الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع شروط استيفاء القصاص
[42/ 1] من قتل في غير الحرم ثم دخل الحرم لا يقاد منه فيه
• المراد من المسألة: أن من ارتكب جناية القتل في الحلّ ثم لجأ إلى الحرم فإنه لا يقتص منه فيه.
• من نقل الإجماع: قال الإمام أبو بكر الجصّاص (371 هـ): وأما ما ذكرنا من قول السلف فيه يدل على أنه اتفاق منهم على حظر قتل من قتل في غير الحرم ثم لجأ إليه؛ لأن الحسن روي عنه فيه قولان متضادان، أحدهما رواية قتادة عنه أنه يقتل، والآخر رواية هشام بن حسان في أنه لا يقتل في الحرم، ولكنه يخرج منه فيقتل، وقد بينا أنه يحتمل قوله يخرج فيقتل أنه يضيق عليه في ترك المبايعة والمشاراة، والأكل والشرب حتى يضطر إلى الخروج، فلم يحصل للحسن في هذا قول لتضاد الروايتين وبقي قول الآخرين من الصحابة والتابعين في منع القصاص في الحرم بجناية كانت منه في غير الحرم، ولم يختلف السلف ومن بعدهم من الفقهاء أنه إذا جنى في الحرم وكان مأخوذا بجنايته يقام عليه ما يستحقه من قتل أو غيره (1).
وقال الإمام ابن حزم (456 هـ): والعار أيضا في خلافهم ما لا يستحلون خلافه إلى خلافهم عمر، وابنه، وأبا شريح، وابن عباس، وابن الزبير في أن لا يقام قَوَد بمكة أصلا، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم، والقرآنُ معهم، والسنةُ ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم معهم يهتف بذلك على الناس ثاني يوم الفتح، فهذا هو الإجماع المقطوع به على جميع الصحابة أنهم قالوا به (2).
(1) أحكام القرآن (2/ 305).
(2)
المحلى (10/ 498).
ونص كلامه رحمه الله لا يتبين منه هل هو عام فيمن جنى في الحرم، ومن كان في غير الحرم ثم لجأ إليه، غير أنه محمول على الصورة الثانية فقط؛ لأنه ساق في مطلع المسألة (1) قول ابن عباس رضي الله عنهما: من قتل أو سرق في الحل، ثم دخل الحرم، فإنه لا يُجالس، ولا يُكلّم، ولا يؤذى، ويناشد حتى يخرج، فيؤخذ فيقام عليه الحدّ، ومن قتل أو سرق فأخذ في الحل ثم أُدخل الحرم فأرادوا أن يقيموا عليه ما أصاب أخرجوه من الحرم إلى الحِلّ، فأقيم عليه، وإن قتل في الحرم أو سرق أقيم عليه في الحرم (2)، وهو ظاهر في الاستثناء.
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97].
• وجه الدلالة كما يقول ابن حزم رحمه الله: هذا أمر من اللَّه تعالى مخرجه مخرج الخبر، ولا يخلو من أن يكون خبرا أو أمرا، فبطل أن يكون خبرا؛ لأننا قد وجدنا القرامطة الكفرة لعنهم اللَّه قد قتلوا فيه أهل الإسلام، . . فصحّ يقينا أنه أمر من اللَّه تعالى إذ لم يبق غيره (3).
2 -
عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم افْتَتَحَ مَكَّةَ: "إن اللَّه حرّم مكة فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرّف"(4).
(1) المحلى (10/ 493).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (5/ 152) برقم (9225)، وصحح هذا الأثر زكريا غلام الباكستاني في كتابه ما صح من آثار الصحابة في الفقه، (3/ 1245).
(3)
المحلى (10/ 494).
(4)
أخرجه البخاري في الحج، باب لا ينفّر صيدها برقم (1736)، ومسلم في الحج، باب تحريم مكة وصيده وخلاها (1353).