الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهمية القضاء:
القضاء رتبة شريفة، ومنزلة رفيعة، فبه بعث الرسل، وبالقيام به قامت السموات والأرض، وهو من أقوى الفرائض بعد الإيمان باللَّه تعالى، وقد قام به اللَّه تعالى، وبعث به رسله عليه السلام، وقام به أئمة العدل بعدهم امتثالًا لأمره تعالى وتوجيهه، كلما في قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44]، وقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء: 105].
والقضاء عبادة من أشرف العبادات التي يتقرب بها إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وتكون سببا جالبا لمحبته ورضوانه، يقول تعالى:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} [المائدة: 42]. فأي شرف أعلى من محبة اللَّه تعالى وتمام رضوانه.
وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من النعم التي يباح الحسد عليها فقد جاء من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه اللَّه مالا، فسلطه على هلكته في الحق، وأخر آتاه اللَّه الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها"(1)، ففي هذا الحديث ترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه، وقوي على أعمال الحق، ووجد له أعوانًا، لما فيه من الأمر بالمعروف، ونصرة المظلوم، وأداء الحق لمستحقه، وكف يد الظالم والإصلاح بين الناس وكل ذلك من القربات (2).
كما أن القضاء هو الطريق لإقامة العدل بين الناس ولا يستقيم حالهم إلا به دفعا للظلم وكبحا للشر، لأن الظلم في الطباع فلا بد من حاكم
(1) صحيح البخاري، كتاب العلم 1/ 28، وصحيح مسلم، باب فضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها 2/ 201.
(2)
فتح الباري 13/ 12.
ينصف المظلوم من الظالم ويسى لإقامة العدل الذي هو قوام الأمر وحيلته الذي أمر اللَّه به في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]. فبالقضاء تعصم الدماء وتسفح، والأبضاع تحرم وتنكح، والأموال يثبت ملكها ويسلب، والمعاملات يعلم ما يجوز منها ويحرم ويكره ويندب، لذا فإن أمر الناس لا يستقيم بدونه (1).
وقد جاءت النصوص الشرعية في بيان خطر هذه الولاية، وعظيم شأنها، وأن القيام بها أمر ليس باليسير؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين"(2).
وروى بريده بن الحصيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار"(3).
وروت عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ليأتين على القاضي يوم يود أنه لم يقض بين اثنين في ثمره"(4).
(1) تبصرة الحاكم 1/ 1 - 13، المبسوط 16/ 59 - 60.
(2)
سنن أبي داود، كتاب الأقضية 3/ 298، وسنن الترمذي، كتاب الأحكام 3/ 614، وقال: حسن غريب، والمستدرك للحاكم 4/ 91، قال ابن حجر في التلخيص: وأعله ابن الجوزي وليس كما قال وكفاه قوة تخريج النسائي له. أهـ تلخيص الحبير 4/ 184.
(3)
سنن أبي داود، كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطيء 3/ 299، والمستدرك، كتاب الأحكام 4/ 90، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد بإسناد صحيح على شرط سلم، وواقفة الذهبي على ذلك.
(4)
السنن الكبرى كتاب آداب القاضي 10/ 96، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب الأحكام 4/ 192 وقال: إسناده حسن وتابعه السيوطي في الجامع الصغير 4/ 132، وأورده ابن حجر في التلخيص الحبير، كتاب القضاء 4/ 184.
وقد جاء إلى جانب ذلك نصوص ترغب في العدل، والقيام به، من ذلك قوله تعالى:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} [المائدة: 42]. وقد روى عمرو بن العاص رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فاخطأ، فله أجر"(1). وروى عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أن المقسطين عند اللَّه على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل -وكلتا يديه يمين-، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما لوا"(2).
وبذا يظهر بجلاء أهمية القضاء، وأن أمر الخلق لا يستقيم بدونه؛ لان من طبعهم الشحناء والبغضاء، ولا بد لهم من قاض يفصل بينهم فيما أحدثوه من خلاف وشقاق ولا يتركون نهبا لخصوماتهم وأهوائهم.
* * *
(1) صحيح البخاري مع شرحه الفتح، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (13/ 318)، وصحيح مسلم مع شرحه للنووي، كتاب الأقضية (12/ 13).
(2)
صحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الإمارة، باب فضيلة الأمير العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم (12/ 211).