الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب حجية الإقرار ومن يصح إقراره
[271/ 7]: مشروعية الإقرار
• المراد بالمسألة: أن الإقرار شرعه اللَّه للفصل في الخصومات إظهارا للحق، فيجب على القاضي الأخذ به عند نظر الخصومة إذا أقر أحد الخصوم، وقد نقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الإقرار: هو الاعتراف، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع. . . . وأما الإجماع. فإن الأئمة أجمعت على صحت الإقرار)(1).
الزيلعي (762 هـ) حيث قال: (لأن الإقرار حجة شرعية ثبتت حجيته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة والمعقول. . . وأما الإجماع فلأن الأمة أجمعت على أن الإقرار حجة في حق نفسه حتى أوجبوا عليه الحدود والقصاص بإقراره)(2).
الزركشي (794 هـ) حيث قال: (وثبت أن النبي رجم ماعزًا بإقراره، وقال: "واغد يا أنيس إلى أمرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" (3)، وأجمع المسلمون على صحة الإقرار في الجملة) (4).
زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث قال: (والأصل فيه -أي الإقرار-
(1) المغني (7/ 340).
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (5/ 3).
(3)
يأتي تخريجه في مستند الإجماع.
(4)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي (4/ 152).
قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]، وفسرت شهادة المرء على نفسه بالإقرار).
ابن حجر (974 هـ) حيث قال: (الإقرار: هو لغة الإثبات. . . وأصله قبل الإجماع قوله تعالى {شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] (1).
محمد بن أحمد الشربيني ت (977 هـ) حيث قال: (والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي عهدي، {قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81]. وخبر الصحيحين: "اغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امْرَأةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْهَا" وأجمعت الأمة على المؤاخذة به)(2). . وقال أيضًا في موضع آخر: (وأجمعت الأمة على المؤاخذة به)(3).
البكري الدمياطي (1300 هـ) حيث قال: (وقوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] إلى قوله {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] أي فليقرّ بالحق، دلّ أوله على صحة إقرار الرشيد على نفسه، وآخره على صحة إقرار الولي على موليه، وخبر الصحيحين: "اغدِ يا أنيس إلى امرأة هذا فإِن اعترفت فارجمها، فذهب إليها، فاعترفت، فرجمها" وأجمعت الأمة على المؤاخذة به)(4).
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)} [آل عمران: 81].
(1) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (4/ 234).
(2)
الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2/ 104).
(3)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 322).
(4)
إعانة الطالبين (3/ 188).
• وجه الدلالة: الآية وصْفُ توقيفِ الأنبياء عليهم السلام على إقرارهم بهذا الميثاق، والتزامِهِم له، ومنه اتخذ العلماء حجية الإقرار (1)، ولم يقولوا أقررنا بذلك ولا زادوا عليه فكان منهم إقرارًا (2).
قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135].
• وجه الدلالة: قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه هو الإقرار (3).
ما روي عن أبي هريرةَ وزيد بن خالدٍ الجهنيِّ رضي الله عنهما أنهما قالا: "إِنَّ رجُلًا منَ الأعرابِ أتى رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللَّهِ أنشُدُكَ اللَّهَ إِلّا قَضَيتَ لي بكتابِ اللَّهِ. فقال الخَصمُ الآخرُ -وهو أفقهُ منهُ-: نعم فاقضِ بَينَنا بكتابِ اللَّهِ وائذَنْ لي. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُل. قال: إِنَّ ابني كان عسِيفًا على هذا فزَنى بامرأتهِ، وإِني أخبِرْتُ أن على ابني الرَّجمَ فافتَدَيتُ منه بمائةِ شاةٍ ووَليدةٍ، فسألتُ أهلَ العلم فأخبَروني أنَّما على ابني جَلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرأةِ هذا الرجمَ. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيدِه لأقْضِينَّ بينكما بكتاب اللَّهِ: الوَليدةُ والغَنمُ رَدٌّ، وعلى ابنِكَ جَلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ. اغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امرأةِ هذا فإِنِ اعترَفَتْ فارجُمْها. قال: فغَدا عليها فاعتَرَفتْ، فأمرَ بها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فرُجمَتْ"(4).
ما روي عن أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ جاريةً وُجِدَ رَأْسُهَا بينَ حَجَرينِ، فجئَ بِهَا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقيلَ: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا أَفُلَانٌ، أفلانٌ، حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَبَعَثَ إلى اليَهُودِيِّ فجئَ بِهِ فاعْتَرَفَ، قالَ: فأَمَرَ بِهِ النبيُّ
(1) تفسير أبو السعود (1/ 269).
(2)
المغني (7/ 340).
(3)
جامع البيان، الطبري (9/ 302)
(4)
أخرجه البخاري (2/ 971) الحديث رقم (2667)، ومسلم (11/ 171) حديث رقم (4389).
-صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأسُهُ بينَ حجرينِ) (1).
ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه رضي الله عنهما قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مثلَ ذلكَ، حتَّى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مِمَّ أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ:"أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجلٌ فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ) (2).
لأنا إذا قبلنا الشهادة على الإقرار فلأن نقبل الإقرار أَوْلَى (3).
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
النتيجة:
صحة ما نقل من الإجماع على مشروعية الإقرار وذلك لعدم
(1) أخرجه البخاري (2/ 850)، حديث رقم (2371) مسند الإمام أحمد، حديث رقم (13467).
(2)
أخرجه مسلم (11/ 166) حديث رقم (43855).
(3)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 322)، المجموع شرح المهذب (22/ 304).
(4)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/ 60) حاشية رد المحتار على الدر المختار (8/ 12)، تحفة الفقهاء (3/ 193).
(5)
منح الجليل شرح مختصر خليل (3/ 393).
(6)
المجموع شرح المهذب (22/ 304)، مغني المحتاج (4/ 488).
(7)
الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4/ 567).