الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: هل يتحقق ضمان اليد في الأموال المحضة غير المنقولة كالعقار؟.
الفرع الثالث: في حكم ضمان الأموال غير المحضة. وتحته ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: هل يضمن الحر باليد؟.
المسألة الثانية: في حكم ضمان منفعة الحر باليد.
المسألة الثالثة: هل يضمن باليد ما فيه شائبة الحرية كأم الولد والمكاتب والمدبر.
هذه عناوين الفروع والمسائل، وإليك تفصيلها على النحو الآتي:
الفرع الأول: في اشتراط النقل في ضمان الأموال المحضة المنقولة بسببي العقد واليد:
يمكن دراسة هذا الفرع في المسألتين التاليتين:
المسألة الأولى: في اشتراط النقل في ضمان الأموال المحضة المنقولة بسبب العقد:
اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن الأموال المحضة المنقولة تضمن بالعقد إذا وجد النقل
(1)
.
واختلفوا في اشتراط النقل لضمان الأموال المحضة المنقولة بسبب العقد إلى عدة مذاهب، أذكر أولاً رأي كل مذهب على حدة؛ لمعرفة التفصيلات والتفريعات في كل مذهب عن سواه، ثم ألخص هذه المذاهب إلى ثلاثة أقوال، وذلك حسب التفصيل الآتي:
(1)
انظر: بدائع الصنائع (5/ 239)، الإشراف (2/ 553)، روضة الطالبين (3/ 501)، المغني (6/ 181 - 186).
أولاً: المذهب الحنفي:
إن الضمان متعلق بالقبض، ويحصل القبض بمجرد التخلية
(1)
(2)
.
ثانياً: المذهب المالكي:
إن الضمان يحصل بمجرد العقد، ولا يحتاج إلى قبض بنقل أو تخلية إلا إذا كان المبيع مما فيه حق توفية كالمكيل والموزون والمعدود والمذروع، فلا بدّ لدخوله في الضمان من قبضه، ويحصل قبضه بكيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه
(3)
.
ثالثاً: المذهب الشافعي:
إن الضمان بالعقد لا يكون إلا بالقبض، وأما كيفية القبض في المنقول فإن المبيع فيه قسمان:
القسم الأول: ما فيه حق توفية كالمكيل والموزون والمذروع والمعدود، فيحصل قبضه بكيله أو وزنه أو ذرعه أو عدّه مع نقله.
القسم الثاني: ما ليس فيه حق توفية، ففي قبضه ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: لا يكفي فيه التخلية، بل يشترط النقل والتحريك، وهو المذهب والمشهور.
الوجه الثاني: يكفي فيه التخلية.
(1)
التخلية: أن يأذن البائع للمشتري بقبض المبيع، ولا مانع يمنعه من تسلمه.
انظر: شرح المجلة (ص 137)، الشرح الممتع (4/ 382).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (5/ 238 - 239)، حاشية رد المحتار (4/ 562)، الفرائد البهية (ص 53)، شرح المجلة (ص 136 - 137).
(3)
انظر: الإشراف (2/ 547، 553)، بداية المجتهد (2/ 220 - 221)، عقد الجواهر الثمينة (2/ 503 - 504)، إيضاح المسالك (ص 119 - 121)، شرح المنهج المنتخب (ص 299 - 301).
الوجه الثالث: تكفي التخلية لنقل الضمان إلى المشتري، ولا تكفي لجواز تصرفه
(1)
.
رابعاً: المذهب الحنبلي:
ينقسم المنقول في الضمان بالعقد إلى قسمين:
القسم الأول: ما فيه حق توفية كالمكيل والموزون، فلا يكون الضمان فيه إلا بالقبض.
القسم الثاني: ما ليس فيه حق توفية، ففيه روايتان:
الرواية الأولى: أنه يضمن فيه بمجرد العقد ولا يحتاج إلى قبض
(2)
، وهي المذهب، وعليها جماهير الحنابلة.
الرواية الثانية: أنه لا يضمن بالعقد إلا بالقبض.
وأما كيفية القبض في المنقولات ففيها روايتان أيضا:
الرواية الأولى: أن القبض في المكيل بكيله، وفي الموزون بوزنه، وفي المعدود بعدّه، وفي المذروع بذرعه، وفي الصبرة وما ينقل بنقله، وفيما يتناول بتناوله.
الرواية الثانية: أن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز
(3)
.
(1)
انظر: الحاوي (5/ 220 - 221)، روضة الطالبين (3/ 501، 517 - 520)، الاعتناء (1/ 435)، مغني المحتاج (2/ 65، 72 - 73).
(2)
هذا إذا كان البائع باذلا للمبيع غير ممتنع من تسليمه. أما إذا امتنع البائع من تسليمه كان الضمان على البائع.
انظر: شرح الزركشي (3/ 540)، تقرير القواعد (1/ 295)، الشرح الممتنع (8/ 378 - 380).
(3)
انظر: المغني (6/ 181 - 188)، تقرير القواعد (1/ 295 - 298، 2/ 324)، الإنصاف مع المقنع (11/ 50، 504 - 507، 512 - 514).
ملخص الأقوال في المسألة:
يمكن تلخيص هذه المذاهب وإرجاعها إلى قولين:
القول الأول: إن الضمان بالعقد لا يكون إلا بالقبض، ثم اختلف أصحاب هذا القول في كيفية القبض على رأيين:
الرأي الأول: لا يحصل القبض إلا بالنقل، وهو المذهب المشهور عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة فيما ليس فيه حق توفية.
الرأي الثاني: إن القبض يتحقق بمجرد التخلية ولا يلزم النقل، وهو قول الحنفية وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة.
القول الثاني: إن الضمان يكون بمجرد العقد، ولا يحتاج إلى قبض بنقل أو تخلية، غير أن المبيع إذا كان مما فيه حق توفية - كالمكيل والموزون والمعدود والمذروع - فلا بدّ لدخوله في ضمان المشتري من كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه، وهو قول المالكية والمذهب عند الحنابلة.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة نقلية وعقلية، هي كما يلي:
1 -
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه)، وفي لفظ:(حتى يكتاله)، قال ابن عباس: وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك (2/ 98) برقم (2135)، ومسلم في صحيحه: كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض (3/ 1159 - 1160) برقم (1525)، واللفظ له.
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله)
(1)
.
3 -
عن عبد الله بن عمر
(2)
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه). قال: وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. وفي لفظ آخر:(حتى يستوفيه ويقبضه)
(3)
.
4 -
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ابتعت زيتا في السوق، فلما استوجبته لنفسي لقيني رجل فأعطاني به ربحا حسنا، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض (3/ 1162) برقم (1528).
(2)
هو الصحابي الجليل عبدالله بن عمر بن الخطاب بن نفيل، أبو عبد الرحمن القرشي العدوي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، وروى عنه مولاه نافع، وسعيد بن جبير، والحسن البصري وغيرهم، أسلم رضي الله عنه وهو صغير، وهاجر مع أبيه ولم يحتلم بعد، أول غزواته الخندق، وبايع تحت الشجرة، كما أنه لم يقاتل في شيء من الفتن، توفي سنة 73 هـ وقيل غير ذلك.
انظر: أسد الغابة (3/ 340)، سير أعلام النبلاء (3/ 203)، الإصابة (4/ 107 - 109).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك (2/ 98 - 99) برقم (2136)، ومسلم في صحيحه: كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض (3/ 1160 - 1161) برقم (1526)، واللفظ له.
حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم
(1)
.
5 -
عن جابر بن عبد الله
(2)
رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه)
(3)
.
6 -
عن حكيم بن حزام
(4)
رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! إني أبتاع هذه البيوع فما يحل لي منها وما يحرم علي؟ قال: (يا ابن أخي! لا تبيعن شيئاً
(1)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 191)، وأبو داود في سننه: كتاب البيوع والإجارات، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى (3/ 765) برقم (3499) واللفظ له، والدارقطني في سننه (3/ 12 - 13)، والحاكم في المستدرك (2/ 46 - 47) وصححه، ونقل في التعليق المغني مع سنن الدارقطني (3/ 13) عن صاحب التنقيح أنه قال: سنده جيد، وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 372 - 373).
(2)
هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي السلمي المدني الفقيه، روى علما كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وغيرهم، حدث عنه ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن المنكدر وغيرهم، شهد ليلة العقبة الثانية مع والده، وبيعة الرضوان والخندق، وكان مفتي المدينة في زمانه، توفي رضي الله عنه سنة 78 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 189)، الإصابة (1/ 322 - 323).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض (3/ 1162) برقم (1529).
(4)
هو الصحابي الجليل حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد، أبو خالد القرشي الأسدي، قيل: ولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان من أشراف قريش وعقلائها، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، ثم غزا حنينا والطائف، وكان من المؤلفة، حدث عنه ابنه هشام الصحابي وحزام، وسعيد بن المسيب وعروة وغيرهم، توفي رضي الله عنه سنة 54 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 44)، الإصابة (2/ 32 - 33).
حتى تقبضه)
(1)
.
وجه الدلالة من هذه الأحاديث: دلّت هذه الأحاديث بمنطوقها على عدم جواز بيع السلع حتى تقبض، وعدم جواز بيع السلع قبل القبض يدلّ على أن السلع لا تكون مضمونة على المشتري إلا بالقبض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن
(2)
؛ لذا فإن المنع من البيع ولزوم الضمان للبائع متلازمان.
7 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)
(3)
.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثمر المبيع الذي أصابته جائحة قبل القبض من ضمان البائع، وهذا الحكم لا يختص بالثمار بل يشمل جميع السلع.
8 -
لأن التسليم واجب على البائع؛ لأنه في يده، فإذا تعذر - بتلفه - انفسخ العقد، المكيل والموزون والمعدود
(4)
.
9 -
لأنه قبض مستحق بالبيع، فإذا تعذر انفسخ البيع كما لو تفرقا في عقد الصرف قبل التقابض
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 402)، وعبد الرزاق في مصنفه (8/ 39)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 155)، والدارقطني في سننه (3/ 8 - 9)، والبيهقي في سننه: كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما لم يقبض وإن كان غير طعام (5/ 313) واللفظ له، وحسّنه البيهقي، والنووي كما في المجموع (9/ 328)، وجوّد إسناده أحمد البنا في الفتح الرباني (15/ 146).
(2)
تقدم تخريجه صفحة 207.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح (3/ 1190) برقم (1554).
(4)
المغني (6/ 186). وانظر: بدائع الصنائع (5/ 181).
(5)
العزيز (4/ 187).
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من المنقول والمعقول، أذكرها كما يلي:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخراج بالضمان)
(1)
.
وجه الدلالة: دلّ الحديث أن من له غُنم شيء فعليه غرمه، فكما أن الملك للمشتري وله غنم المملوك، فعليه أيضا غرمه، فإذا تلف المبيع فهو من ضمان المشتري
(2)
.
2 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ابتاع نخلا بعد أن تؤبّر
(3)
فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع)
(4)
.
وجه الدلالة: دلّ الحديث على أن الملك ينتقل بمجرد العقد، فإذا انتقل ملك المبيع إليه كان ضمانه عليه كسائر أمواله
(5)
.
3 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا، أو يخير
(1)
تقدم تخريجه صفحة 207.
(2)
انظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب (2/ 553)، شرح الزركشي (3/ 533 - 534)، الشرح الممتع (8/ 378).
(3)
تؤبّر: من التأبير، أي: التلقيح، وهو: أن يأخذ شيئاً من طلع الفحل فيدخله بين ظهراني طلع الإناث من النخل. انظر: حاشية رد المحتار (4/ 553)، المنتقى للباجي (4/ 215)، الأم (3/ 41).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الشرب والمساقاة، باب حلب الإبل على الماء (2/ 169 - 170) برقم (2379)، ومسلم في صحيحه: كتاب البيوع، باب من باع نخلا عليها ثمر (3/ 1172 - 1173) برقم (1543).
(5)
انظر: السيل الجرار (3/ 121)، الشرح الممتع (8/ 378).
أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)
(1)
.
(2)
.
4 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)
(3)
.
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب البيوع، باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع (2/ 92) برقم (2112)، ومسلم في صحيحه: كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين (3/ 1163) برقم (1531).
(2)
السيل الجرار (3/ 121).
(3)
تقدم تخريجه صفحة 264.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (30/ 268) بتصرف يسير. وانظر: (30/ 238)
…
و (29/ 398، 508).