو قول ضعيف عندهم.
وعلّلوا لوجوب أرش النقص دون التخيير للمالك بين أخذ ماله وأرش نقصه وبين ترك ماله وأخذ قيمته: بأن النقص حصل من جناية على مال أرشها دون قيمته، فلم يملك المطالبة بجميع قيمته، كما لو كان الشقّ يسيرا، ولأنها جناية تنقص بها القيمة، فأشبه ما لو لم يتلف غرض صاحبها
(1)
.
ورغم كون هذا الحكم في النقص أثناء الغصب، إلا أن الذي يبدو أن حكمه يشمل النقص من غير غصب؛ لأنهم لم يخصّوه بحكم يخالف هذا كما فعل أصحاب المذهب المالكي.
خامساً: المذهب الظاهري:
يفرق الظاهرية - فيما يظهر لي - بين النقص الذي يحصل في المال أثناء الغصب وبين النقص الذي يحصل في المال من غير غصب.
فأما النقص الذي يحصل في المال أثناء غصبه أو أخذه بغير حق فإنه يجب على الغاصب ضمان مثل ما نقص من المغصوب، وفي ذلك يقول أبو محمد ابن حزم: «فمن غصب شيئا أو أخذه بغير حق - لكن ببيع محرم أو هبة محرمة،
…
أو بعقد فاسد، أو وهو يظن أنه له - ففرض عليه أن يرده إن كان حاضرا،
(1)
انظر: المغني (7/ 370)، الإنصاف مع المقنع (15/ 176 - 177، 195 - 196، 269 - 270)، منتهى الإرادات (1/ 370)، الروض المربع (ص 644).
أو ما بقي منه إن تلف بعضه - أقله أو أكثره - ومثل ما تلف منه، أو يرده ومثل ما نقص من صفاته أو مثله إن فاتت عينه»
(1)
.
وأما النقص الذي يحصل في المال من غير غصب فإنه يجب على المتلف ضمان قيمة النقص، وفي ذلك يقول أبو محمد ابن حزم: «ومن كسر لآخر شيئاً، أو جرح له عبداً أو حيوانا، أو خرق له ثوباً، قوّم كل ذلك صحيحاً مما جنى عليه، ثم قوّم كما هو الساعة، وكلف الجاني أن يعطي صاحب الشيء ما بين القيمتين ولا بدّ، ولا يجوز أن يعطى الشيء المجني عليه للجاني
…
»
(2)
.
وبعد هذا التفصيل في ذكر المذاهب الفقهية المتقدمة في ضمان نقص مال الغير؛ تبين لي ما يأتي:
1 -
اتفاق المذاهب الفقهية المتقدمة على أن كل شيء كانت جملته مضمونة فإن النقص الداخل عليها يكون مضموناً.
2 -
فرّق الحنفية والمالكية بين النقص الكثير واليسير، فجعلوا للمالك الخيار في النقص الكثير بين ترك ماله وأخذ قيمته وبين أخذ ماله وأرش نقصه
(3)
، بخلاف النقص اليسير فإنهم لم يخيّروه، وإنما أوجبوا له أرش النقصان.
أما الشافعية والحنابلة والظاهرية فإنهم لم يفرّقوا بين النقص الكثير واليسير، ولم يجعلوا للمالك الخيار، وإنما أوجبوا له جبر النقص.
3 -
اتفاق المذاهب الأربعة على أن جبر النقص يكون بضمان الأرش من القيمة دون المثل، سيراً على قاعدتنا في هذا المبحث.
(1)
المحلى (6/ 430).
(2)
المرجع السابق (6/ 439).
(3)
هذا من حيث الجملة، وإلا فإن عند المذهبين تفصيلات في بعض الأحوال كما سبق ذكره.