الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الدعاوى والبينات
[79/ 4]: البينة على المدعي واليمين على من أنكر
• المراد بالمسألة: إذا تقاضى شخصان فالمدعي مكلف بالبينة -وهي اسم لكل ما أبان الحق وأظهره، من الشهود وقرائن الحال، ووصف المدَعَى في نحو اللقطة (1) - والمدعى عليه ملزم باليمين، وقد نقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: أبو عيسى الترمذي (279 هـ) حيث قال: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه)(2).
ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمعوا على أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)(3).
البغوي (516 هـ) حيث قال: (وفي الحديث دليل على أن من ادعى عينا في يد آخر، أو دينا في ذمته، فأنكر أن القول قول المدعى عليه مع يمينه، وعلى المدعي البينة، وهو قول عامة أهل العلم)(4).
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر)(5).
(1) انظر: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (2/ 1016).
(2)
سنن الترمذي (4/ 475).
(3)
الإجماع لابن المنذر (86)، الإجماع رقم (289).
(4)
شرح السنة للبغوي (10/ 101).
(5)
الإفصاح لابن هبيرة (2/ 132).
ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وعن وائل بن حجر قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الذي من حضرموت: يا رسول اللَّه إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها، وليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألك بينة؟ ) قال: لا. قال (فلك يمينه) فقال: يا رسول اللَّه الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء، فقال (ليس لك منه إلا ذلك). . . هذا القسم لا أعلم فيه نزاعا أن القول فيه على قول المدعى عليه مع يمينه، إذا لم يأت المدعي بحجة شرعية، وهي البينة) (1).
الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر. . . وإلى هذا ذهب سلف الأمة وخلفها، قال العلماء: والحكمة في كون البينة على المدعي أن جانب المدعي ضعيف لأنه يدعي خلاف الظاهر، فكلف الحجة القوية، فيقوي بها ضعف المدعي)(2).
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
(1) الطرق الحكمية لابن القيم (1/ 251).
(2)
سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام للصنعاني (4/ 235).
حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)} [البقرة: 282].
2 -
• وجه الدلالة: أنه لو كان القول قول المدعى من غير بينة لما احتيج إلى الكتابة والإملاء، والإشهاد عليه، فلما احتيج إليه دل على أن البينة على المدعي (1).
3 -
ما روي عن عبدُ اللَّهِ أنه قال: "من حلفَ على يَمينٍ يستحقُّ بها مالًا لقيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غضبانُ، ثمَّ أنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 77]، ثم إن الأشعثَ بنَ قَيسِ خَرجَ إلينا فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبد الرحمن؟ فحدَّثناهُ بما قال، فقال: صدق، لَفِىَّ أُنزِلَتْ، كان بيني وبين رجلٍ خُصومةٌ في شيءٍ، فاختصمنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: شاهداكَ أو يَمينهُ، فقلتُ له: إنهُ إذَنْ يحلِفُ ولا يُبالي: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَن حلفَ على يَمينٍ يَستحق بها مالًا -وهو فيها فاجرٌ- لقيَ اللَّهَ وهوَ عليه غَضبانُ. فأنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك. ثم اقتَرأَ هذهِ الآية"(2).
(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 191).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2616)، ومسلم رقم (313) واللفظ للبخاري.