الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[49/ 2]: بطلان المصالحة في حقوق اللَّه
.
• المراد بالمسألة: أن من شروط المصالح عنه: أن يكون مملوكًا للمصالِح، فإذا صالح على حق من حقوق اللَّه -وهي الحقوق العامة التي يعود نفعها للعموم، وليست خاصة بشخص معين- فالصلح عنها باطل، كالزنا والسرقة وشرب الخمر، وقد نقل نفي الخلاف في ذلك.
• من نقل نفي الخلاف: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (لا خلاف في حد الزنا والشرب والسكر والسرقة، أنه لا يحتمل العفو والإبراء، بعد ما ثبت بالحجة)(1).
ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (وفيه -أي حديث زيد بن خالد في قصة العسيف- أن الحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزنا، والسرقة، والحرابة، وشرب المسكر)(2).
بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (ولا يجوز -أي الصلح- في دعوى حد. . . وصورته: أخذ زانيًا أو شارب خمر، فصالح على مال أن لا يرفعه إلى الحاكم فهو باطل، ولا نعلم فيه خلافًا)(3).
الزرقاني (1122 هـ) حيث قال: (والحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزنا والسرقة والشرب والحرابة)(4).
• مستند نفي الخلاف: ما روي عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا: إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه. فقال الخصم الآخر: نعم
(1) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 55).
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (12/ 141).
(3)
البناية (10/ 14).
(4)
شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 175).
فاقض بيننا بكتاب اللَّه وأذن لي. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قل، قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته، وإني اخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وأن على إمرأة هذا الرجم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب اللَّه، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك مائة جلدة، وتغريب عام، وأغد يا أنيس (1) إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها. قال: فغدا إليها، فاعترفت، فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت (2).
• وجه الدلالة: أن الرجل أراد المصالحة عن إقامة الحد على ابنه، فردها النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانت جائزة لقبلها (3).
2 -
ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال النبي رضي الله عنه:"الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا، أو حرم حلالًا"(4).
• وجه الدلالة: أن الصلح على إسقاط الحد يعد من الصلح الذي
(1) اختلف في أنيس هذا من المراد به: القول الأول: أنيس الضحاك الأسلمي. رجحه ابن الأثير؛ وذلك لكثرة القائلين بذلك، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد ألا يأمر في قبيلة بأمر إلا لرجل منهم؛ لنفور طباع العرب من أن يحكم في القبيلة أحد من غيرها، فكان بتألفهم بذلك. القول الثاني: أنه أنيس بن مرثد بن أبي مرثد الغنوي، أبو بزيد، شهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينًا، توفي عام (20) هجريًا. واختار هذا ابن حبان وابن عبد البر، ورده ابن حجر العسقلاني، وقال: بأن الذي ورد في الحديث أنه أسلمي، وهذا غنوي. والقول الثالث: أنه صحابي آخر مستقل غير من سبق، اختار هذا ابن حجر العسقلاني. انظر: أسد الغابة (1/ 302)، الاستيعاب (1/ 113)، الإصابة (1/ 136).
(2)
أخرجه البخاري (514) الحديث رقم (2696)، ومسلم (3/ 1069) الحديث رقم (1698).
(3)
المغني (7/ 30).
(4)
سبق تخريجه ص 126.
أحل الحرام (1).
3 -
أن الحد حق اللَّه تعالى، وليس ملك للآدمي، والإعتياض عن حق الغير لا يجوز (2).
• الموافقون على الاتفاق: وافق على الحكم الحنابلة (3)، وابن حزم الظاهري (4).
النتيجة:
صحة ما نقل من الإجماع على بطلان المصالحة في حقوق اللَّه وذلك لعدم وجود المخالف.
[50/ 2]: جواز العوض (5) في الصلح عن الجناية
• المراد بالمسألة: إذا وقعت جناية تستوجب قصاصًا، فللجاني أن يصالح المجني عليه أو أولياءه، على مال يدفعه إليهم، على حسب ما يتفقون عليه، سواء قَلَّ هذا المال عن دية الخطأ، أم كان أكثر من مقدار الدية، وقد نقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: الشلبي (947 هـ) نقلًا عن الإسبيجابي حيث يقول: (قال الإسبيجاني: والصلح من كل جناية فيها قصاص على ما قل من المال أو كثر جائز، بالكتاب والسنة وإجماع الأمة)(6).
(1) البناية (10/ 14).
(2)
بدائع الصنائع (7/ 55)، المغنى (7/ 30).
(3)
الفروع (4/ 271)، الإنصاف للمرداوي (5/ 247)، دقائق أولي النهى (2/ 146).
(4)
المحلى (6/ 465).
(5)
العوض: البدل، قال ابن سيده: وبينهما فرق لا يليق ذكره في هذا المكان، والجمع أعواض، والاسم: المعاوضة، وفي حديث أبي هريرة: فلما أحل اللَّه ذلك للمسلمين، يعني الجزية، عرفوا أنه قد عاضهم أفضل مما خافوا. انظر: لسان العرب لابن منظور (3/ 211) مادة (عوض).
(6)
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/ 35).
بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (ويصح عن جناية العمد والخطأ وكذا عن كل حق يجوز أخذ العوض عنه بلا خلاف)(1).
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178].
• وجه الدلالة: ذكر بعض المفسرين أن المراد بالعفو هنا الصلح عن دم العمد، ومعناها من بُذِل له بدل أخيه المقتول مال، فليتبع ذلك فهو من المعروف (2).
2 -
ما روي عن أنس رضي الله عنه قال: كسَرَت الربيع ثنية جارية من الأنصار، فطلب القوم القصاص، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر -عم أنس بن مالك-: لا واللَّه لا تكسر سنها يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (يا أنس كتاب اللَّه القصاص) فرضي القوم، وقبلوا الأرش، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره)(3).
• وجه الدلالة: أن هذه جناية أوجبت القصاص من الربيع، ولما عفا القوم ورضوا بالأرش، أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه (4).
3 -
ما روي عن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم معشر خزاعة (5) قتلتم هذا القتيل من هذيل (6)، وإني عاقله، فمن قُتِل له
(1) البناية (10/ 11).
(2)
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/ 35)، وينظر في تفسير الآية: معالم التنزيل للبغوي (1/ 191)، زاد المسير (1/ 180)، الدر المنثور (1/ 419).
(3)
أخرجه البخاري (1/ 515)، الحديث رقم (2703)، ومسلم (3/ 1201)، (1903).
(4)
المغني (14/ 231).
(5)
خزاعة: قبيلة من بني عمرو بن ربيعة، وهو أول من غير دين إبراهيم، وهو حي من حارثة، سموا بذلك؛ لأنهم ساروا مع قومهم من مأرب فانتهوا الى مكة فتخزعوا عنهم فأقاموا، وصار الآخرون إلى الشام: انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 562).
(6)
هذيل: قبيلة تنسب إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن معد، تفرقت في =