الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثالث: أن تكون جناية الماشية في النهار
، فإن كانت في الليل لم تكن هدراً ووجب الضمان على صاحبها.
وهذا الشرط اختلف فيه الفقهاء على أربعة أقوال:
القول الأول: إذا أتلفت المواشي مالاً أو آدميا ليلا أو نهارا؛ فلا ضمان على صاحبها إذا لم يفرط، أما إذا حصل الإتلاف بتفريط منه فعليه الضمان. هذا مذهب الحنفية
(1)
والظاهرية
(2)
.
القول الثاني: يجب الضمان على مالك الماشية غير المنفلتة، ولا ضمان فيما أتلفته الماشية المنفلتة. هذا مروي عن عمر بن الخطاب
(3)
.
القول الثالث: يجب الضمان على أصحاب المواشي فيما أتلفته مطلقا ليلاً أو نهارا. وهو قول الليث بن سعد
(4)
.
القول الرابع: إذا أتلفت الماشية زرعاً أو غيره من الأموال نهاراً، فإن الضمان لا يجب على صاحبها، وإن أتلفته ليلاً وجب الضمان على صاحبها إلا إذا لم يحصل منه تفريط في حفظها
(5)
.
(1)
انظر: الهداية مع فتح القدير (9/ 265)، اللباب للمنبجي (2/ 727)، البناية (12/ 335)، الدر المختار مع حاشية رد المحتار (6/ 608).
(2)
انظر: المحلى (11/ 198، 199).
(3)
انظر: بداية المجتهد (2/ 394)، نيل الأوطار (5/ 366).
(4)
انظر: المرجع السابق، المغني (12/ 541) المحلى (11/ 198)، نيل الأوطار (5/ 366).
(5)
كما لو أحكم مالكها ربطها وأغلق الباب واحتاط حسب العادة، ففتح الباب لص أو إنهدم الجدار، فخرجت ليلا فأتلفت زرعا؛ فلا ضمان على صاحبها لعدم حصول التفريط. كما في مراجع المذاهب الثلاثة الآتية.
وهذا قول المالكية
(1)
والشافعية
(2)
والحنابلة
(3)
.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من السنة والعقل، هي كما يأتي:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)
(4)
.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في هذا الحديث أن ما تتلفه البهائم لا يجب ضمانه، وهو حديث عام؛ فيجب العمل بعمومه، سواء كان الإتلاف ليلاً أو نهارا
(5)
.
نوقش هذا الدليل: بأن هذا الحديث عام، وما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم في ناقة البراء بن عازب رضي الله عنه بأن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها
(6)
حكم خاص، والخاص يقضي على العام.
(1)
وقد خصوا الضمان بإتلاف الزرع والحوائط دون بقية الأموال والدماء، وقيل: بل هو يختص بجميع الأموال دون الدماء. انظر: الكافي لابن عبدالبر (ص 434 - 435)، جامع الأمهات (ص 525)، الفروق (4/ 185 - 186)، قوانين الأحكام الشرعية (ص 345)، العقد المنظم (2/ 81)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (4/ 357 - 358)، منح الجليل (9/ 369 - 370).
(2)
انظر: اللباب للمحاملي (ص 387)، روضة الطالبين (10/ 195)، فتح الباري (12/ 269)، مغني المحتاج (4/ 206 - 207).
(3)
الصحيح من مذهب الحنابلة: أن جميع ما أتلفته البهيمة من الأموال ليلاً مضمون على مالكها، وفي رواية: أنه خاص بالزرع والشجر، وقيل: خاص بالزرع فقط. انظر: المغني (12/ 541)، المبدع (5/ 199)، الإنصاف مع المقنع (15/ 337 - 341)، منار السبيل (1/ 439).
(4)
تقدم تخريجه صفحة 114.
(5)
انظر: اللباب للمنبجي (2/ 727).
(6)
سبق تخريجه صفحة 72.
2 -
إنّ فعل البهيمة وإتلافها غير مضاف لمالكها؛ لعدم ما يوجب النسبة إليه من الإرسال والسوق والقود والركوب
(1)
.
3 -
إن سائر أسباب الضمان لا يختلف الحكم فيها بالليل والنهار، فلما اتفق الجميع على نفي إيجاب الضمان نهاراً، وجب أن يكون حكمها ليلاً كذلك
(2)
.
نوقش هذان الدليلان: بأنهما عقليان؛ لا يجوز أن يعارض بهما حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
دليل القول الثاني:
إن البهيمة غير المنفلتة يمكن حفظها، فإذا أتلفت شيئاً كان ذلك بتفريط من مالكها، فوجب عليه الضمان، أما المنفلتة فإنه لا يملك السيطرة عليها ولا يقدر على حفظها، فلم يجب عليه ضمان ما تتلفه، لعدم حصول التفريط منه
(3)
.
نوقش: بأن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عام، ولم يفرق بين المنفلتة وغيرها.
دليل القول الثالث:
إن إرسال البهيمة يُعَدّ تعدّياً من مالكها، والقاعدة أن المتعدي ضامن
(4)
.
نوقش هذا الدليل بما يأتي:
أولاً: إن هذا الدليل مخالف للحديث العام، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(العجماء جرحها جبار)، وهو كذلك مخالف للحديث الخاص، وهو حديث ناقة البراء ابن عازب رضي الله عنه
(5)
.
(1)
انظر: الهداية مع فتح القدير (9/ 265 - 266).
(2)
انظر: اللباب للمنبجي (2/ 727).
(3)
انظر: بداية المجتهد (2/ 394).
(4)
انظر: المرجع السابق.
(5)
انظر: نيل الأوطار (5/ 366).
ثانياً: إن إرسال المالك بهيمته للرعي في النهار لا يعدّ تعدّيا، وإنما التعدي إرسالها في الليل.
أدلة القول الرابع:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من الكتاب والسنة والعقل، هي كما يأتي:
1 -
(1)
.
وجه الدلالة: أن داود عليه السلام قضى بتسليم الغنم لأصحاب الزرع مقابل زرعهم، وقضى سليمان عليه السلام بدفع الغنم لأصحاب الزرع يستفيدون من درها ونسلها وخراجها حتى ينبت زرع آخر، والنفش أن تنتشر الغنم بالليل ترعى بلا راع
(2)
.
نوقش هذا الدليل: بأن هذه الآية منسوخة بحديث أبي هريرة السابق مرفوعا: (العجماء جرحها جبار)
(3)
.
أجيب عنه: بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال مع الجهل بالتاريخ، لا سيما وأنه لا يوجد تعارض - ولله الحمد - بين الآية والحديثين إذا قلنا بأن ما أتلفته البهيمة بالنهار، لا يضمنه مالكها، وما أتلفته بالليل ضمنه.
(1)
سورة الأنبياء، الآيتان [78 - 79].
(2)
انظر: بداية المجتهد (2/ 394)، الجامع لأحكام القرآن (11/ 203 - 204)، الفروق (4/ 186 - 187)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (20/ 306)، نيل الأوطار (5/ 366).
(3)
انظر: اللباب للمنبجي (2/ 727، 728).
2 -
ما روي أن ناقة للبراء بن عازب رضي الله عنه دخلت حائطا فأفسدت فيه؛ فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها
(1)
.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم أصحاب المواشي بضمان ما أتلفته مواشيهم من الزرع ليلاً، لا نهاراً.
نوقش هذا الحديث: بأنه حديث مرسل، لا يحتج به
(2)
.
أجيب عنه بما يأتي:
(3)
.
ثانياً: إن هذا الحديث - كما أنه روي مرسلا - فقد روي موصولا أيضا، وصححه الأئمة
(4)
.
3 -
(5)
.
(1)
سبق تخريجه صفحة 72.
(2)
انظر: اللباب للمنبجي (2/ 727 - 728)، المحلى (11/ 199).
(3)
انظر: التمهيد (11/ 92).
(4)
انظر: التلخيص الحبير (4/ 162)، إرواء الغليل (5/ 362).
(5)
المغني (12/ 541 - 542). وانظر: روضة الطالبين (10/ 195 - 196).