الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يزيد على ذلك أو ينقص
(1)
.
والسبب في ذلك يرجع إلى أنهم لم يفردوا هذا الموضوع - أي الضمان -بباب خاص يتناولون فيه أسبابه وأركانه وشروطه وأنواعه وأحكامه، وإنما كان حديثهم عنه عرضا في مسائل تتصل بالضمان ضمن أبواب متعددة من كتبهم.
ولما كانت هذه الأسباب كثيرة التداخل فيما بينها فإنه يمكن إرجاعها إلى أسباب رئيسة ثلاثة، هي: العقد واليد والإتلاف.
السبب الأول: العقد:
سبق وأن عرَّفتُ العقد في اللغة والاصطلاح
(2)
، وبيّنتُ أنه يشمل الالتزامات الناشئة عن اتفاق بين طرفين كالبيع والإجارة ونحوهما، كما يشمل الالتزامات الناشئة من طرف واحد كالوقف والجعالة ونحوهما.
(1)
ذكر العز بن عبد السلام والحصني أن أسباب الضمان أربعة، وهي: اليد والمباشرة والسبب والشرط. وجعلها ابن رجب ثلاثة: العقد واليد والإتلاف. وكذلك ذكرها الزركشي والسيوطي إلا أنهما أضافا الحيلولة سببا رابعا. أما الغزالي والقرافي وابن رشد فقد ذكروا أنها ثلاثة، وهي: التفويت بالمباشرة أو التسبب أو إثبات اليد العادية. وجعلها بعضهم خمسة. كما أوصلها بعضهم إلى سبعة.
انظر: بداية المجتهد (2/ 386)، قوانين الأحكام الشرعية (ص 348)، الفروق للقرافي (2/ 206)، الوجيز (1/ 205)، قواعد الأحكام (2/ 265)، المنثور (2/ 322 - 323)، القواعد للحصني (3/ 420)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 362)، تقرير القواعد (2/ 316).
(2)
كما في المطلب الثاني: الألفاظ ذات الصلة بالضمان صفحة 62 من هذه الرسالة.
ويعدّ العقد - بنوعيه السابقين - سبباً موجبا للضمان المالي
(1)
؛ وذلك لأن العقد يترتب عليه أحكام خاصة ملزمة لكل من الطرفين أو لمن قام الالتزام في حقه.
فمن العقود ما شرع لإفادة الضمان، فكان الضمان حكما له وأثرا، كعقد الكفالة التي هي عبارة عن «ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق»
(2)
، فيترتب عليه التزام الكفيل ضمان المكفول به، فتشغل به ذمته كما تنشغل به ذمة المضمون عنه
(3)
.
ومن العقود ما شرع لإفادة حكم آخر غير الضمان، ولكن الضمان يترتب عليه باعتباره أثرا لازما لحكمه، فمقتضى عقد البيع - مثلا - تسليم المبيع للمشتري والثمن للبائع وسلامة العوضين من العيب وعدم استحقاق أحدهما لغير صاحبه، فإذا حدث خلل في ذلك المقتضى ترتب الضمان على من حصل من جانبه بناء على العقد.
ومثل ذلك في عقد السلم والإجارة ونحوهما
(4)
.
ومن العقود ما شرع لإفادة حكم آخر غير الضمان، ولكن الضمان يترتب عليه أثرا؛ لوجود شرط صحيح فيه اشترطه المتعاقدان أو أحدهما، أو كان الشرط
(1)
انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 127، 291)، قوانين الأحكام الشرعية (ص 348)، المنثور (2/ 322)، تقرير القواعد وتحرير الفوائد (2/ 316)، الضمان في الفقه الإسلامي (1/ 16 - 17)، نظرية الضمان للزحيلي (ص 63 - 65).
(2)
انظر: المغني (7/ 71)، وانظر: فتح القدير (6/ 283)، شرح الزرقاني على خليل (6/ 22)، مغني المحتاج (2/ 198).
(3)
انظر: الضمان في الفقه الإسلامي (1/ 16).
(4)
انظر: المصدر السابق، ونظرية الضمان للزحيلي (ص 63).
مفهوما ضمن العقد حسب العرف والعادة. فمتى أخلّ العاقد بشيء من هذه الشروط فإن الضمان يترتب عليه، ويكون العقد هو السبب الموجب للضمان
(1)
.
والأصل في الالتزام بالوفاء بالعقود والشروط وتحمل مسئولية ذلك عند الإخلال بها عموم الآيات الدالة على ذلك كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
(2)
، وقوله جل وعلا:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}
(3)
.
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حرما)
(4)
.
وكذلك ما قرره الفقهاء من قواعد فقهية مستندة إلى أدلة شرعية تقضي بتقييد العقد المطلق بالعرف والعادة كما يتقيد بالنص، وذلك كقاعدة (المعروف عرفا كالمشروط شرطا)
(5)
.
(1)
انظر: المصدرين السابقين.
(2)
سورة المائدة، [1].
(3)
سورة الإسراء، [34].
(4)
أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس (3/ 634 - 635) برقم (1352)، والدارقطني (3/ 27)، والحاكم في المستدرك (4/ 113)، والبيهقي في سننه: كتاب الشركة، باب الشرط في الشركة وغيرها (6/ 79)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال ابن تيمية في القواعد النورانية (ص 220): «وهذه الأسانيد وإن كان الواحد منها ضعيفا فاجتماعها من طرق يشدّ بعضها بعضا» ، وصححه الألباني بمجموع طرقه في الإرواء (5/ 142 - 146).
(5)
انظر: درر الحكام (1/ 51)، شرح تنقيح الفصول (ص 448)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 92 - 93)، زاد المعاد (5/ 109، 118).