الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لفساد حال أكثر القضاة في زماننا إلا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ (1).
النتيجة:
عدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن قول القاضي حجة تامة وذلك لوجود الخلاف في المسألة.
[36/ 2]: لا تنقض الأحكام السابقة بتغير اجتهاد القاضي
• المراد بالمسألة: يقصد بتغير اجتهاد القاضي: أنه إذا قضى في حادثة محل اجتهاد برأيه ثم رفعت اليه مسألة أخرى مماثلة فتغير اجتهاده الفقهي، فإنه يعمل بالرأي الثاني، ولا يوجب هذا نقض الحكم بالرأي الأول، ولو رفعت إليه مسألة أخرى ثالثة فتحول رأيه الفقهي إلى الأول يعمل به ولا يبطل قضاؤه بالرأي الثاني بالعمل بالرأي الأول، كما لا يبطل قضاؤه الأول بالعمل بالرأي الثاني (2)، وقد نقل الاتفاق على ذلك.
• من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه لا يحل لمفتٍ ولا قاضٍ أن يحكم بما يشتهي مما ذكرنا في قصة، وبما اشتهى مما يخالف ذلك في أخرى مثلها، وإن كان كلا القولين مما قال به جماعة من العلماء، ما لم يكن ذلك لرجوع عن خطأ لاح له، إلى صواب بان له)(3).
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه إذا حكم الحاكم باجتهاده ثم بان له اجتهاد يخالفه فإنه لا ينقض الأول، وكذلك إذا رفع إليه حكم غيره فلم يره فإنه لا ينقضه (4).
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأما إذا تغير اجتهاده من غير أن يخالف نصًا ولا إجماعًا أو خالف اجتهاده اجتهاد من قبله لم ينقضه
(1) البناية (9/ 96).
(2)
بدائع الصنائع (7/ 8).
(3)
كتاب مراتب الإجماع لابن حزم (58).
(4)
الإفصاح (1/ 231).
لمخالفته لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ذلك) (1).
وقال أيضًا: (كالحاكم إذا اجتهد في حادثة ثم حدث مثلها، لزمه إعادة الاجتهاد، وهذا مذهب الشافعي، فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني ولم يعد ما صلى بالأول، كما لو تغير اجتهاد الحاكم عمل بالثاني في الحادثة الثانية ولم ينقض حكمه الأول وهذا لا نعلم فيه خلافا)(2).
ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وأخويها لأبيها وأمها وأخويها لأمها، فأشرك عمر بين الإخوة للأم والأب والإخوة للأم في الثلث، فقال له رجل: إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا، قال عمر: تلك ما قضينا يومئذ، وهذا ما قضينا اليوم، فأخذ أمير المؤمنين في كلا الإجتهادين، بما ظهر له أنه الحق، ولم يمنعه القضاء الأول من الرجوع إلى الثاني، فجرى أئمة الإسلام بعده على هذين الأصلين)(3).
شمس الدين السيوطي (880 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الحاكم إذا حكم باجتهاده، ثم بأن له اجتهاد يخالفه فإنه لا ينقض)(4). أبو عبد اللَّه الدمشقي (898 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الحاكم إذا حكم باجتهاده، ثم بأن له اجتهاد يخالفه، فإنه لا ينقض الأول)(5).
• مستند الاتفاق: ما روي عن الحكم بن مسعود الثقفي قال: شهدتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشرك الإخوة مع الأب والأم مع الأخوة من الأم في الثلث، فقال له رجلٌ: لقد قضيت عام أَوَّلَ بغير هذا، قالَ: فكيفَ
(1) المغني (14/ 35).
(2)
المغني (2/ 92).
(3)
إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 114).
(4)
جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود (2/ 294).
(5)
رحمة الأمة (ص 329).
قضيتُ، قالَ: جَعَلْتَهُ للإخوة من الأب والأم، ولم تجعل للإخوة من الأم شيئًا، قالَ: تلكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وهَذِهِ على مَا نقضي) (1).
2 -
ما روي عن الشعبي أنه قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقضي بالقضاء، ثم ينزل القرآن بغير الذي قضى به فلا يرده ويستأنف"(2).
• وجه الدلالة: دلت الأحاديث السابقة على أن القاضي إذا قضى في حادثة باجتهاده ثم رأى خلاف ما قضى به، لم ينقض ما مضى من القضاء، لكنه يستأنف الحكم في المستقبل بما يحول إليه رأيه، لأن رأيه الحادث في مقابلة الرأي الأول، دون القرآن النازل في مقابلة ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ثم ينزل القرآن مع ذلك لم ينقض ما مضى من الحكم، فبتغير الرأي أولى (3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
النتيجة:
صحة ما نقل من الإجماع على عدم نقض اجتهاد القاضي السابق باجتهاد لاحق وذلك لعدم وجود المخالف.
(1) أخرجه البيهقي (9/ 338) حديث رقم (12609)، والداراقطني (4/ 49) عن مسعود حديث رقم (4041)
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 14)، كتاب أقضية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ح (29106).
(3)
شرح أدب القاضي (ص 326).
(4)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 8)، المبسوط (16/ 84)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (8/ 52)
(5)
الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك (4/ 185).
(6)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/ 530)، المجموع شرح المهذب (3/ 200).
(7)
المغني (14/ 404)، الشرح الكبير (28/ 383)، السيل الجرار (4/ 303).